أخبارنا المغربية : مٍُتابعات وفيما يحاول الجميع الآن التبرُّؤ من نظام القذافي، فإن علاقات هذا النظام الثنائية مع الدول المغاربية (تونس والجزائر والمغرب)، لم تسِـر في خط مستقيم، إذ تراوحت بين العداء والتحالف والحرب والإتحاد، وإن كان الجميع يضع حالات التحالف والاتحاد في إطار "اتِّـقاء شَـرّ" نظام لم يكُـن مستقرا في مواقفه، لكنه يمتلك إمكانيات كبيرة، مالية وعسكرية.. وهي الإمكانيات التي ستنتقل إلى حكام ليبيا الجُـدد، الذين بدأوا بالتَّـلويح باستخدامها في علاقاتهم الدولية والإقليمية أيضا. المغرب والجزائر ذهبا باتجاه مختلِـف عن اتجاه تونس، وإن كان متعاكسا. فالمغرب الذي سارع لإرسال وزير خارجيته إلى بنغازي فور دخول المعارضة باب العزيزية وأعلن دعمه للثورة الليبية واستعداده للمساهمة في تقديم ليبيا الجديدة إلى العلم والمساهمة في إعادة بنائها، شارك في الهيئات الدولية (مجموعة الإتصال)، التي تشكلت لدعم معارضي القذافي، لكنه لم يُـسارع بقطع علاقاته معه وبقي العَـلـمُ الأخضر مرفوعا فوق السارية أمام السفارة الليبية (مكتب الإخوة) حتى يوم دخول معارضيه طرابلس، كما حرصت الرباط على استقبال ممثلين عن النظام وأيضا ممثلين عن المعارضة وأقام مستشفى ميداني بتونس على الحدود مع ليبيا لمعالجة الثوار. وفي الداخل، تعرّضت الحكومة المغربية لانتقادات واسعة لعدم حسْـم موقفها باتجاه الإعتراف بالمجلس الوطني الإنتقالي، في وقت كان فيه الإعلام الرسمي الليبي يبرز تقارير دولية عن مساهمة الجزائر في تسهيل وصول مرتزِقة لدعم القذافي. في هذا السياق، يقول الباحث والأستاذ الجامعي المغربي محمد ظريف: "إن المغرب وقف منذ البداية إلى جانب الثورة الليبية، لأن إيذاء القذافي للمغرب، بدأ مع توليه الحُـكم بدعم معارضي النظام وتبنِّـي جبهة البوليساريو، التي تدعو لانفصال الصحراء الغربية، حتى قبل أن يستعيد المغرب المنطقة من إسبانيا وقبل أن تتولى الجزائر الرِّعاية الكاملة للجبهة ومواقفها". من جهة أخرى، يعتقد محمد ظريف أن "الموقف الجزائري المؤيد للعقيد القذافي، ينسجم مع الرُّؤية السياسية والعلاقات بين الجزائر وطرابلس منذ وصول العقيد معمر القذافي إلى الحكم عام 1969، حيث كانت الجزائر تلعب دورا مِـحوريا في منطقة المغرب العربي بمساندة ليبيا المؤثِّـرة جدا في دول الجِـوار المغاربي والإفريقي، حتى في اللحظات التي كان فيها القذافي يُـشرِّق أو يُـغرِّب، بعيدا عن الجزائر". وفي مسار تطوّرات الوضع الليبي والتدخُّـل العسكري لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وما سينتجه من تواجُـد عسكري، فإن الجزائر تخشى من تواجد عسكري غربي على حدودها الشرقية، إذ لا أحد يمكنه أن يتكهَّـن بحجم التواجد العسكري الغربي، وتحديدا الفرنسي مستقبلا في ليبيا، وحكامها الجدد يعرفون أنهم مَـدينون بوجودهم لحلف الناتو. بالنِّـسبة للسيد محمد ظريف، الخبير بشؤون الجماعات الإسلامية، فإن المجتمع الليبي، الذي هو مجتمع بَـدَوي تقليدي مُـحافظ وله درجة تَـديُّـنه مرتفِـعة جدا، أنتج الإسلام الصوفي، وهو إسلام شعبي مُـنتشر في ليبيا، والذي يُـمثله مصطفى عبد الجليل، الرئيس الحالي للمجلس الوطني الإنتقالي والإخوان المسلمين، الذين يستمِـدُّون دائما من تنظيمهم الأم في مصر المجاورة قُـوّتهم وتأثيرهم، وهناك التيّـار السَّـلفي الوهّـابي، المُـبتعد عن العمل السياسي، وهناك التيار الجهادي، وتحديدا الجماعة الليبية المقاتلة التي أسَّـسها عبد الرحمن الحطّـاب، وهي الجماعات الجِـهادية التي قاتلت في أفغانستان وحملت السِّـلاح ضدّ العقيد القذافي وحاولت الانقلاب عليه عام 1995 