من الشارقة.. العمراني والأشعري يمتعان زوار معرض الكتاب بأمسية شعرية مغربية لاقت استحسان الجميع

ملعب العربي الزاولي يكتسي حلة جديدة قبل انطلاق دوري أبطال إفريقيا للسيدات

وسط تحفيزات الجماهير...لاعبو الرجاء يتوجهون عبر البراق إلى مدينة تطوان

خطاط مغربي كرمه الملك يبهر زوار معرض الشارقة الدولي للكتاب

المغرب يسجل حضورا قياسيا وغير مسبوق في معرض الشارقة الدولي للكتاب وينال إشادة عالية من الزوار

ممرضو الغد... ينظمون وقفة احتجاجية بالدار البيضاء ويطالبون بالتعويض عن التداريب وعدم خوصصة القطاع

الاختطاف جرائم هوليودية على الطريقة المغربية

الاختطاف جرائم هوليودية على الطريقة المغربية


غياب دون سابق إنذار. يختفون فجأة دون أن يقولوا وداعا، وهذا مايحز في نفوس أشخاص تأبى ذاكرتهم نسيان آخر مشهد جمع بينهم وبين أعزائهم. “الاختطاف”. الكلمة المختزلة لكل شحنات الغضب والألم والذكرى. حمولتها أكبر من أن يسيجها تعريف جامع مانع. لتتدحرج تداعياتها تحت تأثير الزمن، دون اكتراث للمكان الذي كان مسرحا لها. لماذا الاختطاف؟ سؤال يجد له تلوينات عدة، كلما اختلفت الزاوية التي قرر السائل الانحصار داخلها. لكن النتيجة تبقى واحدة، إنه الحدث الذي يغير مجرى الأمور.


قد يعتقد البعض عند سماع قصص حول الإختطاف، أنه أمام حكايات لا تعنيه. غريبة في تفاصيلها عن رتابة فصول الحياة اليومية التي يعيشها الناس داخل المغرب، على عكس الصخب الذي تسير عليه الأمور في دول كان الإختطاف صناعتها المحلية. ففي الأرجنتين التي تعد من المناطق الآمنة مقارنة بباقي دول أمريكا اللاتينة، أشارت بعض البيانات الحكومية، إلى اختطاف شخص كل 72 ساعة، مقابل طلب الفدية دون تسجيل حالات قتل. على عكس المكسيك التي تعرف نهايات مأساوية، خاصة في حالات اختطاف الصحفيين، ثم تصفيتهم على يد تجار المخدرات، الذين يناصبون العداء لكل من يحاول الكشف عن نشاطاتهم. وقد تم تسجيل سبع حالات اختطاف بحق صحفيين  خلال هذا العام  2011تعرضوا لتصفية وحشية، إما عن طريق الذبح، أو الشنق، أو رميا بالرصاص بعد تعريضهم للتعذيب.
في المغرب لا تجود احصائيات محددة، لأن الأمور لم تبلغ هذا الحد الدرامي على المستوى الرسمي. لكنها كتجربة شخصية تأخذ من الأهمية والعمق، ما  هو كفيل بزعزعة استقرار أسر وعائلات، من خلال قصص لا يمل المعنيون من روايتها، وكأنهم يستجدون الأقدار بكثرة تردادها، لعلها تعيد من اختفى فجأة.


لم تنس رشيدة ابنها. لم يفي الزمن بعهده، ولم يكن كفيلا محو الجراح. ليصبح الجرح غائرا. وتصبح المناسبات «ملحا» يحيي ألم الذكرى. ككل الأمهات كانت رشيدة القادمة من تاونات رفقة زوجها تحلم بمستقبل أفضل بين أحضان الدار البيضاء. كان السكن العشوائي أول محطة، لتتحسن الأمور حين استفادت الأسرة من قرار الترحيل نحو أحياء مولاي رشيد، في بداية الثمانينيات. الحياة تسير نحو الأفضل، أو هكذا أوحت الأمور أب يستميت من أجل تأمين متطلبات الأسرة. وأبناء منهم من التحق بالمدرسة. ومنهم من لم يبلغ سن التمدرس بعد، ليكتفي بمرافقة الأم أينما حلت.

