أخبارنا المغربية
هل يجوز تبرع المسلمين بأعضائهم لغير المسلمين في العلاج؟ سؤال يثير حالة من الجدل والخلاف خاصة بعد أن أصدرت نقابة الأطباء في مصر قراراً يحظر هذا التبرع. فماذا يقول علماء الأزهر لحسم هذا الجدل المثار؟ الجوابش في هذا التحقيق مع رأي لأحد كبار علماء المغرب العربي.
أفتى الدكتور مصطفى بن حمزة أحد كبار العلماء المفتين في المغرب بجواز التبرع بأعضاء من المسلمين لغير المسلمين من أجل العلاج، واعتبر ذلك مندرجاً ضمن وجوب إحياء النفس المنصوص عليها في الآية الكريمة: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». وأكد في فتواه الفقهية التي تلقت «لها» نسخة منها أن المقصود بالإحياء هو تمكين النفس من الاستمرار في الحياة وإنقاذها من الهلاك، ونفى أن يكون المراد من الآية حصر الأمر في النفوس المؤمنة. وأشار في الفتوى إلى أن سياق الآية يؤكد أن الباعث على الإنقاذ هو الرحمة والشفقة، ومعرفة قيمة الحياة الإنسانية، واحترامها والوقوف عند حدود الشريعة في حقوقها. وقال عضو المجلس العلمي الأعلى: «إن الآية تعلمنا وحدة البشر وحرص كل منهم على حياة الجميع». وأضاف بن حمزة في الفتوى أن استبقاء النفوس والحفاظ عليها تعتبر من مقاصد الشريعة الإسلامية وأن ذلك هو الأصل في تعامل المسلمين مع غيرهم.
وإلى جانب آية إحياء النفوس التي اعتبرها بن حمزة أصلاً في تجويز تبرّع المسلمين بأعضائهم لغير المسلمين لأجل العلاج استدل على صحة اجتهاده الفقهي بتقرير الإسلام جوزا عقد اتفاقيات الدفاع المشترك بين المسلمين وغيرهم، وتعهد النبي صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة المنورة بالدفاع عن معاهديه يهود المدينة. واعتبر بن حمزة أن المقتضى الواضح لهذه الاتفاقيات أن يكون المسلمون مستعدين لبذل أرواحهم وهم يدافعون عن حلفائهم من غير المسلمين وفاء بمقتضى العهد.
وانتقد بن حمزة الآراء الفقهية التي تبيح أخذ الأعضاء من الغير وتحرم على المسلمين إعطاءها إليهم ووصفها بأنها متناقضة وغير عادلة، فضلاً عن كونها تضع المسلمين في مشكلة أخلاقية لاسيما المقيمين منهم في الغرب. ونبه إلى خطورة استغلال هذا السلوك في إبراز عدم قابلية المسلمين للانسجام مع أفراد البلاد المضيفة التي أصبحت بالنسبة إلىالأجيال التالية بلد مولد واستقرار.
وختم بن حمزة فتواه بالتذكير بأن ثقافة الإسلام تذهب بعيداً في البذل للغير، وهذا كله يؤصل جواز التبرّع بالأعضاء لفائدة الأغيار، خصوصاً حينما يكون ذلك على أساس المكافأة والمعاملة بالمثل.
يذكر أن الدكتور بن حمزة سبق أن أدلى بهذا الرأي في لقاء بمدينة أوتريخت في هولندا بتاريخ 28/01/2006 ترأس جلسة افتتاحه وزير الصحة الهولندي وحضره عدد من المستشرقين والباحثين وأفراد من مسؤولي جمعيات الجالية المسلمة في هولاندا.
اختلاف الدين لا يؤثّر في الأعمال الإنسانية مادامت تتمّ بالضوابط الشرعية والطبيّة
المفكر الإسلامي الكبير الدكتور يوسف القرضاوي له فتاوى عديدة في هذا الموضوع. يقول: «لا دخل لاختلاف الدين في قضية التبرّع بالأعضاء لأنه كما يجوز أن يأخذ المسلم من غير المسلم فإن العكس جائز لأن الأعضاء ليس فيها مسلم وغير مسلم، أعضاء الإنسان هي كلها مسلمة، فمن المتفق عليه شرعاً أن الأعضاء داخل الإنسان تسبح بحمد الله كلها يعني داخلة في دائرة السنن الإلهية في السجود والتسبيح وهذه الأشياء. فالإنسان المسلم يجوز له أن يأخذ من غير المسلم ويجوز أن يعطي أيضاً غير المسلم، كما تجوز الصدقة على غير المسلم، القرآن ذكر «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً..» [الإنسان:8] في وصف الأبرار، الأسير كان من الوثنيين المشركين في ذلك الوقت ومع هذا القرآن مدح الذين يطعمون الطعام على حبه، «إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً..»[الإنسان:9]. والنبي عليه الصلاة والسلام وبعض الصحابة كانوا يتصدقون على أقاربهم المشركين ولما أنكر بعض الصحابة ذلك نزل قول الله تعالى «ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء..»[البقرة:272]، أنت تعطيهم الصدقة وتبذل لهم المال والهداية من الله «..ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون» [البقرة:272].