ونجحت في بثِّ ناشِـطيها في صفوف اللِّـجان الثورية الليبية للتدرب على السِّـلاح واختراق النظام، ومـن كُـشـف منهم هاجر إلى أفغانستان بعد التِـحاق أسامة بن لادن بالبلد. مقابل ورقة الأصوليين الجهاديين التي تلوح بها الجزائر ضد المجلس الانتقالي الليبي، وعلى غرار نظام العقيد معمر القذافي، يلوح قادة النظام الليبي الجديد بورقة نِـزاع الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب. إنها ليبيا الجديدة، التي تتوسط منطقة لا زالت تعيش مخاضَ الربيع العربي.. استقرارها لا زال بيَـد المجهول وكل مَـن فيها يُـحاول أن يدفع رياح التغيير بعيدا عنه، ويعتَـبِـر نفسه غيْـر مَـعني بها، حتى وكرسيه يهتَـزّ من تحتِـه.. وحين يسقُـط، ينقلب عليه الجميع، حتى أقرب أتباعه وحلفائه، الذين يلتفُّـون حول الحكّـام الجُـدد للحِـفاظ على مصالحهم أو التنعُّـم بمصالِـح جديدة. محمود معروف - الرباط- swissinfo.ch دخل التغيير في ليبيا على خطّ العلاقات بين المغرب والجزائر وأصبح ورقة في التوتُّـر السائد بين الشقيقين اللَّـدودين، بانتظار ما ستُـسفر عنه ملاحقة العقيد الليبي معمر القذافي وتصفية بقية نظامه، الذي حكَـم ليبيا 42 عاما وتحكَّـم في كثير من الأحيان في طبيعة العلاقات القائمة بين الدول المغاربية.
رغم تحرّش معمر القذافي بالثورة التونسية، حتى قبل خروج الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ومعاداته العلنية لأهدافها ومسارها، فإن حكام تونس ما بعد بن علي، الذين وجدوا في ثورة 25 يناير المصرية سنَـدا بانشغال أعداء الثورة التونسية بنتائج الثورة المصرية، حرِصوا على عدم استفزاز القذافي، رغم أن نظامه كان يتهاوى بلا ريب.
دعم مغربي للثورة الليبية
مناهضة جزائرية للثورة
بالاتجاه المعاكس، ذهبت الجزائر، التي لم تُـبْـد ترحيبا أو ارتياحا للثورة التونسية وقرّرت الإبقاء على الموقف المناهض للثورة الليبية، من منطلق رفضها للتدخل الدولي، فيما أكدت تقارير متعددة دعم الحكومة الجزائرية للعقيد القذافي ومناهضته لمعارضيه.
وذهبت هذه التقارير إلى التأكيد على "تزويد طرابلس القذافي بالأسلحة والمقاتلين"، كما وجِـد خصومها باستقبال زوجة القذافي وابنته واثنين من أولاده، ما يؤكد ما قالت، بعد أن اشترطت للإعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي، التزاما بمحاربة الإرهاب والجماعات الأصولية المتشدِّدة.
"موقف المغرب لم يكن واضحا.."
وفي تصريحات لـ swissinfo.ch يضيف الباحث المغربي: "إن المغرب شارك بمجموعة الاتصال الدولية التي قادت الحرب ضد نظام القذافي وساهم بدعم المعارضة (لوجيستيكيا)، لكنه لم يُـعلِـن عن موقفه بوضوح، لأن هناك أكثر من مائة ألف مغربي كانوا يعملون في ليبيا ولا يُـستبعَـد أن يقوم النظام الليبي بالإنتقام من الموقف المغربي بطردهم وحِـرمانهم من حقوقهم".
"الجزائر في موضع التحسُّـب من أي جديد.."
ويرى ظريف أن الموقف الجزائري من الثورة الليبية، وبغضِّ النظر عن العلاقة مع القذافي، سيكون متحفِّـظا في أحسن الأحوال، وذلك للخشية من وصول الربيع العربي إلى الجزائر بعد انتصار الثورة التونسية ثم المصرية، ونجاح المغرب في تحقيق إصلاح دستوري ثُـمّ نجاح الثورة ضد العقيد القذافي، ويشير إلى أن نجاح الجزائر خلال الشهور الماضية التي تلت الثورة التونسية في امتصاص حالات الغضب السياسي والاجتماعي، لا يعود لعدم وجود احتقان سياسي أو اجتماعي، بل للضعف الذي أبانت عنه الحركة الإحتجاجية الجزائرية وفقدانها للعمق الشعبي من جهة، وبعد أن تراءى للجزائريين عشر سنوات من الدّم عرفتها البلاد ما بين 1992 إلى 2000، من جهة أخرى.
