فعل استهزائي ينتهي بجريمة دامية..طنجة تهتز والأسرة تستنجد بالقضاء

انطلاقة عملية هدم "البلاصة الجديدة" بطنجة والتجار يطالبون السلطات بالتغيير

حقوقيون يفضحون شبكات تسول الأطفال والاتجار بالبشر في أكادير

جرافات تهدم عدد من واجهات المنازل المخالفة للقانون بالحي المحمدي بالدار البيضاء

غضب نسائي بسطات يتفجر أمام سيارة أجرة... ونقابي يعلّق: "الطاكسي دايمًا هو الحيط القصير

حقائق مثيرة على لسان فاعل جمعوي حول الشخص المشتبه به في جريمة مدينة ابن أحمد

عدالتنا وعدالتهم

عدالتنا وعدالتهم

محمد منير

 

ذكرتني قضية الخادمة التي سرقت كيلوغرامين من اللحم لمستخدمتها زينب العدوي الوالية على مدينة القنيطرة كما قرأنا في الصحف ، بقصة مماثلة وقعت في عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

( فلقد جاءه أحد الأثرياء وهو حاطب بن بلتعة يشتكي من ثلاثة خدم له يقول أنهم سرقوا ناقة له، فسألهم عمر بن الخطاب أفعلتم ؟ قالوا : نعم ، قال عمر : إذن نقيم عليكم حد الله ولكنه استطرد وقال : وما فعلتم بالناقة ؟ قالوا : نحرناها وأكلنا وأطعمنا ، قال عمر : وما الذي حملكم على على هذا الأمر ؟ قالوا : الجوع يا أمير المؤمنين قد نال منا ، فالتفت عمر إلى صاحب الناقة وقال له : ألا تُشبع غلمانك يا حاطب ؟ فطأطأ الرجل رأسه ، وقال عمر : لا حول ولا قوة إلا بالله أين ذهبت الرحمة تستعملونهم ثم تجوعونهم ، وقضى عمر بعدم متابعتهم بالتهمة رغم اعترافهم بالجرم وقال : لقد دفعت عنهم الحد شبهة الضرورة ، ولأن أعطل الحدود في الشبهات خير من أن أقيمها في الشبهات ، وصرف الخدم لحال سبيلهم وغرّم صاحب الناقة ضعف ثمنها وقال له : إني سائل عن غلمانك ، فإن علمت أنك تجوعهم فلينزلن بك الحد فإنك والله أصل هذه السوءة ) .

سيقول أحد ذلك زمان تخلف ورجعية ولى ولا حاجة لنا به وهذا زمان العلم والحداثة والديمقراطية والعدالة والحقوق فلا مجال للمقارنة ، وقد يقول آخر أولئك قوم لم يدرسوا ما درسه هؤلاء اليوم فهذه الوالية المتعلمة نالت شهاداتها العليا وربما بتفوق وإلا فلن تحصل على هذا المنصب ، وكذلك هذا القاضي الذي سجن الخادمة ستة أشهر درس هو الآخر وأصبح قاضيا مرموقا ولولا جده واجتهاده ما بلغ هذه المنزلة ، فيا للفرق الشاسع والبون العريض .

حقيقة لا مقارنة ولا مشاحة ولكن الخدم هم الخدم لا فرق غير أن الذين لم يتعلموا قديما علومكم ولم يدرسوا قوانينكم ولم يرتادوا نواديكم كعمر بن الخطاب وأمثاله ، قد حكموا فعدلوا و رفقوا بضعاف الأمة وكانوا أشداء في الحق على أقويائِها ، وكانوا أفقه منكم في الحكم والقضاء وأرشد منكم في تقصي الشكاوى وأعقل منكم في فهم ملابسات القضايا وإدراكا لخبايا النفوس ، فعلموا ما لم تعلموه وفطنوا ما لم تتفطنوا له وحققوا بذلك ما لم تحققوه من عدل ومساواة ، دون الحاجة إلى الجمعيات الحقوقية التي تدافع عمن تشاء من مثل  هذه الشريحة المستضعفة من الناس وهم الخدم والخادمات في البيوت على الخصوص .

فالكثير منهن وإن لم أقل كلهن يُظلمن بسبب وبغير سبب قهرا وظلما ، فمِن بَخْسِهن حقَّهُن في الأجرة اللائقة وحِرمانِهن حقوقهن في صناديق التقاعد والتغطية الصحية على بؤسها ، إلى تشغيلهن بالليل والنهار وتكليفهن بما لا يطاق من الأشغال ، إلى إهانتهن وتحقيرهن وضربهن  و تجويعهن وجعل مكان نومهن في الحمام أو المطبخ وفي أحسن الأحوال في سطح البيت ، وهناك من يغتصبهن ولا يخبرن أحدا بذلك لخوفهن من الفضيحة و لحاجتهن الملحة وما خفي كان أعظم ، وأشد المستخدِمِين قسوة عليهن الأثرياء وخصوصا النساء وأصحاب الوظائف المخزنية لما تلقوه من غلظة وشدة في دراستهم و مناهجم " التربوية " فهم قساة غلاظ الأكباد على الأمة عموما فكيف بالخدم والخادمات  << وإن في كل ذي كبد رطبة أجر >> كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم .

فعجبا كيف تحبس خادمة بستة أشهر في سرقة لكيلوغرامين من اللحم كما يقولون ، فهذه كما تبدوا والله أعلم محرومة من أكل اللحم شأن كثير من المستضعفين المغاربة ، في الوقت الذي يخلى فيه سبيل سارقي أموال الأمة بالمليارات و لا يساءلون حتى ، وكذلك الذين سرقوا مقدرات البلاد والعباد ولازالوا في مناصبهم ، وما قصة ناهبي صناديق التقاعد المغربي عنا ببعيد لقد عفا عنهم السيد الوزير المحترم وكذلك الدولة المحترمة  ، وقيل لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء وعفا الله عما سلف .

فتلك شبهة لعمري قد تجر عليهم ويلات من كان قبلهم ومن هم خلفهم من جنود الخفاء وما أكثرهم في مثل هذه الولائم ، ولأن يعفوا عن مجرمي الدولة خير لهم من أن يورطوا أنفسهم في حبس سارق كبير قد يجرهم في حباله وشراكه ويفتضح المستور ، أما هذه الخادمة المستضعفة وأمثالها فالقانون " المغرّف " الأصم الأعمى لهم بالمرصاد ، فهذا فقهنا وذاك فقههم وهذه عدالتنا وتلك عدالتهم.               


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات