بقلم: عبد الحكيم العياط
في عملية جديدة تُبرز الدور الريادي للمغرب في مكافحة الإرهاب، تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج) من إحباط مخطط إرهابي خطير بمنطقة حد السوالم التابعة لإقليم برشيد. العملية، التي وُصفت بأنها ضربة استباقية، أسفرت عن توقيف أربعة عناصر متطرفة كانوا يخططون لتنفيذ هجمات تفجيرية ضد منشآت حيوية ومواقع استراتيجية. ومن بين الموقوفين ثلاثة أشقاء يُعتقد أنهم ينتمون إلى تنظيم إرهابي دولي ويتبنون أفكارًا متطرفة مستوحاة من تنظيم "داعش".
الحادثة الأخيرة تكشف عن مجموعة من الأبعاد الأمنية والسياسية التي تستحق التوقف عندها. أمنيًا، تؤكد هذه العملية على فعالية الاستراتيجية المغربية التي تعتمد على اليقظة المستمرة والرصد الدقيق لتحركات الخلايا الإرهابية. منذ تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية عام 2015، نجح في تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية وإحباط العديد من الهجمات الوشيكة، الأمر الذي عزز من سمعة المغرب كواحة أمن واستقرار في منطقة تعاني من اضطرابات أمنية.
وفقًا لإحصائيات رسمية، تمكن المغرب بين 2002 و2022 من تفكيك ما يزيد عن 210 خلايا إرهابية، واعتقال أكثر من 4000 شخص بتهم مرتبطة بالإرهاب، وذلك في إطار نهج استباقي يعتمد على استخدام تكنولوجيا متقدمة ومعلومات استخباراتية دقيقة. هذا النهج مكّن السلطات من التصدي لخطر الإرهاب قبل وقوعه، مما ساهم في تقليل الخسائر البشرية والمادية بشكل كبير.
على الصعيد السياسي، يعكس إحباط هذه المحاولة الإرهابية التزام المغرب بالمحافظة على استقراره الداخلي وتعزيز مكانته كشريك دولي يعتمد عليه في محاربة الإرهاب. التعاون الوثيق مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية يعكس مستوى الثقة التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية المغربية، وهو ما دفع العديد من الدول إلى الاستفادة من خبرتها في هذا المجال.
ولكن على الرغم من النجاحات الأمنية المتتالية، لا يمكن تجاهل أن خطر الإرهاب لا يزال قائمًا، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي قد تسهم في توفير بيئة خصبة للتطرف. تشير تقارير دولية إلى أن الجماعات الإرهابية تستهدف بشكل أساسي الشباب الذين يعانون من البطالة أو التهميش، مستغلة شعورهم بالإحباط وعدم الرضا لتجنيدهم في صفوفها.
من هنا، يتضح أن التصدي للإرهاب يتطلب مقاربة شاملة لا تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل تشمل أيضًا تعزيز برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتوفير فرص العمل للشباب، بالإضافة إلى تطوير برامج تعليمية تُرسخ قيم التسامح والاعتدال. المغرب، من جهته، أطلق مجموعة من المبادرات مثل "إعادة تأهيل الحقل الديني"، التي تهدف إلى محاربة الفكر المتطرف من خلال تكوين أئمة وخطباء وفق منهجية تقوم على الوسطية والاعتدال.
فعلى الرغم من النجاحات التي حققتها المملكة في هذا المجال، إلا أن التحديات المستقبلية تظل كبيرة. الجماعات الإرهابية أصبحت أكثر تعقيدًا من حيث التخطيط والتنظيم، مع استخدامها المتزايد للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها المتطرفة وتجنيد الأتباع. كما أن وجود بؤر توتر في المنطقة، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، يزيد من الضغط على الأجهزة الأمنية المغربية، نظرًا لأن هذه المناطق تُعد ملاذًا آمنًا للجماعات المسلحة والإرهابية.
تُشير تقديرات دولية إلى أن منطقة الساحل تضم ما لا يقل عن 20 تنظيمًا إرهابيًا، بينها جماعات مرتبطة بتنظيمي "داعش" و"القاعدة"، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للدول المجاورة، بما في ذلك المغرب. مواجهة هذا الخطر تتطلب تعزيز التعاون الإقليمي بين دول شمال إفريقيا والساحل، فضلًا عن دعم الجهود الأممية في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
إن النجاحات الأمنية للمغرب في محاربة الإرهاب نالت إشادة واسعة من المجتمع الدولي. فقد وصف تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية المغرب بأنه "شريك محوري في مكافحة الإرهاب"، مشيرًا إلى نجاحه في تفكيك خلايا إرهابية كانت تستهدف دولًا أوروبية وأفريقية. كما أشار التقرير إلى أن المغرب يُعتبر نموذجًا يُحتذى به في تبني استراتيجية شاملة تجمع بين الأمن والتنمية والتوعية الفكرية.
وفي الأخير فإن إحباط المخطط الإرهابي الأخير في حد السوالم يسلط الضوء على الجهود الجبارة التي تبذلها الأجهزة الأمنية المغربية للحفاظ على أمن واستقرار البلاد. ومع ذلك، فإن التصدي للإرهاب يتطلب استمرارية العمل الأمني، مع تعزيز الاستثمار في الإنسان والمجتمع، لتجفيف منابع التطرف والقضاء على الظروف التي قد تؤدي إلى انتشاره. المغرب اليوم يقدم نموذجًا فريدًا في محاربة الإرهاب، إلا أن الحفاظ على هذا النجاح يستدعي تكاتف الجهود الوطنية والدولية لمواجهة هذا التحدي العالمي المشترك.