مـحمد الحـرش
بعد الإعلان عن انتهاء حرب غزة صرح نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في أول ظهور له مند بدء العدوان الصهيوني: " انتصار غزة هو تراكم عمل جاد عبر سنين طويلة من الجهاد والاستعداد ليس فقط لمعركةٍ في غزة بل للتحرير الشامل لفلسطين والأقصى".
و أضاف هنية: " هذه المعركة أعادت الاعتبار لفلسطين وأحيت مشاعر العرب والمسلمين نحوها من جديد"، مشيراً إلى أن "المعركة كشفت عن منحنى تطور المعركة في فلسطين على مدار ثماني سنوات".
هدا التصريح و غيره من أعلى هرم القيادة السياسية للمقاومة الفلسطينية يسلط الضوء على الإعداد طويل النفس و المتأني لأسباب القوة لمعركة إستراتيجية حاسمة هدفها تحرير الأقصى و عموم فلسطين من عصابات العدوان الصهيوني.
فيما يلي نبسط أبعاد الانتصار المتحدث عنه و العوامل المساعدة لتحقيق النصر الاستراتيجي و تحرير الأرض و الإنسان الفلسطينيين.
الانتصار العسكري:
أقوى تجليات الانتصار العسكري للمقاومة كان ضرب أسس الاحتلال التي قامت على:
* الوطن الآمن لليهود في كل العالم الذي أصبح مع صواريخ المقاومة أخطر بقعة على وجه الأرض لبني صهيون.
* الرفاه الاقتصادي و الاستقرار المجتمعي اللذان أصبحا في مهب الريح بعد تكبيد دولة العدوان الصهيوني خسائر بالمليارات.
فيما أبرز مميزات "معركة العصف المأكول" كانت:
*الأداء الجيد للمقاومة التي طورت من أساليبها بحرا و جوا و فوق و تحت الأرض مما أرعب القيادة العسكرية الصهيونية.
*إسقاط منظومة الردع الصهيوني ( القبة الحديدية )
*ضرب العمق الصهيوني، حيث دكت صواريخ المقاومة أهدافا بعمق 160كلم لأول مرة.
*ارتفاع الكثافة الصاروخية و استمرار القصف.
*عجز الاحتلال عن التحكم في نهاية المعركة.
*تهجير قطعان المستوطنين من غلاف غزة لشمال فلسطين الآمن نسبيا.
*لأول مرة يتم التفاوض تحت النار و المقاومة تطلق الصواريخ، عكس الماضي عندما كان الوسطاء يستجدون الاحتلال وقف الحرب.
و عليه فالانتصار العسكري للمقاومة الفلسطينية بغزة لا يجادل فيه إلا صنفان:
* كاره للمقاومة، منبطح مع المطبعين أو بالتعبير الجديد " صهاينة العرب" و هؤلاء يحسب للمقاومة أنها أخرجتهم من جحورهم و فضحتهم أمام شعوبهم.
* غير مطلع على ثورات الشعوب و مقاومتها للمحتل الغاصب.
فالتاريخ الحديث ينبئنا في الجزائر و فييتنام و جنوب إفريقيا أن للحرية ثمن، و بما أنها غالية فالثمن يكون غاليا، و المهم ألاً تنكسر الإرادات و يتحقق في النهاية التحرير.
و لتأكيد انتصار المقاومة لا بد من الإشارة إلى أن الاحتلال أخفق في تحقيق أي من أهدافه المعلنة و المتمثلة أساسا في: شل القدرات العسكرية للمقاومة، القضاء على حماس، هدم الأنفاق.
الانتصار الأخلاقي:
لعل من أبرز أبعاد انتصار المقاومة الفلسطينية في المعركة الأخيرة، البعد الأخلاقي.
و نظرة بسيطة على أعداد القتلى من الصهاينة المحتلين و الشهداء الفلسطينيين المدنيين و حجم الدمار في المساكن و المساجد و غيرها مما يحسب على المرافق المدنية يدلل على الأخلاق العالية للمقاومين زمن الحرب كما السلم و يفضح بالمقابل سفالة و حقارة و عنصرية و لا إنسانية قادة عصابة تل أبيب.
و لم يكن مستغربا من المقاومة إبداع أشكال في التواصل مع قطعان المحتلين المستوطنين لحثهم على تجنب التجمعات العامة كما في الملاعب الرياضية، و تحذير شركات الطيران العالمية.
و هذا جزء من العقيدة العسكرية للمقاوم المجاهد الذي تحكمه ضوابط صارمة في هذا الباب.
الانتصار السياسي:
قبل الحديث عن أي انتصار سياسي لا بد من التذكير بسياق هده الحرب، فالمقاومة فرضت عليها الحرب أطول مدة في تاريخ الحروب العربية التي كانت لا تتعدى ستة أيام أو ست ساعات بجيوش عربية نظامية.
ثم إن المقاومة دخلت الحرب في أسوء الظروف مند 1948، في سياقات غير مساعدة:
*سياق عربي رسمي معادي في أغلبه للحركات الإسلامية و منشغل بحروبه و منازعاته الداخلية.
*سياق دولي أعلن الحرب على كل ما يمثل هوية الأمة و عبر عن نفاق خطير في موضوع الديمقراطية و حرية الشعوب و اختياراتها.
*سياق فلسطيني يطبعه التنسيق الأمني بين السلطة و الكيان الصهيوني و يمثل طعنة غادرة في ظهر المقاومة خصوصا بالضفة الغربية.
*سياق صهيوني مطبوع بتسارع وتيرة التهويد و الاعتداء على الأقصى و باقي المقدسات.
غير أن مرونة حركة حماس في موضوع الوحدة الوطنية و تقديمها لتنازلات في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لتجسير الهوةحفظ & إضافة جديدمع حركة فتح و باقي الفصائل قرأه البعض ضعفا، فيما حماس كانت منشغلة ببناء قدراتها العسكرية وتقوية الحاضنة الشعبية للفعل المقاوم.
هذا الفعل المقاوم الذي سيصبح بقوة الواقع بعد الانتصار رافعة للنضال الفلسطيني و معبرا عن وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل كما في الشتات، كما سيثير الكثير من الانتقادات لنهج التفاوض الذي لم يحقق شيئا مند أكثر من 20سنة.
هذا الفعل المقاوم الذي فضح جرائم الكيان الغاصب المحتل و عنصريته و فرض عليه بالتالي عزلة دولية حتى بتنا نسمع عن مناطق محظورة على السياح الصهاينة و منتجات الاحتلال ( انظر تصريح النائب البريطاني جورج كالاوي في الموضوع )
ثم ماذا بعد؟
لما كانت المقاومة تحفر في الصخر كان إعلام العار العربي المتصهين يسمي المقاومين تجار أنفاق فيما اتهمها البعض بالتراجع و الرضا بالعيش على المساعدات وسط سجن كبير إسمه غزة.
اليوم تثبت المقاومة للأمة أنها الأمل في التحرير و أنه بعد "العصف الماكول" بات تحرير الأقصى مسألة وقت و تخطيط و إعداد و إمداد.
و اليوم أثبتت حرب غزة أن الشعوب العربية و الإسلامية في حاجة لتحرر حقيقي حتى تؤدي مهمة النصرة و الدعم و المساندة على أكمل وجه، فلسطين ليست قضية إنسانية محتاجة للدواء و الطعام فقط، بل هي قضية مصيرية و مركزية في كيان و وجدان الأمة، تحتاج للدعم السياسي و العسكري و الإعلامي و الاقتصادي، قضية أرض مقدسة مباركة مغتصبة، و قضية شعب عانى و لا يزال من أسوء و أبغض احتلال على وجه الأرض.
اسماعيل
انتصار تاريخي
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. كنا نعتقد أن غزة محاصرة و مستعمرة لكن في الحقيقة وجدنا أن كل الدول العربية مستعمرة و محاصرة إلا غزة . الحمد لله الذي جعل العزة لمن اتبع طريقه و أناب اليه و جعل الذل و الخزي و العار لمن أعرض عن الحق و اتبع الهوى وابتغى الرضى و الامان عند غير الله.