أشرف طانطو
أولا قبل خط أسطر هذا المقال وجب التأكيد على أن الملكية بالمغرب ،صمام أمان تاريخي للبلاد والضامن للوحدة والإستقرار جنبا لجنب مع أحزاب يسارية ناضلت منذ سنوات خلت للرقي بهذا المجتمع نحو الديمقراطية المنشودة ، ودولة المؤسسات والحق والقانون...
أكيد أن المهتم بالشأن العام المغربي ، سيجد نواقص كثيرة في مجال تدبير الشأن العام ، مما يحول وتحقيق العدالة الإجتماعية كلبنة أساسية ضمن المسلسل الديمقراطي.
والملك محمد السادس قد كشف في خطاب مناسبة عيد العرش تفاقم مظاهر الهشاشة و الفقر بالمغرب و توسع الفوارق الإجتماعية بين المغاربة بسبب عدم استفادة المغاربة من "الثروة". هذا بحد ذاته يمثل نقلة نوعية في تعامل الدولة مع المشاكل التي تواجهها
وفيما يلي أهم ما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 15 لإعتلائه الحكم :
I. على المستوى الوطني :
1 ) الملك الإنسان ،خطاب فيه من الدهاء القيادي الشيء الكثير :
( نحتفل اليوم، بكل اعتزاز، بالذكرى الخامسة عشرة لعيد العرش المجيد. وهي مناسبة سنوية للوقوف على أحوال الأمة.
إننا لا نريد أن نجعل منها مناسبة لاستعراض حصيلة المنجزات، لأنها مهما بلغت، ستظل دون ما نرتضيه لك شعبي الوفي.
وإنما نريدها وقفة تأمل وتساؤل مع الذات، بكل صراحة وصدق وموضوعية، حول ما طبع مسيرتنا من إيجابيات وسلبيات، للتوجه نحو المستقبل، بكل ثقة وعزم وتفاؤل.
أنا لا تهمني الحصيلة والأرقام فقط، وإنما يهمني قبل كل شيء، التأثير المباشر والنوعي، لما تم تحقيقه من منجزات، في تحسين ظروف عيش جميع المواطنين.
وإذا كان من الطبيعي أن يتساءل الإنسان مع نفسه، في كل مرحلة من حياته، فإن إجراء هذه الوقفة مع الذات، تعد ضرورية بالنسبة لخديمك الأول، الذي يتحمل أمانة أكثر من 35 مليون مغربي.
ذلك أنني، من منطلق الأمانة العظمى التي أتحملها، كملك لجميع المغاربة، أتساءل يوميا، بل في كل لحظة، وعند كل خطوة، أفكر وأتشاور قبل اتخاذ أي قرار، بخصوص قضايا الوطن والمواطنين :
هل اختياراتنا صائبة ؟ وما هي الأمور التي يجب الإسراع بها، وتلك التي يجب تصحيحها ؟ وما هي الأوراش والإصلاحات التي ينبغي إطلاقها ؟
أما إذا كان الإنسان يعتقد أنه دائما على صواب، أو أنه لا يخطئ، فإن هذا الطريق سيؤدي به إلى الانزلاق والسقوط في الغرور.) أولى فقرات خطاب العرش
حينما نحلل أولى الكلمات التي نطق بها الملك ، سنجده إستعمل خطابا رنانا يجمع بين النقد الذاتي من جهة وبين الحرص على الرقي بأحوال البلاد والعباد من جهة ثانية ، وهذه هي صفات القائد أو القيادة التي تستوجب تحمل المسؤولية والحرص على التجميع وخلق اللحمة داخل الوطن ،مع إعطاء الأمل للأفراد في غد مشرق الشيء الذي يضمن الولاء والحب للملكية بالمغرب.
2 ) إجتماعيا : صراحة متأحرة لكن قد تكون ناجعة :
لا أحد ينكر حجم المشاريع الكبرى المهيكلة للتراب الوطني التي إنطلقت في عهد جلالة الملك محمد السادس من إستراتيجيات إقلاع إقتصادية ( Les Plans Emergences ) في محتلف الميادين : الصيد اليحري ، الفلاحة ، القطاع الصناعي ، السياحة ، البنى التحتية....المجال الإجتماعي والتنمية البشرية ، مدونة الأسرة والرغبة في التحديث الإجابي للأسرة والعلاقات الزوجية ، المصالحة مع ضحايا سنوات الرصاص.... سياسيا تعديل دستوري سنة 2006 ، ودستور جديد ( 2011 ) أكثر تقدما ،على الأقل، على الورق.
