أخبارنا المغربية
للخطاب الثاني على التوالي، يعترف حسن نصرالله، أمين عام حزب الله اللبناني، بالتدخل ميدانيًا في سوريا. حتى أنه أوغل في التعبير قائلًا إنه وحزبه، أي وعديد حزبه وعدته، سيكونون حيث يجب أن يكونوا.
وهنا السؤال. أين يجب أن يكون نصر الله وحزب الله، وهما تعهدا الدفاع عن "نفس" الأمة العربية والاسلامية من جور الإسرائيلي وعدوانه، منذ ما قبل العام 2000، إلى ما بعد العام 2006؟
وهذا السؤال هو رديف ما سألته "إيلاف" لقرائها، حين طرحت عليهم استفتاءها الاسبوعي، مستطلعة رأيهم في نظرتهم إلى حزب الله، بعد انخراطه عسكريًا في الأزمة السورية، أن كانوا يرون فيه، بعدُ، درعًا للمقاومة العربية، أو ذراعًا عسكريًا للحرس الثوري الإيراني في سوريا، وتاليًا لبنان.
وما زال 49 بالمئة ممن شارك في الاستفتاء، أي 4074 مصوتًا من أصل 8340، مقتنعًا بأن حزب الله هو ترس المقاومين العرب وسيفهم، بينما 51 بالمئة، أي 4266 مصوتًا، يقولون إنه حزب إيراني في المنطقة العربية، وذراع الحرس الثوري الإيراني فيها.
الشفيع في الأمس واليوم
الافتراق بين الفئتين نافلٌ بالمعنى الاحصائي، كما بالمعنى السياسي. ولم يسقط مفهوم المقاومة والممانعة بغالبية كبيرة بين المستفتين، أي ما زال العرب، بين قراء "إيلاف" على الأقل، يرون في نصرالله طلل العام 2006 فـ"قفا نبكي" أمامه، "بالاضافة إلى خوف تسلل إلى قلوب الناس وعقولها مما يفعله المتشددون الاسلاميون في سوريا، من قتل وشق صدور، ومن رمي بالتكفير، ذهب ضحيتها أخيرًا صبي في الخامسة عشرة من عمره"، كما يقول سامي البارودي، الباحث الأكاديمي في العلوم السياسية.
حين بدأت الثورة ضد النظام السوري، ما كان الناس ليقفوا في وجهها، ولا كانوا ليتقبلوا تدخل حزب الله فيها، وهو الذي حافظ خلال أعوام مواجهته إسرائيل على سمعة حسنة نسبيًا، إلا تلك التي اصطبغ فيها أيام حربه وحركة أمل، الشريك الشيعي اللبناني في قرى إقليم التفاح وبعض بيروت، وأيام غزوته سنّة بيروت في 7 أيار (مايو) 2008.
وحسن السيرة هذه تبقى شفيعًا له، بحسب البارودي، خصوصًا بين شريحة واسعة من اللبنانيين، "وضرب تل أبيب وحيفا وما بعد حيفا، ووعود نصرالله التي صدق فيها، تبقى شفيعه بين شريحة واسعة من العرب، الذين يرفضون نفسيًا إحلال الحرب السورية - السورية محل الصراع العربي - الإسرائيلي، بالرغم من قناعة جلّهم بأنّ النظام السوري يحتاج إلى إصلاحات جذرية أولًا، وبأنه ليس ذاك النظام الممانع الحق ثانيًا، وبأن الشعب السوري يستحق حريته ثالثًا".
بين مستهجَنين
المستهجن إذًا أن يبقى نصف القراء العرب على رأيهم بحزب الله بعد انخراطه في الحرب الأهلية السورية، وليس المستهجن اعتبار آخرين هذا الحزب ذراعًا إيرانيًا في لبنان، وفي سوريا. لكن الاعلام قادر على صياغة الاتجاه في الرأي العام، خصوصًا الاعلام غير التقليدي، الذي لا وسيط بينه وبين المتلقي، بل هو وسيط شفاف بين مواطن يبث ومواطن يتلقى.
فما يفعله الحزب في سوريا جليّ، خصوصًا ما حصل في القصير، وما تبع انتصاره فيها من توزيع الحلوى في مناطق الشيعة اللبنانيين، ومن رفع راية "يا حسين" على مئذنة جامع قُصيري سني، حاول نصرالله في خطابه الأخير نفيه، من دون طائل.
ويقول البارودي: "وعلينا أن نرى بالمقابل ما يفعله أعداء حزب الله، أي أعداء الشيعة، الذين يصفهم نصرالله في خطبه بالتكفيريين، وما يؤثر هذا الفعل في المتلقي، خصوصًا أن قارئ إيلاف منفتح أيضًا، بحكم قراءته موقع إلكتروني، على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها يوتيوب، حيث الخبر مباشر من الميدان، بالصوت والصورة، وأن نقيم الميزان، فالفريقان مكينان من الخراب، ومن هنا ينقسم المستجيبون للاستفتاء في شبه نصفين".
فأكل الأكباد كان علنيًا، وقتل الشيعة وإحراق منازلهم في دير الزور كان علنيًا، والتهديدات المستمرة أيضًا كانت علنية، وخطابات عناصر النصرة وقياداتها علنية وصدامية بحق الشيعة، وبحق كل ما لا يواليهم، حتى السنة منهم.
لكن، كذلك كان الحداء الشيعي العراقي الذي يتغنى بظهور المهدي المنتظر من حرستا الدمشقية، وكان التنصت على اتصالات عناصر حزب الله في القصير، وما تحدثوا فيها عن فتاوى إيرانية حول تدمير المدينة، وصور التنكيل بالسنة في البيضاء، التي تقول المعارضة السورية إنها حصلت بيد شيعة حزب الله، وصور أسرى شيعة كانوا يحملون جوازات سفر إيرانية... إلى الجنة.
وعلى هامش العلنية هذه، ومن مبدأ السيادة، بحسب البارودي، ثمة كثير من العرب يرى أن لا مكان لحزب الله في سوريا اليوم، "لكن هذا القول يتحول نافلًا، فنصف العرب يتهمونه باتباع الارادة الإيرانية، التي أرادته في القصير، وتريده في كل سوريا، حتى شفاء النظام من داء الثورة".
ضابط ببعض نجوم
من ناحية أخرى، وبالرغم من أن الكثير من العرب، وبينهم سوريون، رفعوا صور نصرالله في العام 2006، إلا أنهم كانوا يعرفون حق المعرفة إنه يتباهى، وقالها علانية، بأنه جندي في جيش دولة الفقيه.
وما حصل في القصير، ويحصل اليوم في حمص وحلب، دليل دامغ على أن نصرالله، الزعيم المفدى في لبنان، ضابط ببعض النجوم في فيلق القدس الإيراني. وما أن أتت الأوامر بالتدخل في سوريا لمنع الأسد من السقوط ونظامه من الاندثار، حتى لبى النداء وأرسل المجاهدين، ليعود عدد كبير منهم شهداء واجب جهادي يثير الاستفهام، كما يثير فتنة كبرى، تتعدى سوريا ولبنان إلى العراق وتركيا والأردن، كما يلاحظ المحلل السياسي اللبناني لقمان سليم.
يقول: "في العام 2006، كان حزب الله قوة جمع، أي قوة توحيد، انتظم العرب خلفها، ينتظرون ما يقوله نصرالله كل ليلة طيلة 33 يومًا، ويحصون الصواريخ التي تنال من كبرياء المجتمع الإسرائيلي وجيشه، بينما تحول الحزب في العام 2013 إلى قوة تفكيك، قوة تفريق، إذ فقد الاجماع العربي على أنه درع الممانعة العربية، التي تنحني يومًا بعد يوم، أكثر فأكثر، أمام إسرائيل، لأن إيران لا تريد أن تفقد موطئ قدم لها في سوريا، أي في المنطقة العربية".
بعد القصير، رفع من كان يقاوم فيها شعارًا، لربما الأبلغ في هذا الاطار. يضيف سليم: "القصير مدينة قاومت دولتين، كان الشعار الذي اختصر فعليًا الرسم البياني لما تحول إليه حزب الله في عين عربية ثاقبة، إنه ممثل إيران، ومنفذ مشروعها في سوريا، أيًا كان هذا المشروع، منعًا للسقوط أو منعًا للبناء".