الأزهر لم يوافق
وينفي الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق أن يكون الأزهر «وافق على ما قاله نقيب الأطباء من حظر التبرّع بأعضاء المسلمين لغير المسلم، إنما ما تمت مناقشته من فترة ليست بالقليلة أن التبرّع بالمال صدقة لإنقاذ فقير أو مريض أو بائس من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى فما بالنا بمن يتبرع ببعض بدنه، هذا أمر محبب في الإسلام، إن الله يعتبر هذا من ضمن إحياء النفس «..من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً..» [المائدة:32]، فنحن نساهم بالتبرّع بالأعضاء في إحياء نفس بشرية، وكل عمل في هذا الجانب يعتبر من أعظم العبادات التي يتقرّب بها إلى الله لأنه نوع من إغاثة الملهوف عبر إنقاذ إنسان من آلام يتألم بها، لهذا فهو من أعظم الأعمال التي يباركها الإسلام. والإنسان لكي يتبرع بجزء من بدنه لابد أولاً أن يكون بدنه سليماً، ولايتسبب له نقل الأعضاء في مزيد من الضرر لهذا لابد أن يكون تحت إشراف الأطباء المشهود لهم بالأمانة والثقة والكفاءة لأن القاعدة الشرعية أنه لاضرر ولا ضرار وأن لا يكون في هذا امتهان لآدمية المتبرّع، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «كسر عظم الميت ككسره حياً».
المجامع الفقهية وافقت
ويرى الدكتور محمد رأفت عثمان أن المجامع الفقهية في العالم الاسلامي عندما وافقت على «عملية نقل الأعضاء وزرعها ووضعت لها الضوابط الشرعية لم تشترط أن يكون الأخذ من المسلم أو التبرّع للمسلم فقط، وإلا أوقعنا الضرر بمن هم في حاجة إلى هذه العملية المصيرية. وإذا نظرنا إلى رسالة الأديان وعلى رأسها الإسلام فإن الله جعلها رحمة للإنسانية وداعية إلى التسامح والتعاون لكل ما فيه خير البشرية وعدم الأضرار بها بشرط أن لا تتحول العملية الإنسانية إلى مافيا دولية أو محلية. والقيود التي وافقت عليها المجامع الفقهية هدفها التصدّي لضعاف النفوس من الأطباء والمرضى والبائعين على حدّ سواء حتي تكون العملية إنسانية بحتة بصرف النظر عن ديانة أصحابها. إلا أنه لايفضل التبرّع لمن أعلنوا صراحة عداءهم للإسلام والمسلمين لأنه لايعقل أن أعين عدوي علي وأعرّض نفسي لأخطار من أجل إنقاذه وهو الذي يعلن كراهته لي صراحة ودون أي خجل».
العملية إنسانية لا دينية
ويرى الدكتور عبد المعطي بيومي أن المسألة كلها إنسانية، «الإنسان يرجو فيها وجه الله، الخير الذي يقدمه يقدمه ابتغاء وجه الله سواء كان لمسلم أو لغير المسلم بشرط أن لا يكون من المحاربين لنا حتى لا نقويه علينا أو أن يكون مرتداً معلن العداء للإسلام. وإذا كان في الأمر بعض الموازنة بين مسلم وغير مسلم، المسلم أولى والمسلم الصالح أولى من المسلم الطالح. والمسلم الذي له حق مثل حق القربى أو حق الجوار ابن عمه، ابن خالته، قريبه، جاره، الله تعالى يقول «.. وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله». [الأنفال:75] وقوله تعالى أيضاً «..والجار ذي القربى والجار الجنب». [النساء:36]، وكلما كان له حق كان أولى من غيره ولا دخل لموضوع الدين في ذلك. ولكننا نحذر من عملية الإتجار التي تتمّ بشكل مستتر أو أخذ أعضاء غير البالغين أو غير العقلاء دون علمهم أو رضاهم لأن موافقة الإنسان العاقل المدرك لما يتمّ أمر ضروري لأن القاعدة الشرعية «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة»… مثلاً لا يجوز أن يتبرع إنسان غير بالغ ولا عاقل، لأن التبرعات المالية لا تجوز من الأطفال ولا من المجانين ولا من السفهاء، ولا يجوز للولي أن يتبرع عنهما، إذ نقول له لا أنت مقيد، عليك أن تنمي أموالهما. «ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده» [الأنعام:152]، فكذلك إذا كان لا يجوز لنا أن نتبرع بماله فلا يجوز له أن يتبرّع ببدنه، فلابد أن يكون الشخص أهلاً للتبرّع ومدركاً لما يتم في جسده وعارفاً بأبعاده».
adil
hgpdh,
قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ( 94 ) ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ( 95 ) ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملو