عزيز سعيدي
قد أتفق مع من يقول بأن لكل جيل أدبه و شعره و موسيقاه و ذوقه وبصفة عامة لكل جيل ثقافته و ابداعاته و لكن ما لا أتفق معه هو أن يستغل البعض الميوعة التي تستشري في المجتمع ليقوي شهرته و يستغل الإنحلال اللغوي الذي يعرفه المجتمع لتمرير رسائل تدعو في طياتها للفجور و التبرج و الإنحلال و تُكرس بذلك انحرافات الإبداع و الرسالة التي يُفترض أن يحملها لمتتبعيه.
لا أختلف كذلك مع من يقول بأن ابداعات كل مجتمع هي انعكاس مباشر لما يعيشه المجتمع الذي ينمو فيه هذا الإبداع، و يصح كذلك القول بأن المستوى الثقافي لمجتمع ما رهين بمستوى وعي و تحضر هذا الأخير، كما لا أختلف مع من يعتبرون الإبداع تعبير عفوي و منطقي عن مكبوتات المجتمع و تمظهراته السوسيولجية التي يتم تصويرها و إخراجها بقالب مغاير من منظور ابداعي فني تُستعمل فيه كل أشكال الفن من مسرح و سينما و موسيقى و فن تشكيلي من منطلق وجهات نظر المبدعين.
لقد أصبحت الأعمال الفنية المغربية تعج بمفردات لم يعهدها أهل الفن في السابق فأصبح الذبح و السلخ و التعنيف و التباهي بشرب الخمر و ممارسة الفساد و الدعوة للإنتقام من الآخر سواء أكان رجلا أو امرأة و الدعوة للكذب و التضليل و المراوغة في تعاملات الجمهور و في علاقاته مع الآخرين و هو وضع يجعلنا نتساءل عن أهمية مثل هذه المواضيع و المفردات المستعملة و الإضافات التي يتوخاها أهل هذه الأعمال من وراء إدخالها في عمله؟
في هذا الاطار لا نحتاج لشيء خارق لنخلص إلى كون الساحة الفنية بالمغرب تقتات من كلمات و ألحان سوقية و منحطة و تعيش فترات متذبذبة و غير واضحة و تُطرح حولها مجموعة من الأسئلة التي تتمحور حول مضمون العمل و الإبداع الفنين و الرسالة التي يحملانها و كذا حول الشكل و الطريقة التي يُقدمان بهما للجمهور المتلقي لأن الفن كما يُسوق له ابداع يحمل في جعبته رسائل نبيلة أو بتعبير اخر"الفن رسالة".
و لكوننا مجتمع منغلق على نفسه بدأ يتنفس الحرية في الآونة الأخيرة فقد أضحى الإعتماد على الجسد و على كلمات مستفزة في غالبها لمشاعر الشباب و تضمين بعض الأعمال الفنية إيحاءات جنسية و عبارات جريئة أكثر من اللازم سمة تطغى على عقلية بعض مبدعينا الذين يحاولون عبر كل الوسائل الوصول إلى الشهرة و لو على حساب نقاء و نبل ما يجب أن يقدمونه من ابداع يليق بمجتمعهم و بمبادئه لأن ما يزيد شهرتهم مرتبط بالأساس بعدد المشاهدات التي يحصل عليها عملهم على مواقع التواصل الاجتماعي كيوتيوب و الفايسبوك و هو أمر يتجاوز حرية الإبداع ليصبح تحريضا و دعوة غير مباشرة لممارسة أعمال مشينة ينبذها المجتمع رغم تعايشه معها و رغم إقرارنا بالمرض الأخلاقي الذي ينخر جسده والذي يستوجب التدخل سريعا للمحافظة على التاريخ الثقافي و الفني الغني و المتزن لبلادنا.
ويلاحظ في الساحة الفنية المغربية و خصوصا السينمائية و الغنائية ظهور أعمال يطغى على محتواها طابع العنف اللفظي و استعمال أساليب شعبوية و سوقية لا تمت للفن بصلة و التي لا تتوافق و الطابع الهاديء و المتزن الذي يجب أن يطبع العلاقات الإجتماعية و الإنسانية و ذلك بالتحجج بكون الفن ابن بيئته ترافعا على المستوى الرديء لما يُكتب و ما يُسوق له في مضامين بعض الإنتاجات الفنية. و إذا كان المجتمع فعلا يعاني من انحطاط و انحلال خلقيين تظهر ملامحهما جلية في كلامنا و لباسنا و معاملاتنا كمجتمع تائه فقد بوصلته فإنه من المفترض إن يلعب الفن دورا فعالا في توجيهه للطريق الصحيح لا أن يُعمق عدم توازنه الهوياتي و الخلقي و التربوي.
و حتى لا أكون مجحفا في حق البعض، فجمهور الأغاني الشعبية و الشعبوية إن جاز لي وصفها بذلك بدأ يتكاثر و لا أحد يُنكر تأثيرها على المغاربة قاطبة و خصوصا في مناسباتهم الإحتفالية و يجب بالتالي احترام ذوق هؤلاء و هذا الذوق في مجمله يعكس جانبا من الجو العام الذي يسود علاقاتنا ببعضنا البعض و يشكل بذلك التوجه العام للفن الذي تبحث عنه فئة عريضة من المغاربة.
في كل مرة يُطرح فيها للنقاش المشهد الفني المغربي أول ما يتباذر الى الذهن و يُزكيه بالخصوص من عاشروا أهل الفن الجميل و الرزين هو مظاهر الحسرة و الحنين لماض جميل كانت فيه للكلمة مغزى و كان المحتوى يحترم ذوق المتلقي و يتم اختياره بعناية بعيدا عن كل رغبة في تهييج مشاعر الناس و استفزازهم بإيحاءات أغلب مضامينها تنحرف عن الهدف الأسمى الذي يفترض أن تستهدفه هذه الأعمال الفنية.
و هنا تُطرح اشكالية المراقبة و الرقابة الواجب ممارستها على الأعمال الفنية ليس لتكميم أفواه المبدعين و منعهم من اصدار أعمالهم الفنية و لكن للجم تلك الأفواه التي تتفوه بكل ما هو خادش للحياء و كل ما من شإنه أن يمس الطابع المحافظ لمجتمعنا و يُزعزع استقراره بألفاظ أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها نابية و رديئة تدعو للفجور و ممارسة كل أشكال الإنحلال الخلقي و التفرقة بين الجنسين و تهييج الصراع الجنسي بين الرجل و المرأة و كذا تضمن مجموعة من الأغاني تمييزا بين بعض جهات المغرب من قبيل تفضيل جهة على حساب جهة أخرى و مدح قبائل بعينها دون أخرى ، الخ.
في ظل هذا التيه الفني و المبالغة المفرطة في استعمال الفاظ نابية و دعوة بشكل مباشر او غير مباشر لممارسة أعمال في غالبها منبوذة و خادشة للحياء أظن أن المسؤولية في مواجهة هذا التوجه الفني الشعبوي المنحط تقع على كل الأطراف المعنية من وزارة الثقافة و المبدعون المغاربة و كتاب الكلمات و دور التسجيل و الموزعون. و حتى يكون العمل الفني هادفا و يكون بالفعل حاملا لرسالة فنية تستهدف اصلاح ما يمكن اصلاحه لا أن يقوي الانحلال و التفرقة على مبدعينا ان جاز فعلا نعت بعضهم بهذا الوصف احترام ذوق أغلب المغاربة و مراعاة مشاعرهم و هويتم المحافظة.