بقلم: محمد أعزوز
في حكم نهائي صدر يوم الجمعة، رفضت محكمة العدل الأوروبية الطعون المقدمة بشأن اتفاقيتي الزراعة والصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية. هذا الحكم الذي اعتبر الاتفاقيات غير شرعية لعدم استشارة “شعب الصحراء” بحسب زعمها، قوبل برفض قاطع من المغرب، الذي يؤكد سيادته الكاملة على أقاليمه الصحراوية في خطوة تعكس التحدي والإصرار. فكيف سيؤثر هذا القرار على العلاقات بين الطرفين؟ وما هي الخطوات المقبلة التي سيتخذها المغرب للدفاع عن مصالحه؟
الاتفاقية بين المغرب والاتحاد الأوروبي في مجال الصيد البحري والتي تم توقيعها في عام 2019، كانت تشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهي منطقة غنية بالموارد السمكية. ألغت محكمة العدل الأوروبية هذه الاتفاقية، معتبرة أنها تشمل إقليم الصحراء الغربية دون موافقة سكانه. هذا القرار جاء بعد طعون قدمتها جبهة البوليساريو، التي تدعي تمثيل سكان الصحراء الغربية.
هناك جدل حول قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير الذي ألغى الاتفاقيات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وزارة الخارجية المغربية وصفت القرار بأنه “انحياز سياسي صارخ”، وذكرت أن القرار يحتوي على العديد من العيوب القانونية والأخطاء في الوقائع.
أكدت وزارة الخارجية المغربية أن المملكة تعتبر نفسها غير معنية بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري. وأوضحت الوزارة أن المغرب لم يشارك في أي مرحلة من مراحل هذه المسطرة، مشيرة إلى أن القرار يخص الاتحاد الأوروبي وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. وأكدت الوزارة أن المغرب يتحدى هذا القرار ولن يساوم على وحدته الترابية.
وتجدر الإشارة إلى أن جبهة البوليساريو ليست دولة معترف بها دوليًا، وبالتالي لا تتمتع بالشخصية القانونية التي تمكنها من تقديم طعون أمام محاكم الاتحاد الأوروبي. هذا يتماشى مع ما تنص عليه اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، التي تنطبق فقط على الدول. المحكمة الأوروبية قضت في عدة مناسبات بأن البوليساريو لا تملك الشخصية القانونية التي تؤهلها لتمثيل سكان الصحراء الغربية المغربية أو الدفاع عن مصالحهم أمام المحاكم الأوروبية.
أما الحجة التي تقول إن البوليساريو يمثل “شعب الصحراء الغربية” فهي حجة واهية لا قيمة لها. رغم أن بعض الجهات الدولية تعترف بالبوليساريو كممثل للشعب الصحراوي، إلا أن هذا لا يمنحه بالضرورة القدرة القانونية للتصرف أمام محاكم الاتحاد الأوروبي.
المادة 24 من معاهدة الاتحاد الأوروبي تنص على أن محكمة العدل الأوروبية ليس لها اختصاص في المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي. هذا يعني أن المحكمة لا يمكنها البت في القضايا التي تتعلق بالسياسات الخارجية والأمنية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، المحكمة لها صلاحيات واسعة في مجالات أخرى مثل التجارة والاتفاقيات التجارية، والتي يمكن أن تشمل الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. هذا يخلق تعقيداً قانونياً، حيث يمكن للمحكمة أن تتدخل في الاتفاقيات التجارية.
وبخصوص المخاوف من أن قرار محكمة العدل الأوروبية قد يؤثر سلباً على الشراكات الاقتصادية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، فإن المغرب هو شريك اقتصادي مهم للاتحاد الأوروبي، والاتفاقيات التجارية بينهما تغطي مجموعة واسعة من القطاعات. من جهة أخرى، هناك من يرى أن القرار قد يضر أيضاً بالمصالح الأوروبية، حيث يعتمد الاتحاد الأوروبي على المغرب في تأمين بعض الموارد والمنتجات. هذا الوضع يضع الطرفين في موقف معقد يتطلب حلاً دبلوماسياً يراعي مصالح الجميع.
