أخبارنا المغربية
* محمد فاضل دادي
كانت الإنتخابات الرئاسية الجزائرية الأخيرة تاريخية وغير عادية بكل المقاييس، باستثناء مقاييس وأعراف الديمقراطية. لقد كانت حالة فريدة من نوعها في ممارسة الديمقراطية و ذلك في مزيج من منظور ومفهوم كل من العسكر والمجاهدين. فهي أول مرة يركن فيها مرشح للرئاسة إبان الحملة الإنتخابية إلى الاعتكاف والخلوة في شبه مقاطعة تامة لحملته ويتركها تخاض بالنيابة عنه دون أن يخاطب الناخبون أو يستأنسوا وينعموا بالنظر إليه ويستبدل ذلك برفعهم لصوره. إنه حقا حدث نادر وفريد من نوعه وشكله في القرن الواحد والعشرين.
سكت العالم عن هذه الصورة وعن هذا المشهد، سكت حماة الديمقراطية وحراسها أجمعون، وحتى فرنسا بلد الحرية والمساواة والإخاء سكتت سكوتا مركبا وصمت الطبيب، ففرنسا أعلم بوضع الجزائر وحالة المرشحين لرئاستها وحتى بصحتهم.
في قصر المرادية تم تقدير وفهم الصمت الفرنسي على أنه اختراق ونصر مبين وانحياز وتقرب من الجزائر وابتعاد عن المغرب. ذلك أنه في قصر المرادية كل شيء يقاس وينظر اليه من زاوية مدى التقرب أو الإبتعاد من المغرب، وصمت الطبيب المداوي هذا سيكون له حتما انعكاس على العلاقات الجزائرية الفرنسية المتوترة منذ استقلال هذا البلد والمتميزة بالاستحضار الدائم للماضي بآلامه ومآسيه وتغييب المستقبل بآماله وما يبشر به من خير وازدهار، بالكراهية والمحاباة، بالتنافر والتقارب، إنه مزيج من المتناقضات سمم وارخى بظلاله ليس فقط على علاقات الجزائر مع فرنسا ولكن حتى مع الدول المجاورة.
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم ينس ولم يغفر للذين حرموه من خلافة بومدين، إنها المؤسسة العسكرية وحزب جبهة التحرير الوطني الذين لم يترددا في طعن الضابط السامي والابن البار. لذلك طلب من الشعب الجزائري مباشرة بعد تسلمه الحكم سنة 1999 مساعدته على إنهاء نفوذ المجموعة "ال 15" وهم نفسهم الجنرالات النافذين الذين أتوا به للرئاسة، والذين يعرف السيد بوتفليقة جيدا أنهم لن يترددوا في الذهاب به والاتيان بغيره متى بدا لهم ذلك. وفعلا وجه قصر المرادية كل الجهود للقضاء على مراكز القوة داخل المؤسسة العسكرية وحزب جبهة التحرير الوطني والتي وصلت أوجها خلال العهدة الرابعة. حرص الرئيس بوتفليقة على الاعتماد على الدعم المعنوي والحضور الفرنسي لتعويض دعم المؤسسة العسكرية و ثقل حزب جبهة التحرير الوطني، ومن أبرز مظاهر ذلك فتح الأجواء الجزائرية أمام الطيران الحربي الفرنسي إبان التدخل في مالي واستسلام الجزائر للإهانات التي تعرض لها وزراؤها بالمطارات الفرنسية وهي التي تهوى حتى الهوس تطبيق مبدأ "المعاملة بالمثل" وتخلت الجزائر خلال العهدة الرابعة عن مطالبة فرنسا بالتعويض لضحايا التجارب النووية وعن مطالبتها بالاعتذار عن الحقبة الاستعمارية . وتلك ملفات شائكة كانت دائما تسبب الصدام و تحول دون التفاهم بين البلدين. تخلت الجزائر عن تلك الملفات، فما مستقبل ملف الصحراء الذي تعتبره من الثوابت السيادية في سياستها الخارجية والداخلية؟
فيما يتعلق بمسألة الصحراء فإنها تمثل الملف الأخير الذي تقف فيه الجزائر وفرنسا وجها لوجه بمواقف متناقضة ولا يحتمل التوافق إلا بتخلي أحد الجانبين عن موقفه. ونظرا لأن الجزائر مقدمة على مرحلة جديدة تقطع مع الماضي وإرثه الثقيل والبوليساريو جزءا هاما منه. وستشكل العهدة الرابعة نهاية مرحلة دامت منذ الاستقلال حكم خلالها "المجاهدون" الجزائر وتحكموا في مفاصل الدولة واحتكروا مقدراتها سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وستؤدي كذلك الى القفز على المرحلة الموالية التي ظل النظام يحضر لها والمتمثلة في استلام السلطة من قبل جيل أبناء الشهداء. ومن هذا المنظور فإن الرئيس بوتفليقة، أطال الله في عمره، سيكون آخر رئيس ينتمي لجيل المجاهدين الذي حكم الجزائر منذ الاستقلال بمباركة وحماية المؤسسة العسكرية، وفترة حكمه آخر عهدة ترتكز على الشرعية الثورية.
أما المرحلة القادمة فستشهد وصول رجال المال والاعمال الى سدة الحكم وسترتكز على شرعية صناديق الاقتراع.
الجزائر سخرت البوليساريو وقضية الصحراء لتكريس هيمنتها وتصفية الحسابات مع المغرب، ففي زمن الحرب الباردة وفي مرحلة أولى أرادت من الصحراء دويلة تقزم المغرب وتجري في فلكها. وبعد سقوط حائط برلين وفي مرحلة ثانية أرادت منها عائقا وقيدا يمنع ويحول دون تقدم المغرب ونموه. أما اليوم و بعد دستور 2011 و بعد طلاق المشاريع الاقتصادية ذات البعد الاستراتيجي على غرار المغرب الأخضر و الجرف الأصفر و الطاقات المتجددة وميناء الأطلسي و دخول المغرب صناعة السيارات والطيران وبعد الانتخابات الجهوية والمحلية الاخيرة في شتنبر 2015، وبعد إطلاق الجهوية المتقدمة بالأقاليم الجنوبية وبعد إطلاق المشروع التنموي الضخم لهذه الاقاليم، فان المغرب إنطلق و إلى غير رجعة في مسيرة التنمية على كل الأصعدة، والصحراءلم تعد تمثل "كعب اخيل" كما كانت تريد الجزائر بل أصبحت عامل نمو وتلاحم وتساهم في تعميق وتوطيد الوحدة الوطنية والمسيرة الديمقراطية بالمملكة.
وهكذا فان إنتخابات الرابع من شتنبر والذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء من جهة، وما تشهده الجزائر من تحولات من جهة أخرى ستؤدي إلى إسقاط البوليساريو من حسابات حاكم قصر المرادية القادم، فهي ورقة إنتهت صلاحيتها وأصبحت عبئا على الجزائر وعلى الشعب الجزائري.
إن قيادة الجزائر ما بعد "المجاهدين" ستبحث عن علاقات متحررة من عقد حرب التحرير وعن تموقع جديد يعوض الحماية التي كانت توفرها المؤسسة العسكرية مع ما يترتب عن ذلك من ترتيب للأولويات. كما أن وضع البوليساريو الغير مستقر وغياب قيادة قوية مع مرض محمد عبد العزيز أطال الله عمره وما سيؤدي إليه هذا الوضع من تعميق للصراعات والتناحر الداخلي يزيد من ضعف البوليساريو ويعجل بانتهاء مدة صلاحيتها بالنسبة للجزائر التي لن تتردد في البحث عن حل يحفظ ماء الوجه ولو على حساب البوليساريو ويخلصها من حمل لم تعد ترى له فائدة ولسان الحال يقول "نصف خسارة و لا خسارة".
* قيادي سابق في البوليساريو عاد الى ارض الوطن
عبده
تحليل واقعي
تحليلك يا اخي اكثر من رائع خصوصا من طرف ملم بالقضية ونتمنى ان يكون في الجزائر من يقر بالواقعية التي يتحلى بها مقالك هذا لكي نستدرك ما فاتنا من تنمية مغربنا الكبير من ليبيا الى موريتانيا