بقلم: عادل بن حمزة
في الدول التي تعاني من نقص المناعة الديمقراطية، تنقلب الجيوش أو بنيات الدولة العميقة وتجمعات المصالح على الرئيس المنتخب، أما في تركيا أردوغان، فإن الانقلاب قد يتم حتى على الرئيس الذي لم يتم إنتخابه بعد، في هذا الإطار يمكن فهم عملية اعتقال أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إستنبول والرجل الذي تشير جميع استطلاعات الرأي أنه أكثر شخصية سياسية تملك حظوظ الفوز بالانتخابات الرئاسية المفترض تنظيمها سنة 2028،
أوغلو ووجه طموحه السياسي بضربة استباقية شملت ثلاث مسارات وذلك أياما قليلة قبل ترشيحه الرسمي من طرف حزبه "حزب الشعب الجمهوري"، المسار الأول هو اتهام بالفساد والتلاعب في صفقات، المسار الثاني يتمثل في دعم الإرهاب من خلال تهم تتعلق بدعم حزب العمال الكردستاني المصنف تركيا وأوربيا كمنظمة إرهابية، وأخيرا مسار نزع الشهادة الجامعية التي تحصل عليها منذ ثلاثة عقود والتي تعتبر شرطا رئيسيا في الترشح للرئاسة، إذ فجأة تم اكتشاف أنه تحصل عليها بطرق ملتوية.
هذه التهم، لا تعني فقط مصادرة حق أوغلو في الترشح، بل إنها في تصور بنية الحكم التي يقودها أردوغان، تمثل وضع نقطة نهائية لخصم سياسي عنيد وبالتالي تكتمل فصول الانقلاب القبلي.
شكل أردوغان، منذ وصوله إلى السلطة، ظاهرة خاصة في تاريخ تركيا الحديثة، ونموذجا لتيار الإسلام السياسي في المنطقة، إذ نجح في عبور حقول ألغام كثيرة في بنية النظام السياسي بثقله الأتاتوركي العلماني الصارم، هذا ليس سوى جانب من الصورة في تركيا، فالبلاد وفق عدد كبير من المراقبين، تسير بخطى ثابتة نحو نظام سلطوي مغلق، ذلك على الأقل، منذ التعديلات الدستورية التي حسمها حزب العدالة والتنمية في فترة سابقة اعتمادا على أغلبيته البرلمانية، دون تقديم أي مبرر جدي ومنطقي لتحويل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، غير تمكين السيد أردوغان من السلطة الفعلية، مادام وضعه ساعتها لم يكن يسمح له سوى بأدوار رمزية وأخرى برتوكولية كرئيس للدولة.
دولة بحجم تركيا تحول نظامها السياسي بالكامل، إرضاءا فقط لزعيمها الوحيد والأوحد سلطان الزمان السيد أردوغان وذلك بما يمكنه من الإستمرار في السلطة إلى حدود عام 2029، ولا أحد يضمن ما يمكن أن يكون عليه الأمر بعد ذلك، فقبل سنوات ظهر أن أردوغان يعيش تضخما كبيرا في "الأنا"، وبدأ يتحرر كثيرا من المحاذير التي طوق بها نفسه بخصوص خلفيته الإيديولوجية، ظهر ذلك جليا في كثير من القوانين التي تؤطر المجال العام، كما أن تراكم النجاحات الانتخابية، أنسى أردوغان بأن الديمقراطية ليست فقط حكم الأكثرية، بل هي أساسا الضمانات التي تتوفر للأقلية، نفس الشيئ يمكن أن يقال على مستوى حرية التعبير وخاصة حرية الصحافة، إذ بدأت تركيا تنحدر فعليا في إتجاه السلطوية والاستبداد، وشكل "قرار" أردوغان تغيير طبيعة النظام السياسي في البلاد، من برلماني إلى رئاسي بعد إستنفاده عدد الولايات المسموحة له بها في رئاسة الحكومة، وتمكينه في المقابل من ولايتين جديدتين كرئيس للدولة بإختصاصات كاملة، دليلا على أن الرجل بسط نفوذه الكلي والمطلق على حزب العدالة والتنمية،أولا، وعلى مفاصيل كثيرة في هياكل الدولة، بل إنه يتجه إلى التعجيل بالانتخابات الرئاسية وبدون منافسين جديين.
أمضى أردوغان سنوات في الدعاية لتركيا جديدة يقودها كقوة جهوية وإقليمية كبرى بصرامة شديدة، ويسير بها في إطار إختيار سياسي وإيديولوجي صاعد يدعوه بعض الباحثين ب "النظامية" التي تقوم بوصفها حلا بديلا عن ديمقراطية شاخت بما فيه الكفاية ولم تعد تغري بصورتها الليبرالية الغربية كثيرا من شعوب العالم، كما أن "النظامية" التي تعطي الأولوية للإستقرار وللتنمية الاقتصادية ول"العدالة" وتعيد الاعتبار للقناعات والاختيارات الدينية وتعزز الهوية والشعور الوطني والقومي وتعمل على الحد من حرية التعبير، أصبحت نموذجا يغري كثيرا من الأنظمة والقادة حتى في الدول الغربية.
أردوغان الذي بدأ إسلاميا يتحول اليوم إلى مزيج يجمع الإسلام السياسي والقومية التركية ويقدم كل المبررات من أجل قتل خصومه السياسيين، في استعادة للمزج الذي تم في إيران بين الثورة الإسلامية والقومية الفارسية، لذلك تجده لا يفلت النزاعات والمواجهات التي تثير المشاعر الدينية والقومية. لكن أساسا لا يفلت أي فرصة لشيطنة خصومه السياسيين أو الزج بهم في السجن.، كل ذلك لإرضاء جنونه بالحكم.