وبالنسبة للثورة الليبية، فإن الحدود المشتركة والمصالح الكبيرة والإستثمارات والتعاون الأمني والاستخباراتي الواسع في ميدان مكافحة الإرهاب خلال العقود الماضية بين الجزائر وطرابلس، تضع الجارة الغربية في موضع التحسُّـب من أي جديد في ليبيا.
تخوّف من التواجد العسكري الغربي
والجزائر، بحُـكم معرفتها بالواقع الليبي، تُـدرك حجم وتأثير الجماعات الإسلامية، المتشدِّدة والمعتدلة، بالثورة الليبية وفي قيادتهم للبلاد في المرحلة القادمة، والمجلس الانتقالي الذي يُـبرِّئ الغرب الشخصيات الليبرالية التي تتواجد فيه، ليس هو القيادة الحقيقية لليبيا الجديدة. فالقيادات الميدانية جلّـها إن لم تكن كلّـها، قاتلت في أفغانستان وكانت جزءاً من الجماعات الأصولية التي حاربت ضد القوات السوفييتية أولا، ثم في تشييد حُـكم طالِـبان.
الجهاديون.. ورقة ضغط على ليبيا الجديدة!
ويوضِّـح السيد ظريف، أن الذين خاضوا المعركة، هُـم من الجِـهاديين الذين حملوا السِّـلاح وأن زعماء الثورة مسكُـونون بلهجة دينية ودرجة تديُّـن واضحة في ملامحهم، وعبد الحكيم بلحاج (أبو عبد الله الصادق) قائد معركة طرابلس، ودخول باب العزيزية أبرزهم.
في هذا السياق، يذهب ظريف إلى أن طبيعة الدبلوماسية الجزائرية البراغماتية، تجعل من هؤلاء الجهاديين ورَقة ضغْـط بيَـدِها على الحاكمِـين الجُـدد في طرابلس وعلى الغرب أيضا، وهي نفس الورقة التي تلعبها الولايات المتحدة، مستدِلا (أي محمد ظريف) بالتقرير الأمريكي الصادر خلال الأسبوع الماضي، الذي قال إن عمليات 16 مايو 2003 التي استهدفت مدينة الدار البيضاء المغربية وأسفرت عن مقتل أكثر من 40 شخصا وعشرات الجرحى، كانت من تخطيط وتمويل الجماعة الليبية المقاتلة، وأن الذي أشرف عليها هو.. عبد الحكيم بلحاج؟!.
ورقة نزاع الصحراء الغربية
فالتصريحات عن وجود مرتزِقة جزائريين ومُـقاتلي جبهة البوليساريو إلى جانب العقيد القذافي، وأسْـر الثوار الليبيين لـ 556 مقاتلا من هؤلاء، صدرت عن مسؤولين بالمجلس الإنتقالي، وذهب بعضهم للتصريح بأن الصحراء المتنازَع عليها "لن تكون إلا مغربية"، أما جبهة البوليساريو فقد نفَـت أي مشاركة لمقاتليها في الحرب الليبية ودعت إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية.
وفيما أبرزت وسائل إعلام جزائرية وليبية تصريحات مصطفى عبد الجليل، التي قال فيها بعدم عِـلمه بمثل هذه التقارير، لكن آثارها (أي التقارير) كانت واضحة على العلاقات المغربية الجزائرية.
ويقول محمد ظريف لـ swissinfo.ch: "إن العقيد معمر القذافي كان فاتحا البلاد لكلّ الجنسيات وأن وجود بعض مُـواطني هذه الدولة أو تلك يقاتل إلى جانبه، غير مُـستبعَـد"، لكنه لا يعتقد أن "أية دولة من الدول، بغضّ النظر عن موقِـفها من القذافي ونظامه وخصومه، ساهمت بالعمل العسكري إلى جانبه".
ويشير ظريف أيضا إلى أن نزاع الصحراء مطروح منذ أكثر من عقديْـن أمام المنتظم الدولي، وهناك قرارات دولية تُـتَّـخذ سنويا، لكن تنفيذها يبقى رَهين ميزان قِـوى، سياسي ودبلوماسي. وتبعا لذلك، فإن الدول الغربية التي لم تقَـرِّر بعدُ الإسهام بحلّ النزاع، وليبيا القذافي أو ليبيا ما بعده، لم يعُـد لها في هذا النزاع أي دور إلا في إطار "الإزعاج السياسي" لهذا الطرف أو ذاك.
استقرار ليبيا الجديدة بيَـد المجهول