دويتشه فيله
تلجأ الدول التي تمتلك التقنيات النووية إلى اختبار قدرات قنابلها النووية من خلال تفجيرات تحت سطح الأرض. أول اختبار نووي تحت الأرض كان في عام 1957 في صحراء نيفادا في الولايات المتحدة الأميركية لقنبلة صغيرة الحجم والقدرة أطلق عليها "راينير" كانت بقوة 1.7 كيلوطن. وكانت الاختبارات النووية تجرى فوق سطح الأرض، مثلما هو الحال مع أول تجربة قامت بها الولايات المتحدة فوق سطح الأرض قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، ضمن ما عرف حينها بـ"مشروع مانهاتن"، وتحت تسمية "ترينيتي". أجريت التجربة في ولاية نيومكسيكو في صحراء "جورنادا ديل مويرتو"، وبعد أسابيع فقط من نجاح التجربة ألقت الولايات المتحدة الأميركية أول قنبلة نووية على اليابان على مدينة هيروشيما.
وبعد انتشار السلاح النووي، اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة عام 1963 على حظر التجارب النووية فوق سطح الأرض وفي البحار والمحيطات، وبالذات في الفضاء والهواء، خشية التلوث، وسُمح بإجراء التجارب النووية تحت سطح الأرض فقط، حتى اليوم. لكن وزير الخارجية الكوري الشمالي أعلن يوم أمس الجمعة أن بيونغ يانغ قد تدرس إمكانية تنفيذ تجربة جديدة لقنبلة هيدروجينية في مياه المحيط الهادئ، ما دعا القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، سوزن تورنتن، إلى الرد بالقول "إن إجراء كوريا الشمالية مثل هذا التفجير سيكون عملاً عدوانياً غير مسبوق بحق المجتمع الدولي كله، وستتطلب هذه الخطوة رداً دولياً حاسماً"، وأن هذا سيغير قواعد اللعبة مع كوريا الشمالية تماماً.
زلزال أم اختبار نووي؟
أثارت التجارب النووية التي قامت بها كوريا الشمالية قبل أسابيع قرب الحدود مع الصين حفيظة العالم ومخاوفه من قدرات هذا البلد على إنتاج القنابل النووية ومدى إمكانية هذه القنابل التدميرية. وفي آخر تجربة نتجت عنها هزة أرضية بمقدار 6.3 على مقياس ريختر، ادعت بوينغ يانغ أنها نتجت عن تجربة قنبلة هيدروجينية. لكن خبير زلازل أمريكي قال إن الهزة رصدت على عمق 10 كيلومترات. واليوم السبت (23 سبتمبر/ أيلول 2017) قالت وكالة (سي تي بي تي أوه) لمراقبة التجارب النووية ومسؤول كوري جنوبي إن الزلزال الذي وقع قرب موقع التجارب النووية في كوريا الشمالية السبت طبيعي على الأرجح، مما بدد المخاوف من أن تكون بيونغ يانغ قد فجرت قنبلة نووية أخرى بعد أسابيع من آخر تجاربها النووية.
يميز الخبراء عادة بين الزلزال والاختبار النووي من خلال دراسة مركز الهزة وعمقها تحت سطح الأرض، كما يتضح الفرق في سبب الهزة الأرضية الناتجة عن الاختبار النووي، الذي ينتج عنها موجات صوتية نتيجة الانفجار الكبير تحت الأرض. ويقول مسؤول كوري جنوبي طلب عدم نشر اسمه إن "الطريقة الأساسية هي البحث في الموجات الاهتزازية أو الموجات الصوتية، والأخيرة يمكن رصدها في حال وقوع زلزال صناعي". وتابع يقول: "في هذه الواقعة لم نرصد شيئاً ولذلك وحتى الآن نصنفه بأنه زلزال طبيعي". ويلعب عمق مركز الهزة – سواء نتيجة زلزال أو انفجار - دوراً كبيراً في تحديد سبب الهزة الأرضية، والتي تنتقل على شكل موجات في باطن الأرض. كان مركز الهزة الأرضية في كوريا الشمالية على عمق خمسة كيلومترات، حسبما نقلت وكالة (سي تي بي تي أوه) لمراقبة التجارب النووية.
كيف يمكن التمييز؟
لغرض التمييز بين الانفجارات تحت الأرض أو الهزات الأرضية، طور العلماء منذ عام 1963 أجهزة أكثر حساسية لقياس الموجات وبدأوا في تركيب مصفوفات زلزالية، حيث يتم نشر عدة مقاييس للزلازل على بعد بضعة كيلومترات من بعضها البعض. و يمكن للمصفوفة الزلزالية انتقاء الاهتزازات الصغيرة من مصدر معين مقارنة بمقياس زلازل واحد، حسبما نقل موقع "ذا كونفرزيشن".
وفتحت معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام 1996 الباب لحظر جميع التفجيرات النووية. ولمراقبة التجارب النووية، أنشأت منظمة الطاقة النووية، التي تتخذ من فيينا مقراً لها، نظام رصد دولي يضم أكثر من 50 محطة رصد زلزالي للكشف عن التجارب النووية في أي مكان على الأرض.
ولا يستعمل هذا النظام أجهزة قياس الزلازل فقط، بل يراقب عن طريق أجهزة الموجات فوق الصوتية لموجات منخفضة التردد جداً في الغلاف الجوي، يمكن أن تنتج عن الانفجارات النووية المحتملة. كما تقوم أجهزة الكشف عن النويدات المشعة بالتقاط الغازات المشعة الصادرة من موقع التجارب النووية.
أي نوع من الزلازل أو الانفجارات، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، تنتج أنواعاً مختلفة من موجات الصدمة (shockwaves) تسافر عبر الأرض ويمكن الكشف عنها بواسطة أجهزة قياس الزلازل، التي يمكن أن تقيس أي تغير بسيط في حركة القشرة الأرضية. ومن المعلوم لدى العلماء - حسبما ينقل موقع "ذا كونفرزيشن" - أن أسرع الموجات هي الموجات الأولية (موجات P)، تليها موجات ثانوية (موجات S)، والتي تسافر عميقاً عبر الأرض. ثم تأتي الموجات السطحية البطيئة، التي تظهر على شكل هزات على سطح الأرض، لأنها تنتقل فقط على مقربة من السطح.
وكما ذكرنا، فإن العمق الزلزالي يلعب دوراً في الكشف عن سبب مصدر القوة الناتجة تحت سطح الأرض. إذ رغم توفر تكنولوجيا الحفر الحديثة، إلا أنه يمكن وضع قنبلة نووية على عمق بضعة كيلومترات تحت الأرض فقط، وإذا ما حدث زلزال على عمق أكثر من 10 كيلومترات، فيمكن التأكد من أن السبب ليس تجربة نووية.
ونقلت مواقع علمية أن دراسات التجارب النووية العديدة التي أجريت خلال الحرب الباردة أظهرت أن الانفجارات تولد موجات P أكثر من موجات S عند مقارنتها بالزلزال. وتولد الانفجارات أيضاً موجات سطحية أصغر نسبياً من موجات P. وبالتالي يمكن لعلماء الزلازل معرفة طبيعة المصدر من خلال دراسة الموجات الصادرة، ويمكنهم بعدها تقرير إن كان الموجات المنتقلة نتيجة اختبار نووي أو زلزال طبيعي ينتج من حركة الطبقات التكتونية للأرض.
يذكر أن الانفجار النووي تحت سطح الأرض يؤدي إلى تبخر الصخور الجوفية المحيطة وخلق غرفة تحت الأرض مليئة بالغازات المشعة، ويؤدي غالباً إلى حدوث حفرة فوق سطح الأرض نتيجة تبخر الصخور المحيطة بموقع الانفجار.