في المغرب، فقط، يتعايش الأسد والحمامة والغزالة قرب الدار، ويعانق الحصان النحلة تحت ظلال النخلة أو لهيب «الشمش»، في حين تتطاير التفاحة والكتاب والسنبلة في الهواء... إنها حقيقة الانتخابات في المغرب التي تسهم في كوارث بيئية في نهاية حملتها عبارة عن جبال من نفايات أوراق الدعاية.في شوارع البيضاء، قطعت سيارة شحن صغيرة المسافات بسرعة جنونية، فوقت نهاية الحملة أوشك على النفاد، ومهمة أتباع المرشحين تتمثل في التخلص من أطنان الملصقات وأوراق الدعاية في الشوارع، ولا يضاهيهم في سرعتهم إلا أنصار وكلاء لوائح أخرى ينثرون حزمة أوراق دعائية في الهواء، غير عابئين بكل شعارات حماية البيئة.
فقدت شوارع عدة أحياء لونها الأصلي حين استقبلت أطنانا من نفايات المرشحين، فسواء في سباتة أو الحي المحمدي أو البرنوصي... ظلت سيارات أنصار الأحزاب المتنافسة تتخلص من الملصقات بكل الطرق، فالمهم أن يكتسي الشارع ألوان مرشحيهم، في مشهد غريب يحرص على تذكير المغاربة بألا شيء تغير في سلوك المرشحين، فليس هناك ناخبون أو حشود، وإنما رغبة في التخلص من أوراق الدعاية.. «فهؤلاء يدركون أن الحملة لا تختلف عن سابقاتها، وأن الفرصة مناسبة لجعل الشوارع مزبلة كبيرة في مدينة تئن يوميا تحت وطأة أزمة النفايات حتى في غياب الانتخابات. فكيف الحال بعد أن أضيفت إليها لا مبالاة المرشحين؟»، يقول أحد المواطنين الذي أعلن قراره عدم التصويت لحزب لا يبالي مرشحوه بمشاكل البيضاويين مع النفايات.
الطريف في الأمر أن حزبا للبيئة يُفترض فيه أن يدافع عنها كان من بين أول المتسببين في تلويثها، فالغزالة والميزان والوردة والتراكتور.. أحزاب تلفظ أوراق دعايتها في الشوارع والساحات دقائق قليلة قبل انتهاء الحملة، لتذكير الناخبين ألا فرق بين الأحزاب الديمقراطية أو الليبرالية أو اليسارية في الاستهتار بالبيئة، رغم كل الوعود بالاهتمام بمشاكل السكان وإيجاد حل لأزماتهم. «فاقد الشيء لا يعطيه»، حكمة رددها بعض الجالسين في مقهى بوسط حي الألفة بالبيضاء، وهم يعاينون شاحنات وسيارات تتخلص من أوراق الدعاية، فالأحزاب أبانت غياب الوعي لدى مرشحيها إلى درجة تغافلت عن تذكيرهم بأن الاهتمام بالبيئة يوجد ضمن برامج جل الأحزاب السياسية، فتحول، مع نهاية الحملة، إلى مجرد شعار تبخر في أول امتحان على مصداقية برامجهم ووعودهم بتطبيقها.
وطبعا لا يوجد من يردع هؤلاء عن غيهم في تلويث الشوارع، فالسلطات المحلية منشغلة بتعبئة الناخبين للمشاركة في التصويت، و«حتى لو توفرت لها الإرادة للتدخل لوقف المهزلة، فيستحيل ذلك»، يقول عون سلطة، فهي تتجنب الاحتكاك بالمرشحين وأنصارهم، ولا تتوفر على كل الإمكانيات لتنبيههم إلى خطورة أفعالهم.
المثير أكثر أن حزبا، مثل التقدم والاشتراكية، كتب على أوراق دعايته جملة تحث أعضاءه على عدم رميها في الشارع، إلا أن ذلك لم يمنع بعض وكلاء لوائحه من ممارسة هواية «قذف الأوراق» في الهواء، في إصرار غريب على عادة تكشف أن تلويث المشهد السياسي يحتاج فعلا إلى أسطول من الشاحنات لجمع قمامته.
خالد العطاوي