أخبارنا المغربية حسن مبارك اسبايس دخلت الانتخابات الرئاسية الفرنسية مراحلها الأخيرة بتأهل كل من الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي ومرشح الحزب الاشتراكي فرنسوا هولاند إلى الدور الثاني والأخير للرئاسيات يوم السادس من مايو 2012؛ وهي نتيجة لم تكن مفاجئة بالنسبة للعديد من المتتبعين وإن كانت تسجل لأول مرة في تاريخ انتخابات الرئاسة الفرنسية تراجع الرئيس المنتهية ولايته إلى الصف الثاني أمام منافسه المباشر. ما ميز الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ليس هو تراجع الرئيس ساركوزي على اعتبار أنه كانت هناك مؤشرات قوية على عدم رضا الشارع العام الفرنسي عن أدائه، ولكن المثير للجدل والخوف أيضا، خاصة بالنسبة للفرنسيين من أصول مغاربية وأفريقية وحتى من عرقيات أخرى، هو التقدم الكبير الذي أحرزه الحزب اليميني المتطرف الجبهة الوطنية الذي تتزعمه مارين لوبن ابنة الزعيم المؤسس المتطرف جان ماري لوبن، حيث حصدت حوالي 19 % من الأصوات، وهو ما اعتبرته صحيفة ليبيراسيون اليسارية نتيجة تعكر الفرحة، تحت عنوان" هولاند في الصدارة ولوبن تعكر الفرحة" فيما اعتبرت صحيفة لوفيغارو اليمينية أن فوز لوبن بتلك النسبة من الأصوات يعيد انطلاقة الدورة الثانية من الانتخابات من جديد، فيما أثنى جان ماري لوبن والد مارين ومؤسس الحزب على النتيجة المحصلة بالقول:" لقد قامت بحملة جيدة جدا" أما الصحف الإيطالية فوصفت النتيجة التي حققتها لوين بكونها" إعصار لوبن" أما صحيفة دير شبيجل فقد وصفت تصويت الفرنسيين لحزب لوبن بأنه " تصويت الغضب". على الصعيد العالمي، اختلفت ردود الأفعال المشوبة بالحذر وكثير من التحفظ في رد فعل أولي وبصفة خاصة في دول الاتحاد الأوروبي التي تعد فرنسا أحد اهم مكونات الاتحاد ولها ثقلها، حيث تحفظت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في القيام بأي تعليق على تراجع حليفها الأوروبي نيكولا ساركوزي وأيضا لم تصدر أي تعليق قد يقلق منافسه الاشتراكي هولاند على اعتبار أنه سوف يكون مخاطبها في حال فوزه بالرئاسة. أما في إيطاليا فقد وصف المتتبعون تقدم اليمين المتطرف بنتيجة غير مسبوقة بكونه "إعصار لوبن" فيما اعتبر البعض منهم أنه بإمكان أوروبا أن تتغير في ضوء التغيير الذي قد تفرزه الانتخابات الفرنسية، وأن نتيجة اليمين المتطرف صداع آخر في رأس زعيم الإليزيه القادم إلى جانب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. في باقي الدول الأوروبية المجاورة، اتفقت الصحف البريطانية والمتتبعون البريطانيون للرئاسيات الفرنسية على مخاوف من تداعياتها على باقي دول الاتحاد الأوروبي وتأثيرها في حل الأزمة الاقتصادية التي تجتاح دول الاتحاد، كما اعتبر المتتبعون البريطانيون أن خروج ساركوزي من الإليزيه هو نهاية عهد" ميركوزي" في إشارة إلى التحالف الأوروبي بين ماركل وساركوزي وبداية عهد "ماركوند" أو" فرانجيلا" في إشارة إلى احتمال تحالف جديد بين هولاند وماركل. أما في بلجيكا وهولندا فقد أجمع المراقبون والإعلام على أن تراجع ساركوزي في الانتخابات كان نتيجة الأزمة وأن الاختيار الحقيقي لرئيس الجمهورية القادم ستحدده انتخابات الدور الثاني. وفي الولايات المتحدة، أحد أهم الحلفاء الفرنسيين، ذهبت معظم الآراء إلى تغيير محتمل في الإليزيه يعود من خلال اليسار الاشتراكي إلى الحكم من خلال تقدم ملموس لفرانسوا هولاند يضعه في وضع مريح لكسب التحدي في الجولة الثانية ووضع حد لما يقارب 17 سنة من حكم الوسط اليميني، فيما اعتبرت وول ستريت جورنال المحسوبة على المحافظين أن ساركوزي يصارع من أجل حياته السياسية وأن انتخابات الأحد لها انعكاسات واسعة على باقي أوروبا وأزمتها الاقتصادية وخطة التقشف المشتركة مع ألمانيا. وفي الصين، جاء الموقف الرسمي عن طريق وكالة أنباء الصين الجديدة التي اعتبرت أن النتائج المحصلة في الدور الأول وضحت بشكل كبير الفارق بين اليمين واليسار، كما أبرزت ما اعتبرته الحصيلة التاريخية التي أحرزتها الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بقيادة لوبن، ويرى المحللون السياسيون للوكالة الصينية أن وصول الأفكار المتطرفة لليمين واليسار معا إلى إقناع الناخبين فإنه لن يكون أمام أصحاب هذه الأفكار المتطرفة أي عائق للتحول إلى تيار رئيسي في المجتمع الفرنسي. ومضت الوكالة في تحليلها مبرزة أنه مما لا شك فيه أن ساكن الإليزيه القادم سوف يواجه تحديات وإرث ثقيل قوامه وضعية مالية هشة تحتاج إلى جهد واضح للتخفيف من حدتها، ولن يكون أمامه سوى هاجس واحد وهو التخفيف من عجز الموازنة والدين العام وإنعاش النمو. عربيا، تبقى دول المغرب العربي أكثر الدول العربية اهتماما بالشأن الانتخابي الفرنسي لاعتبارات جيو سياسية وأيضا سوسيولوجية( اجتماعية) على اعتبار أن نحو 10 مليون فرنسي من أصل مغاربي وبالتالي فإن التطورات السياسية في باريس تأتي في مقدمة الاهتمامات بالنسبة لدول المغرب العربي. وقد غطى تقدم اليمين المتطرف الممثل بالجبهة الوطنية وزعيمته مارين لوبن ومواقفه المعادية للفرنسيين من أصول مغاربية وأفريقية، على باقي النتائج الأخرى على اعتبار أن تنامي عدد أنصار الحزب يعني مزيد من الكراهية والخوف من المستقبل لأبناء الجاليات العربية المغاربية في فرنسا. وقد طرحت عدة تحاليل سياسية عربية موضوع العلاقة بين فرنسا والعالم العربي خصوصا في ظل ما بات يعرف بالربيع العربي ومواقف نظام ساركوزي المؤيد للتغيير وما الذي سيكون عليه الموقف في حال ذهاب ساركوزي وقدوم هولاند الاشتراكي إلى هرم السلطة في فرنسا، وأي دور سيكون لحاكم الإليزيه الجديد في دعم الإصلاحات التي تمر بها الدول التي شهدت ثورات كتونس وليبيا واليمن ومصر وكذلك الوضع السوري الذي تعد فرنسا معنية به أكثر من باقي الدول الأوروبية، وكذلك الموقف من القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي في ظل التطوارت الأخيرة، علما أن مواقف فرنسا ساركوزي كانت إلى حد ما مقبولة ومتزنة بالنسبة لكثير من الدول العربية.