بقلم: بلال التليدي
التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء، رغم ما تضمنه من أمل بإمكان التوصل إلى حل سياسي ينهي النزاع، فإنه في الجوهر، يؤشر على نهاية المسار، والاتجاه إلى نقطة الحسم في هذا الاتجاه أو ذاك.
العديدون كانوا ينتظرون من هذا التقرير أو من غيره من التقارير السابقة أن يحدث اختراقا مهما في مسار هذا الملف الذي عمر قرابة نصف قرن، لكن يبدو من كل فقراته، سواء المتعلقة بالجانب الميداني، أو السياسي، أو الإنساني والحقوقي، أو حتى بالجانب المرتبط بتحركات المبعوث الشخصي للأمين العام، أن الوضع يسير نحو الباب المسدود، فالتقرير يشير إلى أن كل طرف متمسك برؤيته السياسية (الحكم الذاتي في مقابل الاستفتاء)، والجزائر ترفض الجلوس الى طاولة الموائد المستديرة بدعوى أنها ليست طرفا، والتقرير يؤكد أنه لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي بشروط مسبقة، وبدون علاقات طبيعية بين الدول المجاورة، خاصة المغرب والجزائر، ويحذر من سيناريو مقلق في حالة استمرار الوضع الحالي، إذ يتضمن التقرير عبارات متشائمة تخفي في سطورها سيناريو التصعيد والحرب.
في الواقع لا تهمنا كثيرا هذه الخلاصة، فهي ليست جديدة، فتقارير الأمين العام الأممي الأخيرة كلها، تعيدها بشكل من الأشكال، وتزيد إليها تحذيرات مختلفة تتعلق كلها بالاستقرار في المنطقة، لكن ما يهمنا بشكل خاص، نقطتان اثنتان، أولاهما أمنية، حيث يشير التقرير إلى أعمال عدائية يصفها بالمزعومة، صدرت كلها من جبهة البوليساريو، وجاءت عقب تحذير رسمي صادر من الجبهة إلى التحول للعمل المسلح، ويشير في المقابل إلى رد فوري من قبل الجيش المغربي، بل ويشير إلى تحسين الجيش المغربي لتموقعه غرب الجدار الرملي لمواجهة التهديدات العسكرية القادمة من جبهة البوليساريو، ويربط تحسن أعمال بعثة المينورسو في المراقبة بسبب تحسن المؤشرات الأمنية التي يوفرها الجيش المغربي. أما النقطة الثانية فسياسية، وتتعلق بفعالية الحلول التي يتمسك بها كل طرف على حدة، فالتقرير يشير في التطورات المتعلقة بمواقف الفاعلين الدوليين إلى عدد من المؤشرات التي تعزز فعالية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، فيذكر بهذا الخصوص الموقف الفرنسي الداعم للمبادرة المغربية (يوليوز 2024)، ويذكر الزخم الذي أحدثته المبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب لدول الساحل جنوب الصحراء، ويشير إلى افتتاح قنصلية لتشاد بالعيون (غشت 2024)، ويشير أيضا إلى استمرار الدينامية المغربية المرتبطة بتطوير البنى التحتية والمشاريع الاستثمارية في الأقاليم الجنوبية، في حين، لا يذكر في المقابل أي مؤشر يبرز حصول زخم أو تراكم في الرؤية التي يتمسك بها الطرف المقابل.
عند افتتاح البرلمان المغربي، وعلى غير العادة، تمحور خطاب الملك محمد السادس على نقطة واحدة، هي قضية الصحراء، وذكر فيها بشكل صريح وحاسم بأن المغرب أحرز تقدما كبيرا في إدارته للنزاع حول الصحراء، وأنه انتقل كما وعد من استراتيجية التدبير إلى استراتيجية التغيير، ونوه إلى ضرورة تفعيل الدبلوماسية الموازية، وخص بالذكر الدبلوماسية البرلمانية، وكان من الواضح أن هذا التوجيه جاء عقب قرار محكمة العدل الأوروبية لإلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.
الملك، أشار ضمن الإنجازات التي تحققت، إلى الموقف الفرنسي الذي تم اتخاذه في يوليوز 2024، وضمن به المغرب وجود عضوين مؤثرين في مجلس الأمن، يدعمان بوضوح المبادرة المغربية للحكم الذاتي، ويعتبرانها الإطار الأوفق لحل النزاع، ويشير إلى ما حصل قبل ذلك من تغير الموقف الإسباني.
