نسوان
يقول الله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195.
تدل الآية على النهي عن قتل النفس وإيذائها وإلقائها إلى التهلكة بأي طريقة من طرق التهلكة ، عملا بعموم لفظ الآية، وقال تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا"، قال ابن عاشور في تفسيره: "قوله: ولا تقتلوا أنفسكم نهي عن أن يقتل الرجل غيره، فالضميران فيه على التوزيع، إذ قد علم أن أحدا لا يقتل نفسه فينهى عن ذلك، وقتل الرجل نفسه داخل في النهي، لأن الله لم يبح للإنسان إتلاف نفسه ....." وفي مسند أبي داود: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه تيمم في يوم شديد البرد ولم يغتسل، وذلك في غزوة ذات السلاسل وصلى بالناس، وبلغ ذلك رسول الله، فسأله وقال: يا رسول الله إن الله يقول ولا تقتلوا أنفسكم، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، و عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار)، رواه ابن ماجه والدارقطني، قال العلماء: وأقرب تصوّر لمعنى الكلمتين: أن نفي الضرر إنما قُصد به عدم وجود الضرر فيما شرعه الله لعباده من الأحكام، وأما نفي الضرار: فأُريد به نهي المؤمنين عن إحداث الضرر أو فعله، فإن كل ما ورد في الكتاب والسنة من أوامر، فالأصل أنها مقدورة، داخلة ضمن حدود الطاقة، وإذا عرض للإنسان أحوال تمنعه من إتمام الامتثال بالأمر الشرعي، كأن يلمّ به مرض أو عجز أو نحوهما، فهنا يأتي التخفيف من الله تعالى، كما في رخصة الإفطار في نهار رمضان، ورخصة الجمع والقصر في الصلاة، وغير ذلك كثير.
ومن هنا، فإن نفي الضرر يؤكد أن الدين الإسلامي يرسّخ معاني الرحمة والتيسير، وعدم تكليف الإنسان ما لا يطيق، فلا يمكن أن تجد في أحكامه أمراً بما فيه مضرّة، أو نهياً عن شيء يحقق المصلحة الراجحة..." بناء عليه يجوز للحامل والمرضع الإفطار في رمضان لكي لا تتعرض الحامل/الأم أو الجنين/الرضيع، للهلاك أو الضرر، وفقاً للتفصيل التالي:
"إذا أفطرت الحامل والمرضع خوفاً من حصول ضرر بالصيام على نفسيهما (سواء خافت مع ذلك على الولد أم لا) وجب عليهما القضاء فقط قبل حلول شهر رمضان آخر، وإن أفطرتا خوفاً على طفلهما أو جنينهما، وجب عليهما في هذه الحالة مع القضاء فدية (إطعام مسكين عن كل يوم)".
فلا يجوزُ للحامل والمرضع الفطر إلا إذا خافتا ضرراً على نفسيهما أو على ولديهما، فإذا تحقق خوف الضرر إما بالتجربة وإما بإخبار طبيبٍة مسلمة ثقة جاز الفطر، فمذهب الأئمة الأربعة وجوب القضاء عليهما (الحامل والمرضع إذا أفطرتا بالشروط السابقة)؛ لقوله تعالى: "أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" {البقرة: 184}، قالوا: وهما (الحامل والمرضع) بالمريض الذي يُرجى برؤه أشبه فوجب عليهما القضاء، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.