خرج ولم يعد
لم تكن الأم تتوانى عن نصح أبنائها، كعادة كل النساء. لكن الجرعة في تلك المرحلة كانت مرتفعة، بعد تسجيل حالات اختطاف للصغار. كان للإشاعة دورها في تناسل حوادث وهمية، تتحدث عن عصابات تتاجر في الأعضاء البشرية. ولم يكن غريبا بأن تصحب الأمهات أبناءهن إلى المدرسة، أو انتظارهم في الحصة المسائية، خاصة في فصل الشتاء.
لم يكن الأمر متعبا لرشيدة، فهي فرصة للقاء النساء، وللاطمئنان على أبنائها. لكنها لم تكن تدري أن الأمور ستنفلت من يدها على الرغم من حرصها. انتظرت على عادتها أمام باب المدرسة. وفي الطريق للبيت ستضعف أمام توسلات ابنها الأكبر الذي رغب في مرافقة أبناء الجيران للعب الكرة. ولأن الأمور لا تحافظ على رتابتها في عالم الصغار، قرر الأولاد اختيار لعبة “الغميضة”. كان المكان الوحيد الذي رأى فيه الابن المكان الأنسب، هو البيوت الفارغة المحيطة بحي مولاي رشيد، والتي كانت الأمهات تحيطها بكثير من الغموض، من خلال حكايات عن الجن. كان الغرض من ذلك ألا يقترب الأبناء من أماكن يسكنها الظلام والمتشردون، في أواسط الثمانينيات.


واصل الأطفال لعبهم في مناطق آمنة، دون اكتراث لصديقهم الذي التهمه ظلام إحدى المساكن المهجورة. فجأة قررت رشيدة استدعاء ابنها، لكنها لم تجده رفقة الأطفال. بعد الانتظار بدأ البحث الذي تواصل لأيام. كان أول الأماكن المقصودة، هو المنازل المهجورة. دون أن يكون للابن أثر. لكن رشيدة لم تكن تعلم أنها ستجد ابنها بعد أيام، وفي نفس المنزل المهجور الذي تم تفتيشه أكثر من مرة، لكنه كان جثة هامدة. لا تعرف الأم تفاصيل ما وقع ولم تتمكن من عرفة الجاني. لكن كل ما تردده هو أن ابنها تعرض يوما للاختطاف ثم للقتل. دون أن تتمكن من إزاحة صورته من ذاكرتها. وكما رشيدة أمهات كثيرات فقدن أبناءهن دون سابق إنذار. لكن على عكسها لم تستقر مشاعرهن بعد، لغياب أي خبر عن مصير أبنائهن وبناتهن.


رشيد الزوهري

خديجة أم لسبعة أبناء، ومع ذلك لم تتمكن من نسيان ابنها رشيد، الذي كان ترتيبه الرابع بين إخوته. حينما تتحدث المرأة عن آخر يوم لابنها رفقة العائلة، تستحضر تفاصيل دقيقة، كأنها تحاول نحته في ذاكرتها للأبد. تصف لباسه، آخر جملة سمعتها منه، الأغراض التي كان يحملها بين يديه… وما يحز في نفسها أنه كان يرفض الخروج ذاك اليوم، لكنها ألحت عليه لمساعدة عمته في حمل أغراضها باتجاه بيتها. في الأخير أذعن رشيد لطلب والدته، على أن يجد وجبته المفضلة والمتمثلة في “مسمن الشحمة”، جاهزة عند عودته.


