يرفض البعض مناقشة موضوع الموت الرحيم باعتباره أمرا مستحدثا، على الرغم من أن علماء الاجتماع يشيرون إلى كون الموضوع كان منتشرا بين الشعوب والقبائل البدائية التي كانت تلجأ إلى قتل الكسيح الذي يشعر أنه عبء على القبيلة، كما تقوم بدفن المصابين بالأمراض المعدية أحياءا، خوفا من انتشار الأمراض. ومن المعارضين أيضا من يستدل بالسند الديني الذي يرى الأمر محرما، لكن بعض الأصوات من الجانب الطبي ترى أن الأمر يمارس ضمنيا دون أن تسمى الأشياء بمسمياتها.باعت كل أثات البيت. اقترضت. طرقت أبواب المحسنين، لم تستنفذ بعد كل ما في جعبتها فهي مصرة على المضي إلى آخر رمق، «مغاديش نتخلى عليه ما دامت الروح كتطلع وتنزل» تقول فاطمة التي قررت رعاية شقيقها الممدد على فراش المرض.
« خاصو ياكل باش يعيش»
ينام الرجل بلا حراك، لكن شقيقته تتمسك بالأمل وترى أمورا قد يصعب على الغريب رؤيتها، فبالنسبة لها لقد تمكن شقيقها من قطع شوط طويل على الرغم من كونه ممددا فوق السرير. «لقد بدأ يفتح عينيه، ويمسك بيدي، كما أن وزنه زاد بعض الشيء مقارنة بفترة تواجده بالمصحة»، تقول فاطمة بحماسة.
«لقد أصبت بالقشعريرة» تقول الأخت بنبرة متوترة بمجرد مفاتحتها في موضوع القتل الرحيم الذي ربما يضطر له البعض في مثل حالتها. رفضت الأخت مناقشة الأمر ولو نظريا. وضعت الخيار في خانة المستحيلات على الرغم من المصاريف التي أثقلت كاهلها، حيث تجد نفسها مضطرة لدفع مبلغ يتراوح ما بين 10و 15 ألف درهم كل أسبوعين لإدارة المستشفى، تنضاف إليها مصاريف التنقل، وقوارير الماء، واقتناء الحفاظات، والملابس، وجيل التنظيف…
رغم لائحة المصاريف التي أرهقت كاهل الأخت، وأرغمتها على استخراج كل مدخراتها أملا في تحسن شقيقها، ورغم بطء تعافي الشقيق الذي لا يستطيع الأكل بطريقة منفردة، ولا يستطيع قضاء أبسط حاجياته، حيث تضطر فاطمة إلى تغيير حفاضاته هاتكة ستر الحياء للضرورة، رغم كل ذلك تتمسك الأخت برعاية شقيقها إلى النهاية.
خرج الأخ من المستشفى رفقة آلات طبية لا يستطيع العيش بدونها، لتبدأ معها مصاريف إضافية جعلت فاطمة تضطر إلى اللجوء إلى المحسنين، «في الكثير من الأحيان أعجز حتى عن توفير الأكل المناسب له. يجب توفير ماء معدني للشرب، مع أكل مناسب»، تقول فاطمة مستعرضة حاجتها للمال من أجل شقيقها، « أنا نقدر ناكل غير الخبز وأتاي، أما خويا خاصو ياكل باش يعيش». تقول المرأة وهي تدفع بكل كلامها نحو الحياة مستبعدة فكرة الموت الرحيم رغم توفر حالتها على العديد من الشروط التي تدفع البعض نحو اتخاذ هذه الخطوة في الغرب. تنهي كلامها بعبارة مقتضبة. «عمري ما غادي نفكر بهاد الطريقة، حيت ربي كبير».