لكن الباحث في العلوم الإنسانية والإجتماعية سيكتشف ويرى ، ضعف إلى غياب التأثير المباشر لهذه المشاريع الكبرى على الوضع الإجتماعي للمواطن المغربي حيث لا زالت القدرة الشرائية ضعيفة ، إنتشار الفقر ( 13 مليون مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر حسب تقرير دولي أجري سنة 2013 ) البطالة ، تدهور في الخدمات الصحية ، استمرار للفساد الإداري ، تزايد في إقتصاد الريع....بمعنى اللامساواة في التوزيع العادل للثروة أي نقص في العدالة الإجتماعية
وهذا ما أكد جلالة الملك وبكل وضوح حينما تسائل وقال ( منذ تولينا الحكم قمنا بإصلاحات جوهرية في مختلف الميادين وأطلقنا إستراتيجيات كبرى للنهوض بالإقتصاد الوطني وهذا بإعتراف الجميع وطنيا ودوليا، لكن ما مدى إنعكاس هذا على الرقي بالمستوى الإجتماعي للمواطن ؟
فقد سبق للبنك الدولي أن أنجز في 2005 و2010 دراستين لقياس الثروة الشاملة لحوالي 120 دولة، من بينها المغرب. وقد تم تصنيف بلادنا في المراتب الأولى على الصعيد الإفريقي، وبفارق كبير عن بعض دول المنطقة.
غير أنني بعد الاطلاع على الأرقام والإحصائيات، التي تتضمنها هاتين الدراستين، والتي تبرز تطور ثروة المغرب، أتساءل باستغراب مع المغاربة : أين هي هذه الثروة ؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط ؟
الجواب على هذه الأسئلة لا يتطلب تحليلا عميقا : إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.
ومن هنا، وللوقوف على حقيقة الوضع، نوجه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بتعاون مع بنك المغرب، ومع المؤسسات الوطنية المعنية، وبتنسيق مع المؤسسات الدولية المختصة، للقيام بدراسة، لقياس القيمة الإجمالية للمغرب، ما بين 1999 ونهاية 2013 . )
للأمانة إعتراف جلالة الملك هذا ، بإحتكار الثروة من فئة قليلة على حساب فئة قليلة ، نوعا ما متأخر ، فهذا وللأسف معطى عاشه المغرب منذ 1956 إلى الان ، فصحيح أن 15 سنة من الحكم نوعا ما قصيرة في سلم الزمن السياسي لكن مع وجود للجرأة والإرادة السياسية يصبح الزمن نسبيا ، عموما نتمنى أن تستجيب النخب المدبرة للشأن العام لهذا الخطاب الواقعي ، وإن كان متأخرا ، حتى تتجقق النجاعة .
3 ) سياسيا : خطاب وضع الكرة في ملعب النخب السياسية تطبيقا لدستور 2011 :
من بين الأمور التي أكد عليها الملك في خطابه ، الإشارة الواضحة بكون الشأن العام اليوم هو من مسؤولية الحكومة وباقي النخب عملا بمقتضيات الدستور الذي أعطى صلاحيات كبرى لرئيس الحكومة وهو ما لم يكن في الدساتير السابقة.
فالملك كان ذكي جدا وخاطب المغاربة بشكل ضمني بتحميل مسؤولية تدبير شؤون البلاد للأحزاب الحاكمة ، ما يعنيه من ربط للمسؤولية بالمحاسبة. والتأكيد على إنخراط المغرب في المسلسل الديمقراطي بشكل لا رجعة فيه.
4 ) إشارة واضحة لبن كيران بتحمل مسؤوليته الكاملة وعدم التحجج بالعفاريت وغيرها :
جلالة الملك من خلال كلامه هذا (فلا أحد يمكنه أن ينكر التطور الديمقراطي، الذي يجسده دستور 2011، ومنظومة الحقوق والحريات التي تتوفر عليها بلادنا، والإقدام على ورش الجهوية المتقدمة. غير أن الأثر الملموس لهذه الإصلاحات وغيرها، يبقى رهينا بحسن تنزيلها، وبالنخب المؤهلة لتفعيلها.) وكأن لسان حاله يقول يا رئيس الحكومة مفاتيح تقدم البلاد والعباد وتنزيل مقتضيات وجوهر الدستور من مسؤوليتك وصلاحياتك ، غالقا الباب أمام أي تحجج وتبريرات فارغة قد يلقيها السيد رئيس الحكومة على الاخر تعليلا لفشله .
وبالتالي فإنتاج الثروة وتوزيعها بشكل عقلاني ومستحق ، هي مسؤولية الجميع خاصة الفاعل السياسي.
4 ) أهمية إمارة المؤمنين في تحقق الامن الروحي والوحدة :
( إن عملنا على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا يعادله إلا حرصنا على ضمان أمنهم الروحي، وتوطيد النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني.
هذا النموذج المتميز، الذي يرتكز على إمارة المؤمنين كمرجع له، وعلى المذهب المالكي، هو نتاج الإصلاحات العميقة، التي اعتمدناها خلال 15 سنة الأخيرة، من أجل تأهيل وتأطير المجال الديني.
ويقوم هذا النموذج على تحصين المواطن والمجتمع من نزوعات التطرف والانغلاق والجهل، من خلال حماية المساجد من أي استغلال، باعتبارها فضاءات للعبادة والتوجيه والإرشاد ومحو الأمية.
وهو ما يهدف إليه ميثاق العلماء لسنة 2008، الذي تعززه "خطة دعم" للتأطير الديني المحلي، التي أطلقناها مؤخرا، والتي ينهض بها أزيد من 1300 إمام مرشد، بجميع مناطق المملكة.
كما يرتكز على توفير تكوين علمي وديني متنور، متشبع بقيم الوسطية والاعتدال، وبالتلازم بين الحفاظ على الثوابت الإسلامية، ونهج الاجتهاد والانفتاح، بما يجعل قيم ديننا الحنيف، في انسجام مع اختياراتنا الوطنية، ومع توجهات العصر.
وهو ما جعل النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني يحظى بالتقدير والاهتمام، على المستوى القاري والدولي.)
عبارات تؤكد على القيمة الرمزية والإستقرارية للملك كأمير للمؤمنين ، فالجانب الديني مهم جدا في حماية البلاد من التطرف والعنصرية الطائفية وبالتالي توحيد كل المغاربة وحثهم على حب بلدهم ، وفي هذا الصدد أذكر بما عانته الجزائر في التسعينيات ( العشرية السوداء ) من تطرف ديني وتصارع مذهبي إذ وصلت الأمور بالمتطرفين بمنع الناس من تأدية صلاتهم في مساجد بعينها من منظور طائفي .
5 ) الدبلوماسية الدينية والملك الأمة :
( وفي هذا الإطار، فإننا حريصون على وضع التجربة المغربية رهن إشارة الدول الشقيقة التي تتقاسم مع المغرب التشبث بنفس المبادئ والقيم الروحية، والتي عبرت عن رغبتها في الاستفادة من النموذج المغربي، كما هو الشأن بالنسبة للتعاون في مجال تكوين الأئمة. )
إن المتتبع ، اليوم ، للتحركات الملكية بإفريقيا سيكتشف البعد الروحي والديني الذي يلعبه الملك في توطيد علاقاته مع افريقيا جنوب الصحراء ، فإمارة المؤمنين والمذهب الإسلامي المعتدل للمغرب يخول للملك إحتراما كبيرا داخل القارة الإفريقية وإعتباره الملك الأمة بمعنى ملكا ليس على المغرب فقط بل على كل البلدان الافريقية المسلمة من منظور ديني وشرعية تاريخية لدور المغرب في تشر الإسلام المتسامح في إفريقيا.
وهذا أمر مهم سيساعدنا في قضيتنا الجوهرية ( الصحراء المغربية ) من جهة ومن جهة أخرى يؤكد على النعمة التي يعيشها المغرب بفضل النظام السياسي الملكي. في ظل مجتمع مغربي للان وللأسف في القرن 21 لا زال يتخبط في النزعات القبلية العنصرية ( حركات أمازيغية ، ريفية ، صحراوية ، إسلامية ، يهودية ، مسيحية ....)
II. المستوى الخارجي الدبلوماسي :
1 ) العلاقات المغربية الجزائرية بين الوضوح والتناقد :
في هذا الجانب وجه جلالة الملك ، رسائل واضحة تتهم الجزائر بالمراوغة والعمل على التباعد والحيلولة بين الإتحاد المغاربي الكبير ، كما حمل مسؤولية التوترات الدبلوماسية المغربية الجزائرية للنظام الجزائري ، مؤكا في نفس الوقت على أن المغرب مستعد دائما لتحسين علاقات الجوار.
لكن ما يستدعي التحليل العميق لهذا الخطاب الملكي هو التناقض فمن جهة المغرب يعمل على تحسين العلاقات مع الجزائر ، بينما ومن جهة أخرى نجد أمورا واقعية ستؤجج الصراعات والتباعد .
من بين هذه الأمور التي ستكرس التباعد والإستمرارية في غلق الحدود ، هو السياج الذي أنجز مؤخرا بين المغرب والجزائر ، وبالتالي السؤال المطروح : أي تقارب مغاربي في ظل دبلوماسية الأسلاك الشائكة والحيطان المسيجة ؟ !
2 ) الرهان على البعد الإفريقي :
مرة أخرى أكد الملك على ضرورية تعزيز العلاقات جنوب جنوب ، حيث تطرق في خطاب العرش على أهمية إفريقيا الإستراتيجية بالنسبة للمغرب الملتزم بسياسة إستثمارية تقوية البنى التحتية و تروم إنتاج الثروة بالقارة السمراء بعيدا عن منطق القرن 20 الذي كان يستغل الثروات الإفريقية عوض تثمينها .
وهذا ما عبر عنه الملك بالجمل التالية "إننا نؤمن بأن إفريقيا قادرة على تحقيق نهضتها، غير أن ذلك لن يتحقق إلا بالاعتماد على أبنائها، وعلى قدراتها الذاتية"، مشيرا إلى ما سبق أن قاله في أبيدجان: إن إفريقيا مطالبة بأن تضع ثقتها في إفريقيا".
واعتبر جلالته ، زياراته لإفريقيا ذات حمولة وقيمة كبيرة جدا إنطلاقا من الإتفاقيات التي وقعت مع هذه البلدان الإفرقية .
كما أكد على أهمية التعاون الإستراتيجي لدول الساحل الإفريقي ، تصديا لحركات التطرف والتكفير والإتجار في المخدرات والسلاح والبشر ، الذي تهدد الأمن القومي لهذه البلدان الإفريقية ، بل لباقي بقاع المعمور.
3 ) موقف ثابت من الشأن السوري ، وفقا لدبلوماسية خارجية أمريكية :
هنا مرة أخرى أكد العاهل المغربي على كون الأزمة السورية ناجمة عن الإقصاء وسياسة الدكتاتورية للنظام السوري ، وهذا موقف رسمي ثابت بعدما إحتظنت مراكش العام الماضي مؤتمر أصدقاء سوريا للإطاحة بالنظام السوري بشار الأسد .
هذا الموقف الرسمي من أعلى سلطة في البلاد له تبريراته ألا وهي تماشي السياسة الخارجية المغربية مع السياسة الأمريكية العالمية.
عموما أنا شخصيا أحترم هذا الموقف الرسمي للمغرب ، ولكن للأمانة السياسية وجب التأكيد على أن مايقع الان في سوريا هو مخطط ومؤامرة دنيئة أمريكوصهيونية يرمي إسقاط سوريا من بعد العراق كلبنات أولى في تفتيت وتقزيم الشرق الأوسط لدويلات صغيرة متصارعة طائفيا ، مع تنصيب إسرائيل أقوى دولة هناك.
والتاريخ سيثبت هذه المؤامرة الدنيئة.
4 ) القضية الفلسطينية ، في صلب الإهتمام :
مرة أخرى يؤكد الملك على قيمة القضية الفلسطينية لذى الدولة والشعب المغربي ، موجها إدانة لإسرائيل جراء الحرب في غزة ، مع الإشارة للدعم التي قدمه المغرب لغزة .كما ذكر بالتوصيات التي أصدرتها لجنة القدس، بمناسبة انعقاد دورتها العشرين، بمدينة مراكش، دعما لمفاوضات السلام، وحفاظا على الهوية الروحية والحضارية للقدس، من الانتهاكات الإسرائيلية اللا مشروعة.
كما أشار لدعم المبادرات الدولية البناءة، من أجل التوصل إلى سلام عادل ودائم، على أساس حل الدولتين. على الأقل تطبيقا لإتفاقية 1967 .
5 ) تأكيد العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا والإتحاد الأروبي ، مع الإنفتاح على روسيا والصين :
في هذا الجانب أشار الملك لأهمية العلاقة المتقدمة المغربية الأروبية ، مع الطموح مستقبلا للحرص على علاقة أكثر توازنا وعدلا بين الجانبين . عن طريق إيلاء أهمية كبرى لنجاح المفاوضات ، من أجل التوصل إلى اتفاق للتبادل الحر شامل وعميق، كإطار للتقارب أكثر بين المغرب وأوروبا، ولإدماج الاقتصاد المغربي في السوق الداخلي الأوروبي.
وفي نفس الان ، تطرق الملك أيضا لعمق وعراقة العلاقات التاريخية التي تربط المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية، معربا عن الاتزام بتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، ولا سيما من خلال إيجاد آليات جديدة لدعم اتفاق التبادل الحر، ومواصلة الحوار الاستراتيجي.