انهمكت الأم في تجهيز المسمن، بانتظار عودة ابنها لكنه لم يعد. لم تتردد في إرسال شقيقه الأكبر لبيت العمة، لكنها لم تكن موجودة بالبيت. هدأ غياب العمة من قلق الأم التي اعتقدت أن الابن سيكون رفقة عمته. لكن الأسرة ستفاجأ بطرق قوي على الباب في ساعة متأخرة من الليل، شابان أخبرا والد رشيد بأن شقيقته توجد داخل بيتها في حالة حرجة. كانت العمة شبه مغمي عليها. زاد خوف رشيدة على ابنها الذي لم يكن له أثر داخل البيت. بعد استفاقتها بدأت العمة تتحدث عن سيارة اعترضت طريقها، لينقض اثنان من راكبيها على رشيد، حاول الصبي المقاومة، وحاولت العمة تخليصه من قبضتهما بكل قوة دون جدوى. تستشهد العمة بالكدمات المنتشرة على جسدها، لتبرهن أنها دافعت عن ابن شقيقها، لكن القدر كان أقوى منها. تفاصيل نزلت على العائلة كالصاعقة.

مرت الأسرة بظروف صعبة في محاولة فك لغز الاختطاف. لم تكن الأم لترضى بالأمر الواقع، لتدخل في سلسلة من الفرضيات التي تغذيها معطيات تتزاحم في ذهن الأم. كان رشيد بمواصفات خاصة، تغري أناسا خاصين. ولد”زهري”، مبارك أينما حل وفق روايات أسرته، التي كانت “تتبرك” بوجوده. مواهب أخرى غريبة كانت ترافق رشيد، دون أن يشعر هو بتميزها، قدرته بأن يعرف هوية القادمين قبل أن يطرقوا الباب كما تقول والدته. حالته النفسية التي تسوء قبيل حدوث أي مكروه. أحلامه الغريبة، التي كانت تحمل تفاصيل دقيقة عن أناس ماتوا قبل ولادته بسنوات…أمور تعودتها الأسرة ولم تكن تعرها كثيرا من الاهتمام قبل اختفائه. لكن بعد حادثة الاختطاف الغريبة أصبحت والدته تنظر للأشياء بعين مشككة. ربما تكون هذه الميزات سببا في اختطافه. ذهبت الأم بفرضياتها لحد الاعتقاد بأن العمة قد تكون تواطأت مع أحدهم لاختطاف الابن، خاصة أنها ممن يميلون لطقوس السحر والشعوذة. اتهام أحدث بلبلة داخل الأسرة، لكن دون أن يكون له أثر في الكشف عن مصير رشيد. لم تتوان الأسرة في تتبع أي خيط مهما كان واهيا. لتقف الأم في حيرة من أمرها، وهي تناصب العداء في كل يوم لمتهم جديد. شكت في الجيران، وفي ضرتها السابقة، وفي الورثة الذين كانوا على خلاف مع زوجها بخصوص بعض الأراضي. لم تتوانى الأم عن طرق أبواب المشعوذين، مستعملة الحيلة، علها تجد شيئا يحيل على مكان ابنها. بعد أن فقدت الأمل في عودته، أصبحت خديجة تتمنى رؤية جثته لعل حرقتها تبرد للأبد. كان وضع الأم يتأرجح بين التناسي وكابوس ما يمكن أن يحل بابنها إن كان لا يزال على قيد الحياة.


اختطاف وقتل وفدية
حالة رشيد، تشبه حالات اختطاف كثيرة، لا يعرف مصير ضحاياها، ولا الدافع الحقيقي وراءها، خاصة عند غياب الخيط الذي يمكن من الوصول للفاعل الحقيقي. لكن بالمقابل توجد بعض الحالات التي تم الوقوف على سببها الرئيسي، مثل بعض حالات الاختطاف التي عرفت شهرة واسعة داخل الدار البيضاء، في أواخر السبعينيات. قضية اختلط فيها المال، بالاغتصاب والقتل، لتروع ساكنة البيضاء بحبكة هوليودية، زادتها الإشاعة إثارة، ليصبح هم البيضاويين حماية أبنائهم. تعود بداية القصة بعد أن قرر صديقين جمع بينهما الإجرام، على ابتكار طريقة جديدة للحصول على المال. لم يعد استدراج الضحايا، وخاصة البنات كافيا بالنسبة لمحمد البدوي، الذي يستعين بذاكرته القوية، في عد ضحاياه الذين بلغ عددهم 400 فتاة تعرضن للسرقة على يده، وهو الممتهن للإجرام منذ طفولته.


