أخبارنا المغربية
حث الإسلام الإنسان أن يعين غيره ممن يتعرضون لمشكلات وأزمات في حياتهم فيما يُعرف بالتكافل، فليس من الطبيعي أن يستطيع شخص تقديم المساعدة للآخرين ثم يتأخرعنها، مما يشي بانعدام الإحساس بآلام الناس.
وهذا التكافل يتجلى في أبلغ صوره في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحُمِهم وتعاطفهم، مَثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم.
ومن هذا التكافل القرض الحسن، وهو أمر مشروع داخل في مضمون التعاون على البِرِّ، بل مندوب إليه ومرغّب فيه، وفي الجانب الآخر حث الإسلام المدين على أداء الدين وترغيبه في أن ينوي الوفاء: قال عليه الصلاة والسلام: ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله ) رواه البخاري، وأما المدين الذي لا يبالي بعاقبة أمره ولا يهتم بطريقة الخلاص من دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيما رجل يدين دينا وهو مجمع أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقا) رواه ابن ماجه وحسنه الالباني.
وفي حسن القضاء واحتمال الكلام الخشن من صاحب الدين، سنَّ لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحسن إليه في القضاء بأن نوفيه أكثر من دينه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتقاضاه؛ فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه؛ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: دعوه، فإنَّ لصاحب الحقِّ مقالاً، ثمَّ قال: أعطوه سناً مثل سنِّه، قالوا: يا رسول الله! لا نجد إلا أمثل من سنِّه، قال: أعطوه، فإنَّ خيركم أحسنكم قضاءً) متفق عليه.
يتقاضاه: يطلب منه قضاء الدين.
أغلظ: شدد في المطالبة.
سنا مثل سنه: أي بعيرا له سن مثل سن بعيره.
لا نجد إلا أمثل: أي إلا أحسن في المثلية.
المعنى العام :
جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطالبه برد ما استقرضه منه. طالب فأغلظ في المطالبة. وتكلم فعنف في الكلام، فغضب الصحابة من هذا التهجم خصوصا أنه ليس له ما يبرره، إذ لم يسبق لهذا الأعرابي أن طالب، ولم يبد من الرسول صلى الله عليه وسلم فور المطالبة ممانعة أو مماطلة، فهموا بإيذائه وأرادوا أن يتناولوه بالسوء، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يتركوه، لأنه صاحب حق - حتى وإن أساء-، ثم أمرهم أن يعطوه بعيرا مثل بعيره الذي اقترضه منه، فلم يجد الصحابة عندهم في إبل الصدقة بعيرا في سن بعيره، فقالوا: لم نجد يا رسول الله إلا أحسن من بعيره سنا، قال لهم: أعطوه، فإن خيركم في المعاملة أحسنكم في القضاء، فلما أخذ الرجل البعير، نظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نظرة سرور وإعجاب وشكر، وقال: أوفيتني أوفى الله بك كما في بعض الفاظ الحديث.
حسن القضاء ليس من الربا :
الواجب على المقترِض ردُّ القرض بدون زيادة عليه، وذلك لأنَّ اشتراط الزيادة في السلف ربا بالإجماع، قلت الزياة أم كثرت، ويجوز أن يرد أفضل ممّا يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وكما قال، وهو من مكارم الأخلاق، قال الامام النووي رحمه الله: ويستحب لمن عليه دين من قرض وغيره أن يرد أجود من الذي عليه وهذا من السنة ومكارم الأخلاق وليس هو من قرض جر منفعة فإنه منهي عنه لأن المنهي عنه ما كان مشروطا في عقد القرض ومذهبنا أنه يستحب الزيادة في الأداء عما عليه ويجوز للمقرض أخذها سواء زاد في الصفة أو في العدد بأن أقرضه عشرة فأعطاه أحد عشر.
ومن فوائد هذا الحديث:
ـ جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله.
حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وعظم حلمه وتواضعه وإنصافه.
ـ القرض يكون من النقود ومن الأطعمة وكل ما له مثل، كما يكون من الحيوانات، على رأي الجمهور، فقد استقرض رسول الله صلّى الله عليه وسلم جملاً، وأعطى صاحبه أحسن منه، كما رواه مسلم.
ـوجواز الوفاء بما هو أفضل من المثل المقترض، إذا لم يكن ذلك مشروطا في العقد، وهذا الخلق من السنن المهجورة عند غالب الناس عندما يقترضون من غيرهم ومن يردون دينهم.