أخبارنا المغربية ــ دويتشه فيله
مثلت الأيام القليلة الماضية أهمية كبيرة لمستقبل ألمانيا مع تصويت غرفتي البرلمان على تعديل دستوري من شأنه أن يُخفف من عبء ديون البلاد و إصلاح نظام "كبح الديون" مما يُمهد الطريق أمام تمرير حزمة إنفاق ضخمة للتسلح والبنية التحتية وحماية المناخ.
وقد حظي التشريع بموافقة الائتلاف الحكومي المقبل المؤلف من حزبي الاتحاد المسيحي، أي الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه الحزب المسيحي الاجتماعي (البافاري)، بالإضافة إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وحظي التشريع أيضا بموافقة حزب الخضر.
وقد وافق مجلس الولايات "البوندسرات" على التشريع في جلسة عُقدت الجمعة (21 مارس/آذار)، بعد موافقة البرلمان الألماني "البوندستاغ"عليه يوم الثلاثاء 18 مارس.
ما هو "البوندسرات"؟
مجلس الولايات أو "البوندسرات" يمثل حكومات الولايات الست عشرة في ألمانيا ، فكل ولاية من تلك الولايات ترسل إلى البوندسرات عددًا صغيرًا من الممثلين لها. وهؤلاء الممثلون هم في العادة رؤساء وزراء الولايات إلى جانب الأعضاء البارزين في مجلس وزراء الولاية المعنية.
يقع مقر البوندسرات في العاصمة برلين ويمتلك الحق في قبول أو رفض مشاريع القوانين التي تؤثر على الولايات، مثل تشريع "كبح الديون" الذي سيسمح للولايات بتخفيف قيود ديونها.
يبلغ عدد مقاعد البوندسرات 69 مقعدا، ويتم توزيع تلك المقاعد بما يتناسب مع عدد سكان كل ولاية. لكن ذلك ليس دقيقا في كل الأحوال. فعلى سبيل المثال، ولاية شمال الراين-ويستفاليا، التي تعد الأكثر اكتظاظا بالسكان في ألمانيا بنحو 18 مليون نسمة، تمتلك ستة مقاعد فقط في البوندسرات. وفي المقابل، تمتلك ولاية ساكسونيا السفلى، التي يبلغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة فقط، ستة مقاعد أيضا داخل البوندسرات.
وعلى نفس المنوال، فإن ولايتا بريمن وسارلاند، يبلغ سكان كل واحدة منهما أقل من مليون نسمة، ولكل واحدة منهما ثلاثة مقاعد في البوندسرات، فيما تمتلك ولاية هامبورغ، التي يبلغ عدد سكانها 1.9 مليون نسمة، ثلاثة مقاعد أيضا، رغم أن عدد سكانها ضعف عدد سكان بريمن أو سارلاند تقريبا.
قاعدة توزيع المقاعد؟
تُقسّم المقاعد المخصصة لكل ولاية داخل البوندسرات وفق قوتها النسبية في الحكومة الائتلافية داخل كل ولاية.
ولتوضيح ذلك يمكن أن تكون ولاية بافاريا المثال الأوقع. فيشغل الحزب المسيحي الاجتماعي، أربعة مقاعد من الست المخصصة لبافاريا، فيما يمتلك شريكه في الائتلاف الحاكم بالولاية حزب "الناخبين الأحرار" المعقدين الآخرين المخصصين لبافاريا في البوندسرات.
ورغم ذلك، يجب على مندوبي كل ولاية التصويت بشكل موحد (رفضا أو قبولا) بغض النظر عن الانتماء الحزبي لهم، وهو ما يمثل نقطة خلافية. فعلى سبيل المثال، إذا صوت ممثلا حزب "الناخبين الأحرار" البافاري بشكل مختلف عن زملائهما الأربعة في الحزب المسيحي الاجتماعي، فإن الأصوات الستة كلها ستكون باطلة.
الاعترضات مقبولة في العرف الألماني
وفيما يتعلق بتشريع كبح الديون، فالتشريع كان في حاجة إلى 46 صوتا داخل البوندسرات من أصل 69 صوتا لإقراره. وأيد التعديلات الدستورية في البوندسرات اليوم الجمعة 53 صوتا. ولم تمتنع عن التصويت سوى ولايات براندنبورغ وساكسونيا-أنهالت وتورينغن وراينلاند-بفالتس، بينما صوتت جميع الولايات الأخرى لصالح التعديل.
ويعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة رفض في مجلس الولايات "البوندسرات".
تمتلك حكومات الولايات التي يحكمها الحزب المسيحي والحزب الاشتراكي والخضر 41 صوتا فقط ما يعني أن أصوات ولاية بافاريا حاسمة. ونظريا فإن حزب "الناخبين الأحرار" كان يمتلك القدرة على عرقلة التشريع رغم كونه حزبا صغيرا على المستوى الحزبي على صعيد ألمانيا.
وقبل التصويت، تعرض تشريع كبح الديون لاعتراضات من بعض الأحزاب. ففي ولاية بافاريا، قال هوبرت أيفانغر زعيم حزب "الناخبين الأحرار" والذي يتولى منصب وزير الاقتصاد في حكومة بافاريا، إن التشريع "يمثل خطرا على استقرار البلاد".
بيد أن الحزب أكد على موافقته على التشريع في نهاية المطاف نظرا لما يمثله اعتراضه من خطر على مستقبل مشاركته في الحكومة البافارية الحالية.
وفي ولاية بريمن، طالبت وزيرة اقتصاد حكومة الولاية كريستينا فوغت التي تنتمي إلى حزب اليسار، بتخصيص المزيد من خطط البُني التحتية لحكومات الولايات وليس للحكومة الاتحادية.
وقد هددت هي الأخرى بالتصويت ضد التشريع مما يعني – نظريا - أن أصوات ولاية بريمن في البوندسرات كانت ستكون باطلة في حال رفض التصويت من قبل حزب اليسار الذي يعد منخرطا في الائتلاف الحاكم في الولاية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر.
ماذا يحدث إذا صوت البوندسرات بـ "لا"؟
يشير العرف السياسي في ألمانيا إلى أنه من غير المألوف أن تختلف أراء غرفتي البرلمان: البوندستاغ والبوندسرات.
ورغم ذلك، يقول كريستوف غوسي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة بيليفيلد، إنه في أوقات الأزمات، غالبا ما يختلف رأي البوندسرات.
وأضاف أنه حتى في حالة الاعتراض من قبل البوندسرات، فإن هذا لا يرتقي لأن يكون أزمة دستورية، بل يعد وضعا طبيعيا لأنه يُلزم عودة مشاريع القوانين إلى البوندستاغ، لإعادة التفاوض عليها.
بيد أنه من غير المعتاد أن تُقدم الولايات على إبطال أصواتها داخل البوندسرات عن طريق تشتيتها.
وفي ذلك، قال غوسي إنه لم يحدث ذلك إلا مرتين في تاريخ ألمانيا، عازيا ذلك إلى سوء الفهم. وأضاف كان آخرها عام 2002 عندما بدى الانقسام على أصوات حكومة ولاية براندنبورغ الائتلافية التي كانت مؤلفة آنذاك من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي حول مشروع قانون الهجرة في حينه.
وقد أثار ذلك ضجة داخل البوندسرات، بينما قضت المحكمة الدستورية في نهاية المطاف ببطلان أصوات ولاية براندنبورغ.