فجأة لم يعد السلب والسرقة كافيا بالنسبة لمحمد كما هو مدون في بطاقة التعريف التي استصدرها، للتملص من تبعات اسمه الحقيقي مصطفى ، بعد صدور مذكرات بحث في حقه، عقب كل عملية سرقة. وصلت شيطنة الرجل لابتكار طريقة استلهمها من مقاعد سينما المامونية بالدار البيضاء، حين كان يشاهد فيلما رفقة شريكه بوشعيب. كانت أحداث الفيلم تتمحور حول اختطاف ابن ضابط شرطة، من طرف عصابة مخدرات، من أجل إطلاق سراح زملائهم المعتقلين. عمد الرجلان بعد مشاهدة الفيلم، إلى ابتكار فكرة اختطاف الأطفال، ثم ابتزاز أسرهم من خلال المطالبة بالفدية. لكن بنود الاتفاق لم تنتهي عند هذا الحد، كان الشريكان عازمان على القيام بالمهمة باحترافية كبيرة، لذا اتفقا على قتل الضحية بمجرد اختطافه، حتى لا يشكل وجوده عبئا عليهما، إضافة إلى قطع أي دليل من شأنه أن يؤدي إلى الجاني. كما تم الاتفاق على طريقة القتل، التي اختارا لها أن تكون بالخنق، وقد اعتمدا في ذلك على ربطة عنق تم اقتناؤها خصيصا لهذه المهمة. ولم يغفل الشريكان اختيار مكان التخلص من الجثت، حيث قررا رميها في بئر معزول عن الناس. بعد ذلك سيتم الاتصال بأهل الطفل من أجل إيهامهم أن المختطف على قيد الحياة، ومن تم المطالبة بفدية مقابل الإفراج عن عنه.


بعد أن أصبحت الخطة جاهزة، عمد الشريكان إلى شراء ربطة عنق قديمة من سوق”القريعة”، بينما عمد مصطفى إلى تتبع الأطفال من أجل استدراجهم، لخبرته الطويلة في التعامل مع الأطفال، كما تم تحديد بئر معزولة قرب شاطئ سيدي عبد الرحمان للتخلص من الجثت. كان أطفال حي الأندلس، الهدف الأول للشريكين، وقد استقر الاختيار على طفلين.
بعد 20 يوما، وقع الاختيار على الطفل عبد الرحيم، بعد المعلومات التي تم تجميعها عن الأسرة، وتحركات الابن ومحل دراسته. من أجل كسب ثقة الابن، قام مصطفى بسؤال الابن عن والده، ليعود في اليوم الموالي من أجل اختطافه من أمام المدرسة، لكن تأخرهما عن موعد خروج الابن، جعلهما يتعقبانه نحو منزله. لم يتردد الطفل عبد الرحيم في الذهاب نحو مصطفى الذي ناداه من أجل اصطحابه نحو محل والده، اعتقادا منه أنه صديق للوالد، بعد أن ألف مشاهدته. تم أخذ الطفل إلى مكان يبعد بمائتي متر عن البئر التي تم اختيارها كقبر للجثة. وعندما أظلمت الدنيا، واحتسا الشريكان الخمر، قاما بإحضار الطفل عبر الرحيم ونزعا ثيابه، ثم عصبا عينيه ووضعوا الربطة حول عنقه، ليسحب كل واحد منهما الربطة لجهته، إلى أن أصبح الطفل جثة هامدة. بعدها تم الإلقاء به في البئر.


وببرودة دم سيقوم مصطفى بالاتصال بوالد عبد الرحيم للمطالبة بالفدية، سيكون اتصاله الأول من الدار البيضاء، بينما الثاني من الرباط، حيث سيتم اعتماد طفل في سن الخامسة عشر للحصول على الفدية، دون أن يعلم بحقيقة الأمر، إذ اكتفى مصطفى  بإيهامه أنه سيوفر له عملا داخل إحدى الورشات، مقابل إحضار الحقيبة التي تحتوي بعض المعدات التي سيستعين بها في عمله. نجحت الخطة وتم الحصول على الفدية. وبعد مرور أشهر سيعاود الاتصال بوالد الضحية للحصول على جزء ثاني من الفدية، لكن رغبة الأب في سماع صوت ابنه، أو الحصول على صورة له، جعل متشوق يكف عن المحاولة، ليبحث عن ضحية جديدة. لكن هذه المرة سيحاول تدارك الثغرة السابقة من خلال التقاط مجموعة من الصور للضحية الجديدة.


كان محمد ذو الخمس سنوات، الهدف الموالي الذي تم اختطافه وتصفيته بنفس الطريقة وفي نفس المكان. بدأت الاتصالات بعائلة الطفل في اليوم الموالي، وتم الحصول على مبلغ 10 آلاف درهم من طرف عمة الطفل. بعدها ستتوالى حوادث القتل الذي أصبح شبه عادة لدى الشريكين. ليتم العثور على جثت أطفال تم اختطافهم تم تصفيتهم بعد محاولات هتك العرض تحت السكر. منهم من حددت هويته، ومنهم من بقي مجهول الهوية… ليقع الشريكان بيد العدالة التي حكمت عليهما بالإعدام.


آخر العلاج السياسي الكي… بنار الاختطاف
لا تنتهي قصص الاختطاف دائما بوقوع المتهم بيد العدالة. صحيح أن الحكم مهما كان قاسيا لن يعيد عزيزا غاب للأبد، لكنه على الأقل بمثابة جبر للضرر الذي يقع على نفوس تظل معذبة، أمام فرضيات لا نهاية لها عن مآل الغائب. والغائب هنا ليس طفلا تائها، ولا قاصرا مغررا به. إنهم شباب أراد أن يقول لا للاستبداد، ليقرر هو أن يجيبهم على طريقته. فلم يكن من بديل غير الاختطاف المرعب. يلخصها الكثيرون في تسمية رنانة، سنوات الرصاص، المدوية بذكراها في أذهان من نجوا. والقاسية بتداعياتها في حياة أسر انتظرت العودة المستحيلة. في سنة 1962 كانت الدعوة لمقاطعة الدستور الذي اعتبره البعض استبداديا. لم تستطع السلطات الوقوف مكتوفة الأيدي أمام الحراك الشبابي الذي استمر لسنوات، متخذا أشكالا و شعارات مختلفة، مستمدة من الرياح التاريخية للمرحلة. كانت هناك رغبة في الانقلاب على الزعامات السياسية البرجوازية، والانفتاح على هموم المنطقة، التي شكلت الجزائر وقتها عنوانا بارزا لها، حين قام الطلبة المغاربة باحتلال السفارة الفرنسية بالرباط كتضامن مع حركة التحرر. ارتفعت وتيرة المطالبة بالاصلاحات ما بين سنوات 1959 و 1967 بطريقة دفعت الطرفين للمعاندة. كان الحل الوحيد الذي يعتمده النظام هو القمع والاختطاف. لينتشر عرف زيارات الفجر المرعبة، التي رسخت لمشاهد الفراق المؤقت أو الأبدي، بين العائلات وأبنائها الراغبين في التغيير، إضافة لحالات اختطاف لم تعرف ملابساتها بعد. لم تكن الأمور لتعرف طريقها نحو الاستقرار، خصوصا في المرحلة التي دخلت فيها المؤسسة العسكرية على الخط، هذه المرة بعيدا عن دورها الأساسي في الوقوف خلف الحاكم، لكن كطرف في لعبة التغيير من خلال الانقلاب على الملك. لم يقتصر الاختطاف في هذه المرحلة على أشخاص، بل تعداه لاختطاف أسر بكاملها قصد الحصول على معلومات تحيل على المتهمين الهاربين. وقد كان لمأساة الإختطاف بصيغة المؤنث طعم المرارة. نساء تم اختطافهن رفقة أطفالهن، ليتم التفنن في تعذيبهن بعيدا عن أي مساءلة، كما هو الحال لجل حالات الاختطاف التي تتم في سرية تامة. ومن القصص التي خرجت للعلن، قصة فاطمة لعجيني التي تعرضت للاغتصاب من طرف سبعة جلادين، والتي أصيبت بالجنون. عيدة بويقبة التي لم يكتفي الجلادون بتعذيبها داخل السجن، ليتم نقلها عبر مروحية، تم تعليقها من رجليها في الهواء مهددين برميها لدفعها إلى الاعتراف بمكان زوجها، الذي لم تكن على دراية بمكانه. هناك أيضا فاضمة أعساري أصغر مختطفة تم تعريضها لمختلف أشكال التعذيب، بما فيها التعليق بأغصان الشجر، للضغط على والدتها…قصص عرفت طريقها للوجود، مقابل أخرى لا يعلم أحد بتفاصيلها بعد، ولا بمصير أبطالها الذين أصبحوا مجرد صور، وأسماء لملفات لم تقفل بعد، أو عناوين بارزة لندوات تقام من أجل الدفع بالجهات المسؤولة للكشف عن مصيرهم المجهول. محاولات مستمية لا يدفعها الأمل باللقاء، وإنما هي الرغبة في تأمين عنوان واضح للمثوى الأخير.


سيد الرياضيات في الخانة «x»!
إذا كان اختطاف بعض الأفراد يشكل ارتباكا داخل عائلاتهم، فهناك اختطافات لها القدرة على إرباك مرحلة بأكملها. المهدي بن بركة. إسم مرادف لأشهر جريمة اختطاف بالمغرب. رجل من عيار القادة الذين يربكون حسابات المعنيين بالداخل والخارج. وكعادة الأطراف المتنازعة في مثل هذه الحالات، يكون السبيل الوحيد هو تغييب الرمز عن الساحة، في ظروف يسودها الالتباس، وتبادل التهم لتحديد الفاعل. في أبجديات الاتهام يكون المستفيد الأكبر هو المتهم الأول. وفي حالة المهدي بن بركة، صاحب رقعة التحركات الشاسعة التي تعدت المغرب باتجاه العالمية، كان من الصعب تحديد متهم محدد. رجل التوازنات الذي تمكن من جمع الكثير من الخيوط ببراعة كبيرة، ليلعب دور المنظر والمحاضر والمشرف والوسيط والراسم لخط سياسي وتحريري لحزبه. باحثا عن مكانة لائقة بالمغرب في إفريقيا والعالم العربي والمحيط الدولي، كما جاء على لسانه في المهرجان المنظم بالرباط، للتضامن مع كوبا والجزائر، والذي أقيم عقب عودته من الاتحاد السوفياتي.


تحركات على واجهات عدة، تخللتها قرارات جريئة جعلت بن بركة عرضة للتصفية، مثل دعوته لمقاطعة دستور 1962، والتي اعقبتها محاولة اغتيال ما بين الصخيرات وبوزنيقة، نقل على إثرها للعلاج بألمانيا، دون أن يتراجع عن انتقاده للنظام، والذي ضمنه لمقال صادف يوم الاستفتاء. لم يتوقف الرجل عن الحركة، مراكما تجارب عدة، وناسجا لعلاقات وطيدة خارج المغرب، أبرزها تلك التي جمعته مع النظامين السوري والمصري. إضافة لمحاربته للصهيونة داخل حدود إفريقيا. أصبح الاختطاف هو الحل الوحيد لتغييب رجل يتحرك أكثر من اللازم. دون أن يتم الوقوف على حقيقة التفاصيل، رغم تسرب مجموعة من الوثائق، التي تحيل على تورط شخصيات مغربية وفرنسية في الموضوع.

سكينة بنزين


عدد التعليقات (1 تعليق)

1

المراة المعلفة

الصورة في الاعلى هي ماخوذة من فيلم ولا علاقة للفلم بالواقع

2011/10/22 - 03:53
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات