أخبارنا المغربية - محمد اسليم
بات العديد من الأشخاص، أو لنقل من المجموعات، يمتهنون النصب والاحتيال على رواد المساجد على الخصوص، مدعين أنهم أعضاء جمعيات لبناء وتسيير مسجد هنا أو هناك، ما يوفر لهم مداخيل كبيرة أحياناً تصل إلى الملايين.
مصدر مطلع من مراكش كشف لـ"أخبارنا المغربية" أن هؤلاء باتوا في الآونة الأخيرة يتصلون بجمعيات بناء مساجد حقيقية بمدن مختلفة، ويدّعون أنهم محسنون ومستعدون لتقديم يد العون لها وبمبالغ مهمة، وفي مقابل ذلك يطالبون مسؤولي الجمعية بنسخة من ملفها القانوني، ومن رخصة البناء، ومن التصميم المعماري للمسجد الذي هو في طور البناء، ليقوموا باستعمال هذه الوثائق للنصب على ذوي النيات الحسنة، مدعين أنهم مسيرو الجمعية والمكلفون بجمع التبرعات.
آخر حلقات هذه العملية، يؤكد مصدر "أخبارنا المغربية"، كان بمراكش، حيث أقدم شخص مسن (62 سنة) على الاتصال بجمعية لبناء وتسيير أحد المساجد بمقاطعة المنارة، مدعياً استعداده لدعمها ومساعدتها على إتمام مشروع المسجد، والذي وصل لمراحل جد متقدمة. المعني، وبعد حصوله على الوثائق التقنية والإدارية لمشروع المسجد، عمد إلى الاختفاء دون أن يثير ذلك أي نبرة شك لدى مسؤولي الجمعية، خصوصاً أن المعني شخص متقدم في السن وتبدو عليه علامات الوقار. ليفاجؤوا بعد أيام قليلة باتصال هاتفي من طرف أحد أصدقاء الجمعية يخبرهم أنه التقى أفراداً من جمعيتهم بعد صلاة العشاء بأحد مساجد منطقة المسيرة، وهم يجمعون التبرعات، وأنه سلمهم مبلغ 600 درهم. رئيس الجمعية نفى أي علاقة لهم بجمعيته أو بمشروع بناء المسجد، إلا أن المتصل أكد له الأمر وأنهم يحملون نسخاً من رخصة البناء والتصميم المعماري. رئيس الجمعية بذل مجهوداً كبيراً لإيجاد أفراد هذه "العصابة" أمام أحد المساجد، وحين واجههم أدلوا له بوثائق أخرى لمسجد ثانٍ بأكادير، ما يعني أن دائرة نشاطهم تشمل العديد من المدن والمناطق.
رئيس الجمعية عمد إلى تقديم شكاية للنيابة العامة بمراكش، تتضمن العديد من الوثائق كصور وفيديوهات ونسخ لبادجات لأفراد العصابة ولرئيسها على الخصوص، واتهمه بالتحايل على جمعيته باسم جمعية بناء وتسيير مسجد آخر بأكادير، وأنه قام بالنصب على مجموعة من التجار باسم مشروع المسجد الذي يشرف على عملية إتمام بنائه بمراكش، كما قام بإنجاز بطاقات زيارة مزورة باسم الجمعية، مضيفاً أنه طلب منه نسخة من تصميم المسجد مع الرخصة، وما زاد الطين بلة أنه قام بعدها بجمع تبرعات باسم هذا المسجد، وبعد محاصرته في تلك الوضعية، هرب إلى وجهة مجهولة وطلب من السيد وكيل الملك ملتمساً منه إعطاء أوامره للمصالح المختصة من أجل اعتقاله لكي لا يقوم بالنصب باسم جمعيته.
وفي سياق متصل، نبه برلماني عن فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب إلى وجود خروقات في جمع تبرعات بناء وإصلاح المساجد. وأكد النائب حسن أومريبط، في سؤال كتابي وجهه لوزير الداخلية نهاية أبريل الماضي، على أن "طريقة جمع التبرعات من قبل أشخاص غير معروفين في المقاهي ومختلف الأماكن العمومية أضفت على هذه العملية طابع العشوائية والفوضى، حيث برز مؤخراً عدد من ممتهني طلب وجمع التبرعات، عبر التجوال في الأسواق والشوارع ومختلف المرافق العمومية حاملين لافتات تضم صوراً وأسماءَ مساجد وهمية، دون معرفة مصير الأموال المُتحصل عليها، وذلك باستغلال تمسك المغاربة بقيم التضامن والتعاون وبالضوابط الإحسانية التي يدعو إليها ديننا الحنيف".
ونبه النائب البرلماني إلى أنه "يتم النصب على المتبرعات والمتبرعين من طرف مجهولين باسم تقديم يد العون في بناء وإصلاح المساجد، وهو الأمر الذي يتناقض مع قانون جمع التبرعات الخيرية واللجوء إلى الإحسان العمومي وجمع وتوزيع المساعدات المالية والعينية". وحذر أومريبط من أن "استمرار هذه الظاهرة يهدد استمرار الأعمال الخيرية وانخراط المغاربة في المساعدة والتعاون على بناء المساجد من جهة، ويساهم في انتشار أعمال النصب والاحتيال والإثراء غير المشروع من جهة أخرى". وطلب من وزير الداخلية في ختام سؤاله الكشف عن الإجراءات التي ستقوم بها الوزارة لمواجهة ظاهرة تسول تبرعات بناء وإصلاح المساجد خارج الضوابط القانونية المعمول بها في هذا الشأن، مطالباً بالكشف عن "الآليات التواصلية المُوظفة في تعريف المواطنين والمواطنات بالطرق القانونية لتقديم تبرعاتهم للجهات المُرخص لها".