في المحصلة، إذا أردنا تركيب هذه المؤشرات، فالمسار الأممي، يتجه نحو إعلان الفشل النهائي، بحكم عدم التوافق حتى في توفير إطار الحوار (الموائد المستديرة) بسبب رفض الجزائر، وبسبب تمسك كل طرف برؤيته في حل النزاع، والمسار السياسي والدبلوماسي، يدعم الأمر الواقع، أي وجود الصحراء في ظل السيادة المغربية، والمسار الجيوستراتيجي( تحول الصحراء إلى منصة استثمارية ضخمة وجسرا للتجارة الدولية إلى القارة الإفريقية، مبادرة تنموية تدمج دول الساحل جنوب الصحراء وتقلص من المخاطر الأمنية الصادرة من هذه المنطقة)، كل ذلك يدعم خيار الأمر الواقع، كما أن الواقع الأمني والعسكري في المنطقة، يعزز التفوق المغربي، وتحكمه في المنطقة، وفشل رهانات جبهة البوليساريو في تنفيذ تهديداتها الأمنية والعسكرية خاصة بعد الصرامة التي أبدتها موريتانيا في منع اختراق حدودها من مسلحي الجبهة. فإذا انضاف إلى ذلك الفرص التنموية في المنطقة، فإن هذه المسارات المختلفة، ترجح أن يسير النزاع حول الصحراء في اتجاه الحل بطريق الأمر الواقع، إلا أن تحصل مفاجأة من الطرفين، إما باستعجال المغرب للسيطرة على المنطقة العازلة، أو بتوجه البوليساريو بدعم جزائري إلى الخيار العسكري.
في تقرير الأمين العام، لغة تشاؤمية كبيرة من مستقبل النزاع، ورغم حرص التقرير على نفي إمكان حصول التصعيد على المدى القريب، لكن، من الواضح أن المسارات السابقة، تجعل الوقت كله في صالح المغرب، فكلما تقدم الزمن، إلا وتواترت شروط الحسم الواقعي للنزاع، حتى بدون أن يتم التوصل لحل سياسي متوافق حوله تحت مظلة الأمم المتحدة. وضمن هذا الإطار يمكن أن نفهم اللغة التشاؤمية التي يحملها تقرير الأمين العام، فجبهة البوليساريو وتدعمها في ذلك الجزائر، صارت في صراع مع الوقت الذي لم يعد يخدم أجندتها بالمطلق، خاصة وهي تعلم سياسة الهدوء المغربي، وأن الرباط ليست مستعجلة في المضي السريع إلى الحسم بلغة القوة وفرض الأمر الواقع، وأنها في المقابل، تتجه إلى تقوية ترسانتها العسكرية النوعية، لمواجهة المخاطر المفترضة، ومنها السيناريو المخيف الذي لم يشأ الأمين العام الأممي أن يتحدث عنه بوضوح كامل.
ضمن هذا السياق، يمكن أن نفهم خلفيات الزيارة التي قام بها وفد عسكري رفيع المستوى إلى موريتانيا برئاسة قائد أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة، التي تم تأطيرها بعبارة ” بدعوة من نظيره قائد أركان العامة للجيوش الفريق المختار بله شعبان”، فالجزائر باتت ترى أن مداخل إيقاف المد المغربي السياسي والدبلوماسي والأمني شبه مغلقة بسبب رفض الجيش الموريتاني أن يتم اختراق حدوده من قبل جبهة البوليساريو، كما باتت ترى أن تراجع نفوذها في منطقة الساحل جنوب الصحراء يحتاج إلى إعادة تقييم شامل، وأن ذلك لا يمكن أن يتم من غير تفاهمات حاسمة بين مؤسسة الجيش الجزائري وبين الرئاسة الموريتانية.
بكلمة، لقد باتت خيارات الجزائر جد محدودة، فهي مطوقة من جهة بمنطقة تراجع نفوذها فيها، وهي لا تملك أن تؤلم المغرب وتمنع اندفاعه الدبلوماسي والسياسي من غير تنسيق موريتاني، وهي قبل هذا وذاك، لا تملك أي زخم لأطروحتها في تقرير المصير، في مقابل دعم دولي واسع لمبادرة الحكم الذاتي، ولذلك، فالخيار العسكري الذي يحذر منه الأمين العام بشكل ضمني، يحتاج إلى تأشير موريتاني وهو ما يعتبر مستبعدا في ظل الشروط الإقليمية الراهنة، في حين، يلعب الوقت والاستراتيجيا لصالح المغرب، ولصالح فرض سياسة الأمر الواقع، وإنهاء الملف بشكل عملي حتى دون وساطة أممية.
Ali
الفشل
هذا الدبلوماسي ديميستورا فشل أينما حل . و في مسيرته كمبعوث اممي عبر العالم لم يحقق اي نجاح في جولاته بل كلها كانت فعلا بعد فشل.