تماشيا وقناعة فاطمة، يرى الاستاذ عبد الرحمان العليوي العضو بالمجلس العلمي****، أن القتل الرحيم بالرجوع للمنطلقات التي يعتمدها الفقه المالكي أمر مرفوض. «منطلقنا ما نزل في القرآن وهو ما نرتكز عليه في فهم الموضوع، وهو الدائرة التي نرجع اليها، وفيها قوله تعالى «إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت» إذا فالأعمار بيد الله عز وجل. كما أن الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول «لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب». كما يستحضر بيتا شعريا يقول: فكم من صحيح مات من غير علة، وكم من سقيم عاش حينا من الدهر» يقول الفقيه العليوي الذي يرى أن كل الأدلة لا تقبل أن يمد شخص يده من أجل إزهاق روح بدعوى أنه يرحمه ويحرره من ألمه. « لأن القتل في الإسلام يكون في نطاق إقامة الحدود في حال توفر شروطها»
عند الحديث عن إمكانية الاستدلال برأي الطب في المسألة، يرى الفقيه أن المسائل تبقى نسبية، «لأنه مهما بلغت درجة العلم توجد استثناءات لا يمكن للطب أن يجزم فيها». لم يتأخر الرجل عن الاستعانة بقصة امرأة مغربية ألفت كتابا حمل عنوان “فلا تنسى الله”، بعد نجاتها من الموت رغم إجماع الأطباء على قرب وفاتها خلال مطلع الثمانينيات، قصة يرى فيها عبد الرحمان العليوي أنها مثال حي في كون الطب لا يملك الكلمة الفصل في مسألة إزهاق الأرواح، «لأن الروح ملك لله، وبالتالي لا يجب إزهاقها حتى لو بقيت في جزء من الجسم كما هو الحال في موت الدماغ، لأنها في النهاية أمانة لدينا»
الموت بين الأهل
كثر هم أولئك الذين رفضوا فكرة القتل الرحيم، وكثر هم أولئك الذين يفضلون في آخر المطاف الاستماتة في البحث عن علاج شخص عزيز، رغم ما تعنيه هذه الرحلة من مصاريف ترهق جيوب مواطنين بسطاء لا تسعفهم جيوبهم الفارغة على ترجمة مدى محبتهم وتمسكهم بأحد أفراد أسرهم، مما يدفعهم في النهاية إلى إخراج المريض من المستشفى، وأخذه نحو البيت في انتظار الأجل المحتوم.
اختارت ربيعة اصطحاب والدتها نحو البيت في آخر المطاف، بعد أن طالت عملية العلاج دون أن تلاحظ أي تحسن ملحوظ نتيجة إصابة والدتها بمرض في الرئة. «عانيت كثيرا، وكدت أن أخسر أسرتي بعد أن عارض زوجي غيابي المتكرر عن البيت». كانت ربيعة الابنة الوحيدة رفقة خمسة أشقاء، وباعتبارها الأنثى كان لا بد لها من رعاية والدتها.
لم يتوقف تدخل ربيعة عند توفير الرعاية فقط، بل ساهمت إلى جانب إخوتها في مصاريف العلاج. أنفق المال الكثير، لكن النتائج لم تكن مطمئنة لتزداد حالة الأم سوءا، « شفنا حتى عينا، قلنا نجيبوها تموت في دارها، بلاش ما تبقى معذبة في السبيطارات». انتقلت روح الأم إلى بارئها ليلة عودتها، لتنتهي قصة معاناة الأسرة التي انتظرت شفاء الأم إلى آخر درهم في الجيب.
تنتقل أرواح كثيرة بنفس الطريقة، ويرى بعض الأطباء أن الأهل يتهربون من كلمة الموت الرحيم، إلى خيار الموت بين الأهل، بعد أن يملوا رحلة العلاج التي تستنزف جيوبهم، وتدخلهم في سباق مع الزمن دون أمل في الشفاء.
