يعيش بعض الآباء مفارقة عجيبة في معالجة جنوح وأخطاء أبنائهم والتعاطي مع سلوكاتهم المنحرفة والمزعجة، حيث يغلبون العاطفة على المنطق، ويتركون العنان لأنانية الأبوة والأمومة في تدبير المصائب والأزمات، التي تحل عليهم داخل بيوتهم، أو تصيب غيرهم بأعطابها النفسية والجسدية في محيط الجوار والأهل، فالعنف وجنون المخدرات يعتبر لديهم عصبية وشغب، والسرقة والاعتداء على الآخرين تعد عندهم مجرد سلوكات صبيانية أو «قباحة» فوق عتبة المعتاد.
طفح الكيل بـ«السعدية» ولم تعد تملك طاقة للصبر في تحمل حماقات ابنها، الذي حوله الإدمان على المخدرات إلى شخص عدواني، لا يتردد في تصريف شحنات هيجانه على كل من يصادفه. فكلما اشتدت به الحاجة إلى تدخين سيجارة محشوة بالحشيش أو ابتلاع حبات القرقوبي أصبح الشاب يمارس “سعرته” داخل بيت الأسرة بالاعتداء على والدته وتخريب أثاثها المنزلي، قبل أن ينقل ثورته الجنونية إلى الشارع، يصول فيه ويجول بصراخه الهستيري وكلامه «الخاسر»، مما يضطر هذه الأم رغم كل شيء إلى مداراة فضائحه من اعتداءات على الجيران أو إلحاق خسائر بملك الغير بـ”الطليب والرغيب” ودفع التعويضات المادية إن اقتضى الحال إلى المتضررين.
ابتليت هذه الأم الأرملة في أصغر أبنائها، الذي وقع فريسة للمخدرات بعد تعثره المتتالي في مرحلة التعليم الإعدادي، وانضمامه المبكر إلى صفوف العاطلين، وأصبح بسبب الانقلاب الجذري في شخصيته ومزاجه هو ذاك “البعبع”، الذي يزرع الرعب والأعطاب في بيت والدته، ويخلق الفوضى والخراب في أرجاء الحي السكني، حيث اندحرت سمعة الأسرة بكاملها إلى الحضيض، وبدأت بعض النعوت التحقيرية تحل محل اسمهم العائلي، مما جعل أبناء الدرب يجمعون على تلقيبه بـ”محسن المصيبة”، لما يجلبه للجميع من متاعب ومشاكل لا يفلت منها الكبير والصغير والقريب والبعيد٠
«أم الشفار» تتحول إلى محامية لابنها
لم تجد “لطيفة” البذلة الرياضية لزوجها على حبل الغسيل بشرفة مسكنها، لتستنتج على التو أنها سرقت في غفلة من جميع أفراد أسرتها، الذين كانوا وقتها يتابعون مباراة في كرة القدم على شاشة التلفاز. وبمجرد انتشار الخبر بين الجيران وسكان العمارات المجاورة حتى توجهت أصابع الاتهام بشبه إجماع إلى أحد أبناء الحي، المتخصص في مثل هذه السرقات داخل محيط تجمعهم السكني٠
فقد تناقلت الألسن عبر أرجاء الحي بكامله واقعة السرقة التي تعرضت لها أسرة “لطيفة”، وشاع الخبر كالنار في الهشيم بأن الزوج عازم في اليوم الموالي على تحرير شكاية لدى الدائرة الأمنية القريبة من مسكنه ضد المشتبه به. حين سمعت أم السارق بالخبر سارعت كعادتها وبرفقتها جوقة من جارتها المقربات إلى القيام بمحاولة استباقية لاحتواء الموقف، حيث بادرت إلى طرق باب “لطيفة” و”رمي العار” عليها لكي لا يصل الأمر إلى مصالح الشرطة، مبدية استعدادها إرجاع المسروق أو تقديم التعويض المناسب عنه، معتمدة على كسب جولة الإقناع بوابل من تقبيل الرؤوس وتطييب الخواطر وذرف الدموع٠
اعتادت هذه الأم الملقبة بـ”أم الشفار” أن تعرض نفسها باستمرار إلى اللوم والشتم والتجريح من طرف الجيران، كما ذاقت حد التخمة ضعوطات ومضايقات الأجهزة الأمنية واستفزازاتهم في بعض الأحيان، كلما وصل أمر إحدى سرقات ابنها إلى علمهم أو تم توقيفه على إثر شكاية أو إخبارية عن ذلك. كانت تحاول من فرط حنوها وأمومتها أن تحول دون دخوله إلى السجن أو تعرضه للتعنيف والضرب، مستعملة قاموسا لا ينتهي من التوسلات الدامعة والاستعطافات العازفة على الأوتار الحساسة لمن تعرف سريرته عن قرب أو تستقرئ طباعه من خلال ردود فعله، حتى استحقت في وسطها السكني بعد لقب “مت الشفار” أن تحمل صفة “المحامية” الموكلة عن ابنها مهما كانت الظروف والملابسات في قضايا سرقاته المتعددة٠
والدا «لمقرقب» يشخصان إدمانه بـ«الصرع»
لا يتردد والدا «يوسف» في كل مناسبة يدور فيها النقاش حول جنوح الأبناء في وصف ابنهما الذكر الوحيد بين ثلاثة فتيات بصفة “معصب شي شوية” بمعنى أنه شقي أو مشاغب بالفطرة حسب تقييمهما لسلوكه الحاد وشخصيته العدوانية. لكن جميع المعارف والجيران يعرفون أن هذا الشاب المدلل بشكل مفرط يعاني من حالة نفسية غير عادية، فهو دائم الشجار مع أقرانه لأتفه الأسباب، ولا يتورع في بعض المواقف من ممارسة العنف على الآخرين بالضرب والجرح، وقد يصل الأمر في أوج هيجانه إلى استعمال السلاح الأبيض، حيث لم يكن يسلم من بطشه حتى أفراد أسرته سواء الوالدان أو الأخوات٠
السيرة الذاتية السيئة للمراهق “يوسف” تبتدئ أولى صفحاتها بإدمانه على التدخين في سن مبكرة، ثم تعاطيه إلى كل أنواع المخدرات انطلاقا من الحشيش إلى حبوب الهلوسة. كان كلما أفرط في التخدير أو عانى من خصاص في الجرعات المطلوبة، يتحول إلى وحش جامح لا يفرق بين القريب والغريب في نوباته الهستيرية، مما يستدعي في كثير من الأحيان نقله من طرف والده إلى إحدى المصحات الخاصة لحقنه بالمهدئات، حيث تعلن الأم أمام الملأ أن ابنها يعاني من حالات الصرع أو ما تصطلح عليه بالعامية “المسلمين”، لكن الحقيقة المؤسفة، التي يحاول الأبوان إخفاءها بالغربال أو التعامي عنها لأسباب خاصة بهم، هي إدمان ابنهما المفرط على ما يعرف في الأوساط الشعبية بـ”القرقوبي”٠
يستغرب أقارب وجيران أسرة «يوسف» هذا التعايش السلبي لوالديه مع وضعه المقلق وإدمانه، ويتساءلون كلما تكررت مصائبه وحماقاته عن اختيارهما لأسلوب المهادنة ودفن الرأس في الرمال على طريقة النعامة، حيث يزداد الوضع سوءا يوما بعد يوم في غياب اعترافهما الشجاع أن هذا الابن «لمقرقب» دائما وصل إلى مرحلة تستوجب عرضه على مختصين في علاج المدمنين على المخدرات٠
أم «الجن» تبرر عدوانتيه بـ«لقباحة»
لم تكن صفية تتقبل آراء بعض أفراد أسرتها في سلوك ابنها البكر ذي 13 سنة من العمر، الذي يصفه كل من رآه بـ«الجن». يتجنب العديد من أقاربها ومعارفها وجيرانها استضافتها في أي مناسبة عائلية أو اجتماعية، بسبب شغبه الشديد وسلوكه غير العادي في التعامل بعدوانية وسادية مع كل ما هو حي أو جامد. مقابل اتهامات المحيطين بها كانت الأم تردد أينما حلت أو ارتحلت مقتطفات من مذكرة دفاعها عنه بالقول «ولدي غير قبيح شي شوية»، غير مقتنعة على الإطلاق بالدرجة العالية لشقاوته وشغبه بل وعدوانيته المرضية والغريبة، التي لا تصل تبعاتها وأضرارها تخريب الأثاث المنزلي وإتلاف أي شيء تطاله يداه، وإحداث الفوضى والضجيج والإزعاج في الأماكن الخاصة والعامة.
الإنتقادات الموجهة لـصفية في حضورها وغيابها كانت نتصب في اتجاه واحد هو أنها لم تحسن تربية هذا الطفل المصاب على ما يبدو باضطرابات نفسية، ولا تريد حتى التفكير في عرضه على طبيب مختص، حيث تتعامى بشكل غير مفهوم عن سلوكاته المنحرفة. كما يستغرب المنزعجون والمتضررون تصرفات الابن والأم، التي لا تحرك ساكنا في منعه أو ردعه أو معاقبته عما يحدثه من فوضى وخسائر في بيتها هي أولا ثم في ممتلكات الغير، مكتفية بترديد عبارة «ولدي مجعور حيت باقي صغير، دابا يدير عقلو».
محمد
أمثاللا هؤلاء تقع اللائمة في تربيتهم على الاباء الدين يتساهلون معهم في التعاطي للمخدرات. والنتيجة انتشار الاجرام.