أثار حكم محكمة العدل الأوروبية ردود فعل متباينة على الصعيدين الدولي والإقليمي. فقد انتقد نواب في البرلمان الأوروبي الحكم، معتبرين أنه يعمل عكس الجهود المبذولة على أرض الواقع. من جهة أخرى، أعربت حكومة الأندلس عن رفضها لقرار محكمة العدل الأوروبية الذي ألغى الاتفاقيات التجارية مع المغرب بشأن الصيد البحري. الحكومة الأندلسية حذرت من أن هذا القرار سيلحق أضرارًا جسيمة بالأسطول الأندلسي، خاصةً 45 سفينة أندلسية تعمل في شمال المغرب. وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والتنمية القروية، رامون فرنانديز باتشيكو، دعا إلى استئناف المفاوضات مع المغرب في أقرب وقت ممكن للتوصل إلى اتفاق جديد يحمي مصالح الأسطول الأندلسي.
المغرب اعتبر أن الاتفاقية كانت مجحفة بحقه من حيث قيمة الإيجار والعوائد الاقتصادية، وأنها لم تحقق الفوائد المرجوة للسكان المحليين في الأقاليم الجنوبية. من ناحية أخرى، قد تكون المحكمة الأوروبية أنصفت المغرب بإلغاء الاتفاقية التي كانت مجحفة بحقه. ومن حق المغرب أن يبرم اتفاقيات ثنائية مع الدول الصديقة التي تعترف بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية وتعمل على إقامة شراكات استراتيجية، كما هو الحال مع الاتحاد الروسي وغيره.
بالرغم من إلغاء الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، فإن المغرب قد توجه نحو إبرام اتفاقيات ثنائية مع دول أخرى لتعويض الخسائر وتعزيز التعاون في مجال الصيد البحري. نخص بالذكر الاتفاقية مع روسيا التي تشمل التعاون في مجال الصيد البحري في الأقاليم الجنوبية، وتم تجديدها بشكل دوري، آخرها في عام 2021 لمدة أربع سنوات. بالإضافة إلى الاتفاقية مع اليابان والصين التي بدأ المغرب مفاوضات بشأنها لتعزيز التعاون في مجال الصيد البحري، كجزء من استراتيجيته لتنويع شركائه التجاريين.
ليس من المتوقع أن يكون لهذا الحكم تأثيرات كبيرة على العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. قد يؤدي الحكم إلى إعادة النظر في بنود الاتفاقيات الحالية، بما يتماشى مع القانون الدولي، وقد يدفع المغرب إلى البحث عن أسواق بديلة جديدة لتصريف منتجاته الزراعية والبحرية.
رغم أن الحكم قد يؤدي إلى تغييرات في العلاقات التجارية، إلا أن بعض المصادر الأوروبية تستبعد أن يؤثر بشكل كبير على العلاقات الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، معتبرة أن العلاقة تتجاوز مجرد اتفاقيات تجارية. ومع ذلك، يبقى الحكم بمثابة تحدي كبير للجانبين في كيفية التعامل مع هذه القضية الحساسة.
أكد المغرب على موقفه الثابت في تنويع شراكاته الاستراتيجية، مشددًا على أهمية احترام سيادته ووحدته الترابية. وللحفاظ على المكاسب الدبلوماسية وتعزيز موقفه، يمكن للمغرب اتخاذ عدة خطوات دبلوماسية، منها تكثيف الجهود الدبلوماسية على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، خاصة مع الدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية التي تشترك مع المغرب في القيم والمصالح. تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول أخرى لتعويض الخسائر الناتجة عن إلغاء الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي.
يجب التحرك على مستوى الأمم المتحدة، خاصة اللجنة الرابعة، لفرض إحصاء اللاجئين في تندوف وتمتيعهم بحقوقهم، والفصل بين المدنيين والميليشيات. بالإضافة إلى الاستمرار في تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الدول الأوروبية، مع التأكيد على احترام سيادة المغرب ووحدته الترابية.
في ظل هذا الحكم، يبقى المغرب ثابتًا على موقفه الرافض لأي تدخل يمس سيادته ووحدته الترابية. بفضل رؤيته الاستراتيجية وعلاقاته الدولية المتينة، يستمر المغرب في تعزيز مكانته على الساحة الدولية وتحقيق مكاسب دبلوماسية واقتصادية هامة. إن قرار محكمة العدل الأوروبية لن يثني المغرب عن مواصلة مسيرته نحو التنمية المستدامة والدفاع عن حقوقه المشروعة. وكما قال جلالة الملك محمد السادس: “الصحراء المغربية هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، فإن وحدة المغرب الترابية غير قابلة للتفاوض، وستظل المملكة تدافع عنها بكل قوة وحزم.