وبالنسبة للدكتور مصطفى المشرقي الاختصاصي في أمراض وجراحة الكلى، يرى أن رأي الطبيب في مثل هذه الحالات يبقى استشاريا فقط، ولا يحق له التدخل في توجيه الأهل نحو خيارهم الذي يعد نوعا ما اختيارا غير مباشرا لفكرة القتل الرحيم. «باعتبارنا مسلمين نعلم أن الأعمار بيد الله، لكن بالوقوف على بعض الدراسات والإحصائيات التي تتناول حالات مشابهة للمريض، فإن الطبيب يقدم للعائلة نسبة تماثل الحالة للشفاء، وعليه فإن بعض العائلات تختار إخراج المريض من المستشفى وإعادته نحو البيت بقرار منها، وليس بإيعاز من الطبيب الذي يشرح لهم حالة المريض وتداعياتها» يقول الدكتور المشرقي الذي يرى أن أي طبيب يكون على دراية تامة بنهاية القصة، لأن خروج بعض الأشخاص من العناية المركزة يعني شيئا واحدا…الموت.
قانونيا لا يملك الطبيب الحق في اتخاذ قرار إزهاق روح مريض مهما بدت حالته ميؤوسا منها، من خلال إيقاف عمل الآلة التي تساعده على التنفس، أو من خلال تخفيف كمية الأوكسجين، أو إعطاء المريض أدوية خاصة على مراحل تؤدي إلى توقف عمل القلب كما هو معمول به في الدول التي صادقت على قانون القتل الرحيم، لكن الدكتور الشرقاوي يرى أن الكثير من العائلات المغربية تفضل أن يذهب المريض من أجل الموت في البيت بعد أن يفقدوا الأمل في الشفاء، وهذه هي “الترجمة المغربية” للموضوع الذي لا يود الكثيرون مناقشته علنا.
ترجمة لا يؤيدها الفقيه عبد الرحيم العليوي الذي يرى أن الطبيب « إذا قال إن هذا الشخص لا يعالج، وأن الأدوية لا تعالجه وأمرهم بأن يأخذوه للبيت، وخرجت روحه، هذا لا يعد نوعا من أنواع القتل الرحيم، لأن هناك حالات أجمع الأطباء بأنها غير قابلة للشفاء، لكنها تماثلت للشفاء بعد العودة إلى البيت». يواصل عبد الرحمان العليوي الرد على المبررات التي يرى فيها البعض سندا لاختيار القتل الرحيم، مثل الرغبة في تخفيف العبء المادي على أهل المريض الذي لا يرجى شفاؤه في حال كان التشخيص الطبي يشير إلى ترجيح كفة الوفاة، «عندما نأخذ بالأسباب ونعالج مرضانا ونعجز… فإننا نترك الأمر بيد الله عز وجل. يمكن للمريض أن يعيش سنوات دون أن يحرك أي طرف من أطرافه، لكن لا زال الروح في جزء من جسده، هذا الروح ملك لله، وبالتالي لا يجوز إزهاقه ولا إخراجه تحت أي مسمى».
“يا ربي نموت”
تتمدد الحاجة ذات المائة عام في احدى الغرف المتواجدة ببيت حفيدها. تصدر بين الفينة والأخرى صرخة دون أن يبدي أحد من الحضور ردة فعل لما يجري، «هذه جدتي تشعر بالجوع» يقول يوسف ابن السبع سنوات معلقا على الحدث وهو يخاطب والدته التي تتجاهل الأمر. تتوالى الصرخات المصحوبة بما يشبه العويل، « مسينا عالله هاهي غادي تبدا ثاني، امتى يحن علينا وعليها الله وتموت» تقول والدة يوسف معلقة على صراخ المرأة العجوز، قبل أن تستدرك قائلة « لست بالشخص المجرد من الإنسانية لكن الأمور تطورت بطريقة لا تطاق».
تشرح الزوجة الشابة أنها ليست ملزمة بربط مصيرها بمصير جدة زوجها بعد أن توفي كل أبنائها ولم يعد لها من معيل سوى أحفادها الذين تملصوا من رعايتها. «عندما فتحنا لها باب منزلنا كنا نعتقد أنها ستنتقل بشكل دوري من حفيد إلى حفيد، لكن عندما ساءت حالتها الصحية رفضت زوجات أحفادها استقبالها، وقرر زوجي الاعتناء بها». قرار الزوج أعقبته الكثير من الجهود من قبل الزوجة التي بدأت تعلن تأففها بعد أن تدهورت صحة الجدة. «عندما يشتد ألم رأسها تشرع في البكاء والعويل ليلا مما يحرمنا من النوم، كما أنها دائمة الشعور بالجوع. لا يمكننا توفير العلاج لها فزوجي لا يملك عملا قارا، وفي بعض الأحيان لا يمكننا توفير الأكل مما يعني دخولها في نوبة صراخ تخرجنا عن طوعنا»
خروج عن الطوع تترجمه صراحة عبارة الزوجة « في الحقيقة بنادم الى مشات ليه الصحة اللهم يموت، هي براسها كطلب الله ليل ونهار باش تموت». يعلو الصراخ من جديد. لم تجد الزوجة بدا من وضع “كرات السردين” في طبق بلاستيكي وحمله إلى الجدة. تتسلل رائحة البول إلى أنف الوالج للغرفة بمجرد فتح الباب. لا تكف الجدة عن الصراخ. تتناول الطبق. تشرع في الأكل بمساعدة زوجة حفيدها بسبب عجزها عن الحركة « صافي أنا عيت ما نوكل ونشرب ونبدل، كون كان شي واحد فبلاصتي كون لاحها للزنقة. وكون مكنتش نخاف الله كن درت ليها شي حاجه في الماكلا وهنيتها وهنيت راسي»، تقول الزوجة دون تحرج من الجدة ودون مراعاة لمشاعرها.
«يا ربي نموت، بحالي لاش يبقا عايش» تقول الجدة وهي توجه وجهها إلى الأعلى كمن ينتظر رد السماء. لا تتوقف الجدة عن البكاء وعن التألم من الذل الذي تعيشه. تقاطعها زوجة الحفيد لتستفسرها عن قصدها من كلمة الذل، لتذكرها بأنها تتولى تغيير حفاظاتها، وملابسها، كما توفر لها الأكل والشرب. صمتت الجدة لثوان قبل أن تبدأ في تذكر أبنائها وزوجها وباقي أفراد أسرتها الذين توفوا قبلها، راغبة في الالتحاق بهم.
رغبة قد تعني ترجمة لفكرة الموت الرحيم، لكنها لا تلقى ترحيبا من المحيطين عند الحديث عنها بطريقة مباشرة. عندما وقفت زوجة الحفيد على تفاصيل المسألة وصورها، وعن إمكانية إنهاء حياة شخص ما بواسطة إشراف طبي انتفضت قائلة « لا لا لا واخا بنادم كيقنط من رحمة الله شي مرات ولكن الأعمار بيد الله». لا يختلف رأي الحفيد كثيرا عن رأي الزوجة، ليعلن معارضته الشديدة للفكرة، «رغم انفعالي ورغم إمكانياتي المادية وتأفف زوجتي التي أتفهم جيدا ردود فعلها إلا أنني لا يمكن أبدا أن أكون سببا في إنهاء حياة جدتي بعد أن تحولت لشبه جثة… هادي راها بنادم ماشي عود شرف وغادي نضربوه بقرطاسة حيت ما بقا فيه ما يدار…»
سكينة بنزين
mab9a fahm walo
hadhci bezaf li tar ntibahi bezaf howa ari9a bach kathdar hadik zawjat l7afid o galik l7afid mtfaham wad3 dial zajto hadak hwoa dal daba tahoma yykabro wla kidano rashom ba9in sghar o howa ykhali marto thdar m3a jadato li hiya bmatabat l2om li rabat mo la7alwla wala9owata ila biAllah