أخبارنا المغربية
بقلم: إسماعيل الحلوتي
مواطنون مغاربة كثر وخاصة منهم المهتمون بالشأن العام مازالوا يذكرون جيدا ذلك السؤال الاستنكاري "أين الثرة؟"، الذي طرحه الملك محمد السادس في خطابه السامي الموجه إلى الأمة في تاريخ: 30 يوليوز 2014 بمناسبة تخليد الذكرة الخامسة عشرة لتربعه على العرش. وهو يتساءل باستغراب شديد عن مصير ثروة البلاد، إثر اطلاعه على مضامين دراستين حول قياس الثروة الشاملة لحوالي 120 دولة من ضمنها المغرب، أنجزهما البنك الدولي خلال السنتين 2005 و2010.
فقد عبر جلالته عن امتعاضه من عدم استفادة جميع المغاربة من الثروة المحصل عليها، حين تساءل عما إذا كان هناك من تأثير فعلي لمختلف الأوراش التنموية والمنجزات التي تحققت منذ اعتلائه العرش في 1999، على ظروف عيش المواطنين من جميع الفئات والمناطق الجغرافية، إذ قال: "أين هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟ ولاسيما أنه لاحظ إبان جولاته التفقدية بعض مظاهر الفقر والهشاشة وحدة الفوارق الاجتماعية؟
وتأتي عودتنا هنا إلى ذلك السؤال المركزي الذي أثار العديد من ردود الأفعال، ومازال صداه يتردد على مسامعنا وفي ردهات المؤسسات والإدارات العمومية وعبر صفحات التواصل الاجتماعي، بمناسبة ما تم الكشف عنه من معطيات صادمة من داخل مجلس جهة كلميم -واد نون، الذي أشرت رئيسته على صفقة إطعام بمبلغ 412 مليون سنتيم همت 9000 ضيف في ظرف شهرين فقط، دفعت منها 250 مليون سنتيم في انتظار تسديد الباقي.
إذ عادت ساكنة الجهة ومعها عدد من المستشارين الذين سبق لهم التنديد بهدر المال العام جراء قرار الرئيسة القاضي بصباغة واجهات الشوارع الرئيسية لمدن الجهة بتكلفة بلغت 10 ملايير سنتيم، ليستنكروا من جديد الإنفاق المفرط على الضيوف في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، بينما لم تكلف مصاريف ميزانية الجهة سوى 30 مليون سنتيم خلال تسعة شهور في الفترة الممتدة من 01/01/2022 إلى 01/09/2022 حسب الوثائق المتوفرة. فضلا عن عقد صفقة مع أحد المقربين بمبلغ 192 مليون سنتيم، مما يعني تجاوز كلفة المائدة الواحدة ل"7200" درهم، كما تم دفع مبلغ فاتورة يفوق 80 مليون سنتيم في ظرف ثمانية أيام فقط، أي 10 ملايين سنتيم يوميا من الإطعام، علما أن الجهة لم تعرف في تلك الفترة أي نشاط.
وهذه الواقعة الأخيرة حول تبديد المال العام ليست سوى غيضا من فيض عن سوء التدبير والفساد، فيما يتعلق بالجواب عن سؤال "أين الثروة؟" وتؤكد التوزيع السيء وغير المنصف لثروة البلاد على العباد، كما أنها تشكل عاملا أساسيا في اتساع دائرة الفقر والتهميش وارتفاع معدلات البطالة والفوارق الاجتماعية. فبغض النظر عن ظاهرة الاحتكار الفظيع التي يعيش على إيقاعها الاقتصاد الوطني من طرف ثلة من الأشخاص والعائلات، إن على مستوى احتكار رخص الصيد في أعالي البحار ومأذونيات النقل أو رخص التصدير والاستيراد والإنتاج والبيع وما يترتب عنها من تمركز الثروة في أيدي فئة معينة، مما يحول دون ظهور طبقة جديدة من رجال الأعمال الشباب، وخاصة في الأقاليم البعيدة عن المركز، الذين بمقدورهم خلق مناصب شغل للعاطلين، والمساهمة في التوزيع العادل للثروة.
هناك كذلك استشراء آفة الفساد بفعل إسناد المناصب لغير مستحقيها من ذوي الكفاءات العالية، الذين يتحلون بالاستقامة والنزاهة ويتميزون بالحس الوطني الصادق وروح المسؤولية. حيث أنه كثيرا ما يتم تعيين مسؤولين خارج معايير الاستحقاق والكفاءة، ويتم الاعتماد فقط على الولاءات الحزبية والمحسوبية، وهو ما يفسر احتلال المغرب مراتب متأخرة في مؤشر التنمية وتنامي الفوارق الطبقية، في ظل غياب الآليات الزجرية الحقيقية وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم إفلات المفسدين من العقاب، وإلا ما كانت معطيات وأرقام تقارير مؤسسات الرقابة، لتأتي قاتمة وصادمة حول التجاوزات الإدارية والمالية التي تشهدها بعض القطاعات، من خلال التلاعب بالميزانيات وعقد الصفقات المشبوهة وسواها.
فالثروة المتساءل حول مصيرها ذهب القسط الأوفر منها إلى جيوب منعدمي الضمير، ممن يقدمون مصالحهم الشخصية والعائلية على المصلحة العليا للوطن والمواطنين. ثم كيف لا يتحول الفساد إلى إحدى البنيات الرئيسية للدولة، التي ظلت تلتزم الصمت المطبق أمام العديد من الخروقات كما هو الحال مثلا ل"وثائق بنما"، على عكس ما قامت به باقي دول العالم من تحقيقات قضائية للحسابات السرية في سويسرا لسياسيين ورجال أعمال؟ فإلى جانب إفلاس الصندوق المغربي للتقاعد وصناديق أخرى بسبب النهب المتواصل، وما شهده قطاع التعليم من عملية "اختلاس" كبرى فيما يخص "المخطط الاستعجالي"، دون أن يتحرك القضاء بالجدية اللازمة في اتجاه محاسبة المفسدين واسترجاع الأموال المنهوبة، هناك كذلك تبديد أموال عمومية في أساطيل السيارات الفارهة وغيرها من الامتيازات والتعويضات السخية لبعض المحظوظين في عديد المؤسسات الدستورية.
إننا لا نعتقد أنه يمكن حماية ثروة البلاد وتنميتها وتوزيعها بشكل عادل على العباد، في ظل استمرار وجود مسؤولين مفسدين وغياب الإرادة السياسية القوية للإصلاح والتغيير الحقيقييين. مما يقتضي الانكباب الفعلي على مكافحة مختلف مظاهر الفساد والريع، والحرص الشديد على تفعيل مقتضيات الدستور من حيث الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، إسناد المسؤوليات لمن هم أهل لها، بعيدا عن الولاءات والوساطات، وإلا ستظل البلاد تدور في حلقة مفرغة دون الاهتداء إلى الطريق الصحيح.