الرئيسية | سياسة | خلفيات الغضب الفرنسي من قرار المغرب عدم قبول مساعداتها

خلفيات الغضب الفرنسي من قرار المغرب عدم قبول مساعداتها

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
خلفيات الغضب الفرنسي من قرار المغرب عدم قبول مساعداتها
 

بقلم: بلال التليدي

ثمة أسئلة كثيرة تثار حول خلفيات الحملة الإعلامية التي شنها الإعلام الفرنسي على المغرب بعد أن قرر في سياق التفاعل مع العروض الدولية للمساعدة على مواجهة آثار زلزال الحوز الاكتفاء بقبول أربعة عروض من إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة.

وثمة أسئلة تثار حول الاضطراب في إدارة الموقف الفرنسي بين مكونات داخل الدولة نفسها، فالطريقة التي أدار بها الرئيس إيمانويل ماكرون الموقف، لم تكن شبيهة بتلك التي اختارتها وزارة الخارجية الفرنسية، بل إن الطريقة التي اختار بها الرئيس الفرنسي إسكات الجدل الذي ثار حول خلفيات الموقف المغربي من المساعدات الفرنسية، زاد الطين بلة، بعد أن تجاوز اللياقة الدبلوماسية، وفضل أن يخاطب الشعب المغربي بشكل مباشر متجاوزا بذلك الأعراف المعمول بها.

لكن، في حقيقة الأمر، باريس، وحدها من تصرف بتلك الطريقة، معبرة بذلك عن عجرفة، وقلة حكمة وتوازن، فكثيرة هي البلدان الأوروبية والآسيوية التي عرضت مساعداتها على المغرب، وتفهمت قرار السلطات بالاكتفاء بقبول أربعة عروض في المرحلة الأولى، بحجة أن الحاجة إلى ضرورة تنسيق العمل وعدم تعريض خطة التدخل إلى الارتباك بما يؤدي إلى نتائج عكسية.

الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والهند وغيرها من الدول العظمى، تصرفت بحكمة، وتفاعلت بشكل إيجابي مع بلاغ وزارة الداخلية المغربية، ولم تر في ذلك أي رفض أو تعامل بانتقائية، ولم تر في قرار وزارة الداخلية أي اعتبار سياسي، بل ثمنت ألمانيا اختيار المغرب، واعتبرت خارجيتها أن التعليل الذي قدمته وزارة الداخلية منطقي، واستندت في ذلك إلى خبرة ألمانيا في إدارة الكوارث ومخاطر عدم التنسيق بين الفرق المتدخلة.

وحدها فرنسا قرأت في بلاغ الداخلية المغربية رفضا لمساعدتها الإنسانية والتقنية، وبدأت تتساءل عن خلفيات قبول عروض إسبانيا وبريطانيا وعدم قبول عرضها، مصرة في ذلك على أن تجعل من القرار المغربي قرارا سياسيا.

بعض الصحف الفرنسية، استنادا إلى مصادرها الخاصة «جدا» حاولت تعزيز روايتها بالادعاء برفض الملك محمد السادس الإجابة على مكالمة الرئيس الفرنسي التي كان يعتزم فيها تقديم التعزية، وأنه بسبب ذلك، اضطر إلى تقديمها عبر منصة! X

يهمنا التوقف قليلا عند الموقف الألماني، فبرلين لا يختلف وضعها في شيء عن باريس من حيث عدم قبول عرضها، بل ربما كان المفترض أن تصاب بخيبة أمل أكبر، بحكم أنها ترتبط بشراكة استراتيجية وبعلاقات متميزة مع الرباط لاسيما بعد تعديل موقفها من الصحراء، لكنها على العكس من ذلك، لم تشعر بأي غيرة من إسبانيا أو بريطانيا، ولم تشعر بأي إقصاء لاعتبار من الاعتبارات السياسية، ولم تكتف بتفهم القرار، بل قدمت خارجيتها ما يؤيد صدقيته وحجيته، وذلك الاستناد إلى تجربة ألمانيا وخبرتها في إدارة الكوارث، وأهمية اشتراط التنسيق والفعالية أكثر من الحرص على تعديد المتدخلين وتعرض خطة التدخل لمواجهة آثار الزلزال للارتباك.

