أوعلي عبد الكريم
الحركة الثقافية الأمازيغية هي مجموعة من الفعاليات التي تساهم بشكل فردي أو جماعي و بشكل مباشر أو غير مباشر في الدفاع عن الأمازيغية أو إنماء أحد مكوناتها من لغة و ثقافة و هوية مع الدفع بكافة مكونات المجتمع لتنخرط بدورها في تلك العملية الإنمائية.و تقوم بوظيفتها هاته بواسطة مجموعة من الأفعال أو المواقف ذات الطبيعة الرمزية أو المادية التي تتسم بنوع من الإستمرارية.فالحركة الأمازيغية كباقي الحركات تملك تاريخا مليء بالمواقف النضالية لأعضاء الحركة. و لدراسة الحركة الأمازيغية لا بد من دراستها دراسة أكاديمية بناءا على الناحيتين النظرية التطبيقية،لأن الدراسة بالأسس العلمية لا يكون إلا بتسليط الضوء على المادة المدروسة، في مختبر علمي تستخدم فيه أدوات البحث و التحري عن الحقيقة بشكل موضوعي.و لعل هذه الأدوات إن بحثنا عنها مليا في كل العلوم، فإننا نجدها مرتبطة بنظريات أو مناهج أو مقتربات أو حتى مؤشرات.
و بالتالي فنحن بصدد دراسة الحركة الثقافية الأمازيغية، فسنعالجها أولا كمادة تنتمي إلى الحقل المعرفي الخاص بالحركات الإجتماعية، و الغاية من دلك هو معرفة طبيعة النظريات المرجو استعمالها لتحليلها و دراستها بشكل علمي، و بهدا الصدد ارتأينا التركيز من الناحية النظرية على ثلاث نظريات أساسية و مهمة لدراسة الحركات الإجتماعية دراسة أكاديمية، و تتمثل هده النظريات في نظرية تعبئة الموارد و نظرية الفرص السياسية و أخيرا نظرية التأطير. أما على المستوى التطبيقي سيتم تطبيق النظريات الثلاث على الحركة الأمازيغية بهدف دراستها بناءا على نظريات أكاديمية علمية.
انطلاقا من نظرية تعبئة الموارد يرى "سيدني تارو" أن الحركات الإجتماعية الجديدة لا تنشأ بصورة فردية، إنما كجزء من موجة عامة من اضطراب اجتماعي، أو من حدث غير متوقع، ففي البداية يحدث تحريك مباشر في الشبكات الإجتماعية القائمة، و في هده المرحلة تميل إلى طلب وقت الأعضاء و طاقتهم و ليس لديها ما تقدمه لهم سوى الحماسة و الشعور بالتضامن. وغالبا ما ينتج عن الإنحدار حصول اندماج في منظمات الحركات الإجتماعية، فتبني مقارنة محسوبة حسابا أفضل و بعيدة المدى و تعمل على تحريك الموارد على هدا الأساس. فقد لا يكون هناك شعور فوري بنتائج الإحتجاج، غير أن نتائج النضال تظهر فيما بعد بناءا على برامج الأحزاب السياسية و القرارات السياسية و تغير مواقف و قيم السكان. و لضمان تطبيق أمثل لهده النظرية على الحركة الأمازيغية سأقوم بتقسيم الجانب التطبيقي لهده النظرية لثلاث مراحل أساسية.
المرحلة الأولى : تتمثل في بداية الستينات و بداية السبعينات حين بدأ ينتشر الخطاب الأمازيغي داخل الجامعة، وقام الطلبة بحملة للمطالبة بتدريس اللغة الأمازيغية و الدفاع عنها، حين بدأ تدريس اللغتين الفارسية و العبرية، و هدا ما ولد نوعا من التهميش و تساءل الطلبة أنداك، هل يعقل أن تدرس لغات قديمة و لا علاقة لنا بها في الوقت الذي تهمش فيه اللغة الأمازيغية.
المرحلة الثانية : حددت هده المرحلة في أواخر السبعينات إلى حدود أوائل التسعينات. تعتبر هده المرحلة مرحلة التوسع بحيث بدأ الوعي و العمل الثقافي الأمازيغي. فهده المرحلة هي بداية تحول الوعي التقليدي بالهوية إلى الوعي العصري، فقد عرفت هده الحقبة ظهور أول جمعية بالناظور و هي جمعية الإنطلاقة الثقافية سنة 1978، و بعدها جاءت الجمعية الجديدة للثقافة و الفنون الشعبية التي تعرف اليوم بجمعية تماينوت، و ظهرت جمعية الجامعة الصيفية سنة 1979.
المرحلة الثالثة : مرحلة ما بعد ميثاق أكادير لسنة 1991، فهده الظرفية تميزت بانفراج سياسي. عبرت الحركة الأمازيغية من خلال ميثاق أكادير عن مطالبها السياسية المغلفة بغلاف ثقافي. لقي هدا الميثاق صدى إيجابي فقد جعل الأحزاب تغير نظرتها اتجاه المكون الأمازيغي، من أبرزهم حزبي الإتحاد الإشتراكي و حزب الإستقلال. فقد عرفت هده المرحلة نقاشات عديدة حول الأمازيغية بين أطراف المجتمع السياسي، وصولا إلى خطاب الملك الحسن الثاني سنة 1994، و التصريح الحكومي لحكومة التناوب، وصولا إلى صعود الملك الجديد للعرش و سلسلة المكتسبات التي حققتها الحركة مع الملك الجديد، وهنا تكمن النظرة البعيدة الأمد للحركة الأمازيغية.
ارتباطا بنظرية تعبئة الموارد "يرى تشارلز" تيلي أن للحركات الإجتماعية هدف الوصول الروتيني إلى الوكالات الحكومية،فتنقل مطالبها إلى هناك، فعندما لا تجد سبيلا لذلك تلتجئ لوسائل أخرى، هده الوسائل تسمى " ذخيرة العمل الجمعي" فهي كل الطرق التي تستعملها الحركة لتحقيق غاياتها المشتركة. فهده المقولة تجد صداها لدى الحركة الأمازيغية، وأول شعار اتخذته الحركة الأمازيغية في توجهاتها هو "الوحدة و التنوع" و بعدها ثم رفع شعار " الأمازيغية مسؤولية وطنية" و جاء هدا الشعار قبيل تأسيس ميثاق أكادير، ورفع شعار "لا ديمقراطية دون أمازيغية " قبيل التعديل الدستوري لسنة 1996 فهدا الشعار كان موجها بالأساس للمؤسسة الملكية. فقد استعملت الحركة عدة و سائل لكسب مختلف التيارات السياسية ، بحيث استعملت ورقة حقوق الإنسان لإقناع التيارات اليسارية، بينما التيارات الإسلامية اتخدت الحركة نمط الخطاب الديني لإقناعهم بجدوى مطالبها و مشروعيتها من الزاوية الدينية و تكلف بهده المهمة "محمد شفيق" و استند على الاية التالية " ومن آياته خلق السماوات و الأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين". أما على المستوى المؤسساتي ثم خلق نقاشات مع مختلف الهيئات السياسية و النقابية و الحقوقية و ذلك من خلال المذكرات و الرسائل نذكر منها المذكرة الموجهة لأعضاء المجلس الوطني للثقافة سنة 1993، و المذكرة الموجهة للوزير الأول سنة 1994، و المدكرة الموجهة لديوان الملكي سنة 1996بشأن التعديل الدستوري. و على المستوى الدولي ثم إنشاء الكونغرس الأمازيغي موازاة مع دلك المشاركة و تنظيم ندوات و ورشات وطنيا و دوليا.
تعتبر نظرية الفرص السياسية من أهم النظريات التي تدرس الحركات الإجتماعية، و سأركز في هده النظرية على فكرة "ماك ادم" بحيث قال أن نشوء الحركات الإجتماعية يعود رئيسيا إلى التغييرات الإجتماعية التي تجعل النظام السياسي سريع التأثر و التغيير و غير حصين. و أن الفرص السياسية تتولد بهده الطريقة ليست فرصا إلا بقدر ما تحددها كذلك مجموعة من الفاعلين سبق و أن كانوا منظمين بما يكفي لإستغلال أي فرص ملائمة يمكن أن يقدمها النظام السياسي.
يمكن اسقاط هده النظرية على الحركة الأمازيغية التي ناضلت طيلة عقود دون جديد لأن الملك الحسن الثاني كان يؤمن بمكونين الإسلام و العروبة و لم يكن يعترف باللغة الأمازيغية كلغة قائمة الذات بل كلهجة. مع صعود الملك محمد السادس للعرش عمل على تجديد شرعيته و اشتغل على ملف الأمازيغية و استغلت الحركة الأمازيغية لتجديد مطالبها، وهو ما تأتى لها فقد طرح الملك الأمازيغية كبعد هوياتي، واعترف بالمكون الأمازيغي كمكون من مكونات الثقافة و الهوية المغربية، و أسس المعهد الملكي لثقافة الأمازيغية الذي يشغل إدارته مجموعة من المناضلين و الناشطين في الحركة الأمازيغية.و تأكيده على ضرورة دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور رغم الضغوطات التي مارسها التيار المحافظ في المغرب على و أبرزهم العدالة و التنمية في شخص أمينهم العام و حزب الإستقلال. و أخر مؤشر هو خطاب الملك داخل مقر المجلس التأسيس التونسي عندما غير مصطلح "المغرب العربي" بمصطلح "الإتحاد المغاربي".
ارتباطا بنفس النظرية فإن الحركة الإجتماعية قد تطور فرصها السياسية الخاصة، و هدا يوضح من جديد التفاعل الدينامي بين الجوانب المختلفة لنشاطات الحركة عبر الزمان، والمثل الصالح عن التحريك الذي يخلق فرصا سياسية هو حركة الحقوق المدنية. فقد وقع نفس الشيء مع الحركة الأمازيغية التي حركت فرصها السياسية المتمثلة في العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966، و اعتبرته الحركة الأمازيغية مرجعية قانونية دولية لدفاع عن قضيتها.
تعتبر نظرية التأطير من العوامل المهمة لدراسة الحركات الإجتماعية و سأركز على نظرية "سيدني تارو" الدي قال أن قادة الحركات الإجتماعية لا يملكون السيطرة الكاملة على كيفية استقبال صيغ العمل التي يقترحونها، و لا على مناصريهم لإتباع قيادتهم. نجد نفس الشيء لدى الحركة الأمازيغية التي عانت من بعض الإنقسامات بين القيادات في الحركة نذكر منها بيان "محمد شفيق" الذي رفضت الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي التوقيع عليه، و أيضا رفض هده الأخيرة خلق حزب سياسي أمازيغي.يوجد أيضا بعد الرافضين للمعهد الملكي لثقافة الأمازيغية و اعتبره المعارضون عملية مخزنية لإحتواء الحركة و تمييع القضية الأمازيغية. و مما يزيد من أزمة الحركة الأمازيغية ابتعاد التيارات القيادية بالحركة عن الحركة الطلابية الأمازيغية، عوض التقرب منها و مناقشة أرائها، مما يحيلنا على أزمة مرتبطة بصراع الأجيال، إد أن الجيل الثالث يعتبر الجيلين الأول و الثاني مجرد وصوليين و انتهازيين، في حين يعتبر الجيل الأول الجيل الثالث غير مكون بالشكل الكافي، الدي يسمح له بمناقشة القضية الأمازيغية في مختلف مناحيها، و هده النقاشات و الإنقسامات خلقت لنا أزمة التأطير داخل الحركة الثقافية الأمازيغية.