الحسين اربيب
الإرهاب مرفوض من أي جهة جاء سواء من متشددين يدعون الإسلام أو من يمين متطرف متشبع بالعنصرية والكراهية ،أو من دولة تسكب براميل محرقة على شعبها أو من دولة تحتل وطن شعب آخر وتهجره ليصبح نكرة بين الأمم كما هو حال الشعب الفلسطيني ،لأن الإرهاب هو وسيلة جبانة يقوم به من ليس لديه القدرة الفكرية لمواجهة الفكر بالفكر والكلمة بالكلمة والرسم بالرسم. فالإرهابي ضد الديموقراطية بل خارج التاريخ وعجلة التطور ،ولا يعرف معنى للحرية وقيمة الحياة ، فالبشرية توصلت بعد تطور عميق وطويل للعيش بسلام وحرية ضمن القانون وهي الفيصل بين المتنازعين حول أي موضوع والنظام الذي توصل اليها العقل البشري والمتمثل في مؤسسة الدولة الجهاز الذي يفترض حياده هي التي يجب أن تقوم بالتحقيق في الخلافات بواسطة القضاء ومقارعة الحجة بالحجة، والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر، كما يقول الفقهاء، لكن مازال العالم رغم كل التطور الحاصل في التقارب المعلوماتي والتكنولوجي والانفتاح بفضل العولمة بحيث أصبح العالم قرية صغيرة حيث صار ما يقع في آخر البقاع يصل بسرعة الضغط على الزر والتواصل بين بني البشر رغم الاختلاف وتبادل الأفكار والمصالح والتحف الفنية بل وحتى وصفات مطبخية مما يقوي أواصر التعارف والتقارب، رغم ذلك مازالت بعض العقول التي تضع مرجعتيها ضمن تواريخ الكهوف وعهود ظلامية تريد أن تفرض وجودها من خلال الضرب بقوة على كل من خالفهم في التفكير والمبادئ والقيم . ومازالت البشرية والعالم المتحضر يسكت عن مظاهر التخلف والعبودية والاستعمار عبر الكرة الأرضية ويحرم العديد من التكنولوجيا للقضاء على التخلف ، ومازال المنتظم الدولي بكل مؤسساته الدولية والإقليمية والجهوية يخضع للحسابات الضيقة ويكيل بعدة مكاييل ،بل ويؤيد سياسات خارجية لا تتماشى مع مبادئ القانون الدولي وحقوق الأنسان وتساند أنظمة دكتاتورية وتزود ها بالعتاد والسلاح لاستمرار في خنق شعوبها ، ولكن رغم كل ذلك لن نجد للإرهاب مبررا واحدا لأن الإرهاب هو توقف العقل عن العمل وعندئذ انتظر كل الكوارث كما هي الأن أو أكثر في كل البقاع لأن العقل غائب عند الإرهاب .
فها هو الإرهاب يضرب مرة أخرى في قلب عاصمة الأنوار باريس راح ضحيته عدد كبير من الصحافيين في جريدة شارلي الأسبوعية وشرطيين كانا يحرسانها لأن هذه الجريدة كانت موضع هجومات من قبل لأنها سبق لها أن نشرت رسومات كاريكاتورية للرسول محمد(ص).وفرنسا أصبحت مسرحا لجرائم الإرهاب لا لشيء لأنها دولة ديموقراطية وتكفل حق التعبير وحرية الرأي. ..
كل من يحمل قلبا وعقلا سوف يندد بهذا العمل الهمجي لأن لا أحد يمكنه أن يساند "قتل نفس بغير نفس " فمهما كانت توجهات الصحيفة وإن نشرت كاريكاتورا للرسول ، فلا شريعة دنيوية أو دينية تجيز ما قامت به تلك الجهة أو الجهات من عمل يدل على جهل وكراهية أصحابه لذواتهم وللحياة بصفة عامة وعدم قبولهم للرأي المخالف ، فالرأي لا يقابله إلا الرأي والحوار والإقناع والعقل هو الفيصل بين الآراء المتعارضة ولن تصل إلى ما وصلت اليه عند هؤلاء الذين لا يملكون أدنى حس ومنطق إنساني ، فهؤلاء كالصهاينة لما يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين وهؤلاء لا فرق بينهم وبين النازيين في عهد هتلر والقتل الممنهج ببرودة دم لا اعتبار إنساني يوقفه . من يقتل لن يكون إلا مجنونا أو حاقدا وعنصريا وأعمى و وحش ضاري غير قابل للوصف لأن القتل ببرودة يعني حذف حياة ولا أحد له الحق في ذلك.
إن الإرهاب بجميع أشكاله ومن أي جهة جاء مرفوض. مرفوض ، لأنه لا مبرر له ولا يخدم أية قضية مهما كان أصحابها يعتبرون أنهم مظلمون ، فالإرهاب ليس لا مقاومة ولا دفاع عن النفس ولا أي شكل من الأشكال التي يمكن اعتبارها أنها قد تكون مبررة ويمكن الدفاع عنها بل الإرهاب هو أخطبوط لا رأس له ولا فكر له بقدر ما هو شحنة طاقته الكراهية ومحركه الجهل وغايته الدمار والانتحار والقضاء على الحياة والتعايش والتسامح بين بني البشر والتعاون بينهم للقضاء على الفقر والمرض والجهل ووضع حد للاستغلال الوحشي للخيرات الوطنية من قبل سماسرة ومحتكري الثروات الشعبية ونهبها وحرمان أصحابها منها .
. لنزرع الورود عوض الأشواك في عقولنا التي هي في أمس الحاجة للتأمل في كوننا وتغذيته بروحانيات الفكر والدين وفسح المجال للتسامح والمحبة بين بني البشر لا فرق بين أسود وأبيض الكل سواسية فلنتعاون على الحب والتقارب ولنتحد ضد الجهل والفقر والمرض في كل مكان لنقرب المسافات الفكرية رغم اختلافها لأن في الاختلاف رحمة وغنى يزيد معرفة تلك المعرفة التي تجعل من النكرة موضوعا مكشوفا ومعروفا تتضح قسماته وكل تلوينه وبالتالي يمكن التواصل معه ومعرفة ما يحتاجه من مساعدة وحلول لمشاكله ، فلنعرف بذواتنا ومكنوناتنا عبر المعرفة والتواصل والتعاون والتسامح والمحبة ولا ننغلق على أنفسنا ونتوارى في الظلام حتى لا تأتي الأشباح لتجعل منا أشباحا أخرى من زمن ولى زمن الظلام زمن الظلم. لا فالإرهاب مرفوض في كل زمان ومكان . .
وما حدث يجعل كل بلدان العالم وخاصة العالم المتقدم إعادة النظر في سياستها الخارجية بشكل جذري وعدم تقديم الدعم للدول الاستبدادية والتي لا تحترم حقوق الإنسان لأن ذلك يولد لدى الشعوب المقهورة شعور بالظلم جراء تلك المساندة، مما يفرز تلك الظاهرة الإرهابية التي تتلقف كل الأسباب وغير الأسباب للقيام بالعمل المخرب والذي لن يجدي شيئا غير أنه يعمق المسافات بين الشعوب للحوار والتفاهم من أجل بناء نظام دولي خال من النزاعات والخلافات التي تدمر التنمية وتؤخر عجلتها ، لذلك وجب على العالم المتحضر القيام بمجهود كبير يهم المساعدة على القضاء على الجهل وبحل بؤر التوتر مما يرضي العقل والسلم الدولي وعلى أسس المبادئ العادلة للإنسانية المتعارف عليها في المواثيق الدولية والابتعاد عن التعامل بالمكاييل المتعددة في القضايا الدولية ،والنظر للعالم كوحدة متناغمة لا فرق بين الشمال والجنوب ولا الشرق والغرب بل إن المجتمع الدولي وجب أن يكون أسرة واحدة تتعاون من أجل خير الإنسانية جمعاء.