يونس الزهير
منذ سنوات عدة والمكونات الطلابية المغربية تطالب بحماية الجامعة من العنف الإرهابي لبعض المكونات اليسارية الراديكالية، وعلى رأسها فصيل "النهج الديمقراطي القاعدي – البرنامج المرحلي"، الذي تربع على عرش إرهابيي الوسط الطلابي، وازدادت حدة المطالبات في السنوات الأخيرة بتخليص الجامعة منه، خصوصا بعد تزايد حالات الاحتقان بمختلف المواقع الجامعة (مراكش، فاس، مكناس، الرشيدية، وجدة، أكادير، تطوان...)، ودائما ما يكون الجلاد هو النهج القاعدي بشتى توجهاته وخطوطه وبرامجه، ويكون الضحية بقية المكونات الطلابية باختلاف أيديولوجياتها ومرجعياتها.
ومع الحادث الجلل الذي هز المغرب السنة الجامعة الماضية، باغتيال الطالب عبد الرحيم حسناوي القيادي في منظمة التجديد الطلابي، بدعوى رفض الفصيل اليساري المذكور السماح بتنظيم ندوة علمية في كلية حقوق ظهر المهراز بفاس يحضرها الدكتور عبد العالي حامي الدين، تزايدت وثيرة الإجراءات القانونية الداعية للتحكم في الوسط الطلابي، انتهت بقرار وزاري يمنح السلطات الأمنية صلاحية اقتحام الحرم الجامعي دون استشارة عميد الكلية أو رئيس الجامعية، إذا ثبت لها احتمال وقوع أعمال عنف، بعدما سبقها مذكرة ثنائية مطلع السنة الماضية بين وزير التعليم العالي والبحث والعلمي وزير الداخلية للتنسيق بين القطاعين لمنع أحداث العنف.
واليوم، تخرج فرق الأغلبية التي ظلت ثلاثة منها صامتة طيلة الأحداث الأليمة عاشتها جامعة فاس، وسلسلة التهديدات بالقتل والتصفية الجسدية بكل من أكادير ومكناس ومراكش والجديدة، والاعتداء بالضرب ونسف الأنشطة بوجدة، فنطكقت أخيرا مقترحة تعديلا في القانون الجنائي للملائمته مع الوضع في الجامعية المغربية واتخاذ إجراءات صارمة في حق كل متورط في العنف وأعمال التخريب وعرقلة السير العام للمؤسسات.
القاسم المشترك بين كل القرارات ومقترحات القوانين التي تم اتخاذها في هذا الشأن منذ الدورية الثلاثية إلى غاية اليوم، أنها ترمي للتضييق على الأنشطة الطلابية المتنوعة، خصوصا النضالي منها ذو الطبيعة الاحتجاجية، فيما يستغلها رؤساء المؤسسات لتصفية حسابات سياسية انتقامية من بعض المكونات الطلابية، بمنع أنشطتها الثقافية والفكرية، وأستحضر هنا مثالي كلية العلوم السملالية بمراكش وكلية العلوم والتقنيات بالرشيدية شهر ماي المنصرم.
ومن أخطر بنود مقترح التعديل القانوني الذي تقدمت به فرق الأغلبية، الدعوة لمعاقبة كل من «ساهم في المظاهرات بالجامعات أو الأحياء الجامعية ترتب عنها تخريب منشآتها أو الممتلكات العامة أو الخاصة، ما لم يشكل الفعل الجرمي جريمة أشد»، والدعوة كذلك لمعاقبة «كل من ساهم في المظاهرات بالجامعات أو المؤسسات التعليمية، وترتب عنها تعطيل الدراسة أو الامتحانات»، مما يعني حظر كامل على كافة الأشكال الاحتجاجية الطلابي التي تلجأ في العادة من أول خطوة تصعيدية لها عند تعنت الإدارة في التجاوب أو الاستجابة للمطالب إلى مقاطعة الدارسة وتصل في أقصاها إلى مقاطعة الامتحانات أو إخلاء الكليات.
ويستغرب المتابع للشأن الطلابي المغربي، كيف تصمت الأحزاب السياسية أغلبة ومعارضة، عن الدعوة لمحاسبة المتورط الوحيد والمباشر في كل الأحداث الأليمية التي شهدتها المواقع الجامعية التاريخية، ولعل تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان واضحا في هذا الباب لما نسب المسؤولية المباشرة والكاملة لفصيل النهج الديمقراطي القاعدي – البرنامج المرحلي، وحمل معه الدولة مسؤولية التساهل مع أحداث العنف والقتل عن سبق الإصرار والترصد في الوسط الطلابي.
أليس تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان كافية للاستجابة لمطلب منظمة التجديد الطلابي، التي دعت بكل جرأة وحزم إل تصنيف "البرنامج المرحلي" ضمن التنظيمات الإرهابية التي يجب معاقبة كل منتسب لها، وأليس التقرير كافيا لتقوم المصالح الأمنية المختصة التي لا تحتاج لمثل هاته التقارير، بملاحقة المجرمين وتسليمهم للعدالة، وتنظيف الأحياء الجامعية بمراكش وفاس ومكناس وأكادير من ثكنات الأسلحة البيضاء والقنينات الحارقة؟
إلى متى سيتزايد تهافت النخب السياسية المغربية على المقاربات أمنية ضيقة الأفق، ومعاقبة 740 ألف طالب مغربي ومعهم مختلف المكونات الطلابية المسالمة، في حين تستمر العصابات الإرهابية المحمية من لوبيات متنفذة في ممارسة أدوارها الإرهابية بالجامعة، والتصدي لكل مخالف في الرأي قادر على صناعة الفارق وقيادة الوعي الطلابي نحو إحراج لوبيات الفساد والاستبداد بالبلد؟
لكن على ما يبدو أن سياسيينا المتخرج معظهم من الجامعة، لم يستوعبوا دورهم للتصدي للإرهاب الجامعي إن لم يكن بعضهم مساهما فيه، فهذا حزب الأصالة والمعاصرة يسخر جناحه اليساري وعددا من محاميه، للدفاع عن قتلة عبد الرحيم حسناوي والمسؤولين المباشرين عن إشعال فتنة الدماء والقتل بجامعة فاس، فيما ويذهب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال إلى خلق المعارك الهامشية بتسليط الضوء على مشاركة رئيس الحكومة في جنازة شهيد منظمة التجديد الطلابي، في وقت تشرد الأغلبية البرلمانية في معركة قوانين ستساهم في تأزيم الوضع الجامعي، بالتضييق على الحريات ووأد الروح الكفاحية النضالية للطلبة، والرفع من أعداد المعتقلين بتهم جنائية ثقيلة سيكون معظمهم وبلا شك من قادة النضال المفروض أن يصبحوا قادة المجتمع لا أبطال السجون، فتضيع الجامعة ومعها الوطن إلى أجل غير مسمى.