مستدلا على هذا التميز العلاقتي الأمريكي المغربي ، بلقاء جلالته مع الرئيس برلك أوباما وما حققه من تثمين لهذه الشراكة التي ناقشت الشأن المغربي الداخلي وكذلك قضايا التنمية والأمن بإفريقيا.
ونظرا لما يميز القرن 21 من تقاطبات دولية وتقارب دبلوماسي ، لم يفت الملك الإشارة للعمل في تعزيز العلاقات الخارجية مع القطبين العالميين روسيا و الصين ، الذي من الممكن أن يزورهما في قادم الأيام القليلة الاتية.
وفق منظور واقعي برغماتي يروم توطيد العلاقات مع كل القوى اللإقليمية والعالمية.
وهذا من شأنه خدمة القضية المغربية العادلة قضية الصحراء المغربية.
III. على المستوى السياسي والسيادي :
1 ) القضية الصحراء حاضرة من خلال التأكيد على الحكم الذاتي والدبلوماسية الموازية :
جلالة الملك في خضم تطرقه لأهمية تعزيز وتنويع علاقاتنا الماكرو خاررجية دبلوماسية ، لم يفته التأكيد مرة أخرى على أهمية إستمرارية انخراط كل القوى الحية للبلاد، في الدفاع عن المصالح العليا للوطن، وفي مقدمتها الوحدة الترابية، التي تظل أسبقية الأسبقيات.
بمعنى أن قضية الصحراء مسؤولية الجميع وليست تخصصا حكرا على الملك وهذا إشارة واضحة للدبلوماسية الموازية.
مؤكدا على أهمية مبادرة الحكم الذاتي في الحل السلمي لقضيتنا الترابية ، وفقا لجهوية موسعة أكثر إستقلالية وتحملا للمسؤولية. بالاضافة إلى الإستمرار في تنمية الاقاليم الجنوبية وفق مقاربة تشاركية حوكمة في التدبير.
2 ) الجهوية المتقدمة وعاء أفضل لإنتاج الثروة وتحقيق التنمية الشاملة :
العاهل المغربي ، وفق إصلاحات ورؤى سياسية متقدمة ، أكد على أهمية المشروع الديمقراطي في قالب الجهوية الموسعة الرامية للإستقلالية والإبتعاد من التمركز واللامركزية في تدبير الشأن المحلي وفق منظور تثمين الموارد الترابية المحلية وإنتاج الثروة وتوزيعها بالعدل على كل ساكنة الجهة وتحريك فرص العمل والنشاط الإنساني.
3 ) التأكيد على المؤسسة العسكرية والشبه العسكرية في إستقرار البلاد وأمنه :
الملك كان ذكيا بختم خطاب العرش بالتوكيد على قيمة الجيش وغيره من المؤسسات ذات الطابع الدفاعي ، كنوع من سياسة ضمان الولاء والطاعة للنظام الملكي المتجذر في التاريخ وهذا ما عززه جلالة الملك بالترحم على الملكين المرحومين الحكيم الحسن الثاني والوطني محمد الخامس.
ليختم كلامه بمواصلة السياسات والمشاريع الإستراتيجية الكبرى التنموية ، رغبة في الرقي بالمستوى المعيشي للمواطن المغربي وتحقيقا للعدالة الإجتماعية وضمانا للوحدة والإستقرار .
خلاصة القول ، عموما يمكن إعتبار هذا الخطاب الملكي بالتاريخي والجريء ، معترفا بأخطاء حالت دون الرقي بالمستوى المعيشي للفرد رغم مشاريع الإقلاع الإقتصادي ، مؤكدا العمل على تدارك هذا الخلل والحرص على تحمل النخب السياسية مسؤولية إنتاج الثروة وتوزيعها بالعدل ، عملا بروح وجوهر الدستور 2011 الذي جاء بصلاحيات كبرى للحكومة ورئيسها مما لا يترك مجالا لبن كيران وغيره الفرصة في تبرير الفشل وربطه بالاخر.
لكن السؤال المطروح ، ماذا بعد هذا الخطاب الجريء ؟ وهل ستتغير الأمور للأحسن وتتحقق العدالة الإجتماعية ؟ أم أن حليمة ستعود لعادتها القديمة بمجرد إنتهاء جلالة الملك من خطابه السامي ؟
إجمالا هذه أسئلة سنجد أجوبة لها مع مرور الوقت وبالإهتمام بالشأن العام السياسي للمغرب.