نتفهم أن تكون باريس في وضع حرج، وأنها تبحث عن ذرائع للخروج بالعلاقات الفرنسية المغربية من التوتر دون أن تطرح سؤال سبب ذلك، ولا أن تؤدي كلفة عودة العلاقات إلى طبيعتها، فباريس، تعبت من محاولات إقناع المغرب بضرورة إلقاء نظارته التي ينظر بها لسياسته الخارجية، وتلقت صدمات كثيرة في المنطقة، وهي تراقب بشكل دقيق كيف يتساقط نفوذها في منطقة الساحل جنوب الصحراء وأيضا في غرب إفريقيا، بينما يدير المغرب الموقف بذكاء، ويتكيف مع التحولات، ويعرف كيف يحصن علاقاته ومصالحه في المنطقة، وربما تشعر باريس اليوم، أن الزلزال القوي الذي ضرب المغرب، سيجعله يفقد توازنه، وترتبك قراراته، ويفقد القدرة على السيطرة على الوضع، فيفتح الأبواب مشرعة إلى الخارج، لكي يعينه في تدبير مأساته.

ثمة خلفيات عميقة تدفع باريس إلى عدم تفهم ما قرار السلطات المغربية بعدم قبول عرضها حسب التقييم المرحلي، والادعاء بأن الاعتبارات السياسية هي التي تحكمت فيه، فباريس، التي تعودت النظر باستعلاء إلى الشعوب التي استعمرتها، تعتقد أن المغرب ليست فيه قيادة سياسية قادرة على تدبير الكارثة، وأن نخبه العسكرية والأمنية وقواته في الوقاية المدنية وخبراءه ومتخصصيه التقنيين غير قادرين على السيطرة على الوضع، بل ربما ترى أن الفقر الذي تعاني منه شرائح عديدة من المجتمع، سيجعل جاهزيتها منعدمة في إغاثة المنكوبين وتحريك الفعالة المدنية، ولذلك ما كانت تتصور أن يقول لها بلاغ الداخلية: «نحن نشكركم، لكننا اليوم، ولاعتبارات فنية، وفي إطار توفير شروط الفعالية والنجاعة في التدخل، نكتفي بقبول عروض أربع دول في المرحلة القادمة، ريثما يجري تقييم آخر، يحدد الاحتياجات الجديدة».

باريس لم تتقبل أن يقول لها بلاغ وزارة الداخلية أن المغرب ليس في حاجة اليوم لتدخل فريقها التقني المتخصص، لأنه يملك الكفاية في المرحلة الراهنة، وأن خطته الفنية في التدخل، لا تدخل في الاعتبار كثرة المتدخلين، بقدر ما تشترط الفعالية والتنسيق في ظل شروط الزمان والمكان، ولذلك تصرفت بتعجرف كبير، وبدأت تتحدث عن توجيه المساعدات الإنسانية لمنظمات مدنية بدل الحكومية، وبدأ رئيسها يتحدث مباشرة إلى الشعب المغربي ويحدثه عن جاهزية فرنسا لدعمه متجاوزا بذلك كل الأعراف الدبلوماسية، وذلك في رغبة منه لخلق توتر بين السلطة والمجتمع، وتحريض المتضررين من الزلزال على الدولة. فباريس، تريد أن تقول للمنكوبين الذين تأخرت عنهم المساعدات لاعتبارات لوجستية فرضها حصول الزلزال في مناطق جبلية وعرة:» إن السلطة هي التي تسببت في منع وصول المساعدات الفرنسية إليكم، وإننا مستعدون لكي نمنحها لكم بدل إعطائها للسلطة، فنحن وأنتم سواء في عدم الثقة في السلطة».

باريس في الواقع تعرضت لصدمة جاءتها من ثلاث جهات: من الدول التي تتساوى معها في وضعية عدم الاستجابة لعروضها في المرحلة الراهنة، ومع ذلك تصرفت بحكمة ورزانة وحسن تقدير. ومن الدولة المغربية، والتي أثبتت خبرتها وكفاءتها وفعاليتها العالية في إدارة الأزمات، والسيطرة عليها، وتحريك المجتمع لكي يكون عنصرا فاعلا في التخفيف من الأزمة بدل التحول إلى حركة احتجاجية ضدها. ثم من المجتمع، الذي قدم دروسا كبيرة في الإنسانية وصورا جد متقدمة في التضامن والدعم والإسناد، لا تزال القنوات الأجنبية تسلط عليها الضوء وتفتح نقاشات واسعة لتحليل أبعادها ودلالاتها.

 

تحتاج باريس بدل أن تحاول إقناع المغرب بإزالة نظارته التي ينظر منها إلى مصالحه الحيوية، أن تضع نظارة على عينها، لتعيد قراءة «الآخر» وقدراته ومؤهلاته في القيادة والتدبير، واستقلال قراره، وسيادته وحقه في مراعاة مصالحه. وتحتاج فوق هذا وذاك، ألا تخلط بين المعاناة الإنسانية وبين السياسة، وأنها إذا أرادت أن تقدم مساعدتها، فعليها أن تقدم طلبها وتنظر قرار المغرب مثلها في ذلك مثل بقية الدول، وإن أرادت أن تصحح علاقتها مع المغرب، فليكن ذلك بعيدا عن زلزال الحوز، وأن تطرق الباب الذي منه يكون الدخول، لا أن تدخل من النافذة.

مجموع المشاهدات: 28599 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (15 تعليق)

1 | كمالرربر
العكس
وعلاش متكتبوش مقال العكس ، يعني غضب المغاربة من الخطاب الموجه لنا من طرف الكراكيز الرئيس ديالهم ، مالو بصفتو شكون ايوجه لينا الخطاب .؟؟
مقبول مرفوض
8
2023/09/15 - 11:36
2 | فرنسا الى المزبلة
لا نريد صداقتكم
لا نريد لا صداقة ولا مساعداتكم ولا علاقاتكم ولا حتى الكلام معكم لقد سئمنا منكم ومن رئيسكم البرهوش نعرفكم جيدًا ونعرف قمة قدارته لن يأتينا منكم الا الويل والمصائب دعونا وشأننا فلقد طوينا صفحتكم
مقبول مرفوض
7
2023/09/15 - 11:50
3 | Vaudois
Relations
Juste pour info à monsieur Macron et son équipes impérialiste en Afrique, le Maroc des 1970 ce n’est plus le même. Il faut mettre dans la tête que c’est une puissance régionale stable et qui progresse économiquement sans les hydrocarbures
مقبول مرفوض
8
2023/09/15 - 12:39
4 | بدر البدور
إعجاب بالمقال
سلام الله عليكم ورحمته و بركاته. تحياتي لكم و لزوار موقعكم الكريم . و تحية خاصة لكاتب المقال . لقد حلل الموضوع بدقة وتفان
مقبول مرفوض
9
2023/09/15 - 12:51
5 | الحداد
لا للابتزاز
عاش الملك وعاش الشعب المغربي العظيم لاخنوع للعصابات الفرنسية والجزايًرية الى الامام بوطني
مقبول مرفوض
8
2023/09/15 - 01:19
6 | الحداد
لا للابتزاز
عاش الملك وعاش الشعب المغربي العظيم لاخنوع للعصابات الفرنسية والجزايًرية الى الامام بوطني
مقبول مرفوض
7
2023/09/15 - 01:19
7 | الحداد
لا للابتزاز
عاش الملك وعاش الشعب المغربي العظيم لاخنوع للعصابات الفرنسية والجزايًرية الى الامام بوطني
مقبول مرفوض
6
2023/09/15 - 01:19
8 | الحداد
لا للابتزاز
عاش الملك وعاش الشعب المغربي العظيم لاخنوع للعصابات الفرنسية والجزايًرية الى الامام بوطني
مقبول مرفوض
4
2023/09/15 - 01:19
9 | الصنهاجي
تحليل منطقي وواقعي
هذا تحليل منطقي وواقعي يا السيد بلال التليدي، عكس الموضوع الذي تطرقت فيه الى الجزائر الذي لسنا فيه بحاجة الى الجزائر كانها المانيا او سويسرا
مقبول مرفوض
4
2023/09/15 - 01:38
10 | مغربي حتى الموت
فرنسا حان وقت دفع الثمن
فرنسا غضبت فلتغضب و لتنفجر جميع المغاربة يعلمون ما أهداف (فر) من من مدها يد المساعدة و هدا ما تفطن له ملكنا الهمام و حفظه و نصره على اعداءه فلتعلم فرنسا و كلبتها جارة السوء ان المغرب كان و يدسيكون دائما صخرة تتكسر عليها اطماعكم و احلامكم شعارنا (ان تنصروا الله ينصركم ) الله الوطن الملك
مقبول مرفوض
3
2023/09/15 - 01:49
11 | عبد المجيد
السلام عليكم
ولكن هؤلاء الأمنيين والعسكريين والجيش ووووو أراه في كل إجتماعاته يستعمل لغة ماكرون(اللغة الفرنسية)يستعملونها بكثرة وزيادة!!!! لهذا ماكرون يحس بأن فرنسا ذات قيمة لأن لغتها لاتزال تصدح في رواق صناع القرار في المملكة.
مقبول مرفوض
-9
2023/09/15 - 01:49
12 | عبد الله
حقيقة أخرى
تطاول فرنسا على المغرب هي صراعات جيواستراتيجية بين المغرب وفرنسا تريد من خلالها ان تقول انها لن تستسلم ولن تسمح في شمال افريقيا و في تخطيها لعاهل البلاد وكأن الزمان يعيد نفسه عندما نفت عاهل البلاد محمد الخامس فهي تريد أن تقول له أستطيع أن أوهمشك و أحرض عليك من خلال اعلامها و لذلك رأينا خطاب ماكرون و السبب أن عاهل البلاد أو السياسة المغربية بدأت تستحود على الحديقة الخلفية لفرنسا في أفريقيا صدقوني فرنسا لن تنسحب من أفريقيا بسهولة و تترك الكعكة للاخرين ولذلك وجب الحذر وشكرا.
مقبول مرفوض
3
2023/09/15 - 01:57
13 | ابراهيم
النصر البين
Vive le roi et vive le grand peuple marocain, ne vous soumettez pas aux bandes françaises et algériennes devant la patrie
مقبول مرفوض
2
2023/09/15 - 02:06
14 | Hicham ben taieb
تمهلوا
مشكلنا مع ماكرون و ليس مع فرنسا.. نصبرو شوية حتى ينهي الفترة الرئاسية ديالو و كل الامور ترجع لمكانها..
مقبول مرفوض
1
2023/09/15 - 02:31
15 | مواطنون
مواطنون بلا حدود
ربما كان ماكرون يقنع الطبقة السياسية الفرنسية بأن فرنسا رغم كل ما فعلته من أخطاء سياسية اتجاه المغرب فإنها لازالت تمسك بزمام الأمور و بأن هناك قنوات تفاوضية سرية بينها و بين المغرب، لكن بعد قرار المغرب الحكيم برفض المساعدات الفرنسية، علم القاصي و الداني بما فيه المجتمع الفرنسي برمته أن فرنسا فقدت حليف قوي و بالتالي فهذا يدل مما لا يدع للشك بأنها بدات حقيقة نهايتها في إفريقيا بعد تولي ماكرون الرئاسة و فشل سياستها الخارجية، و هذه الأمور هي التي ازعجت فرنسا حيث بدأت تمارس ظغطها للنيل من السلطة المغربية بخرجاتها الهوجاء المتعفنة
مقبول مرفوض
0
2023/09/15 - 07:36
المجموع: 15 | عرض: 1 - 15

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة