يوسف الإدريسي
كان واضحا من خلال حلقة الأربعاء من البرنامج الحواري "مباشرة معكم" الخاص بالجهوية المتقدمة، استئثار المثقفين ضيوف الإعلامي جامع كلحسن بالحديث عن جهتي درعة تافيلالت وطنجة تطوان مطالبين بتمديد النقاش بشكل ينسجم مع المقاربة التشاركية وأيضا فعل إجرائي يتغيا منه إنجاح المشروع الجهوي تجنبا لأي تشويش من شأنه إفشال التجربة ومن ثمة إعطاء الرافضين للتقسيم الجديد فرصة الطعن والنيل من مجهودات النخبة الحداثية.
وما أثارني فعلا، إضافة إلى تغييب الإشكالات التنموية والاقتصادية للجهات الأخرى المصنفة بخانة المغرب غير النافع، تحميل قسط كبير من المسؤولية للمواطن المستضعف وتجريمه بشكل ضمني إن هو ابتعد عن الانخراط والتسجيل في اللوائح الانتخابية الضامن لإنجاح المشروع، وكأن هذا المواطن هو من أفشل المخططات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والتعليمية منذ تاريخ ما بعد الاستقلال. سيناريو الأحكام الجاهزة يتكرر كلما تعلق الأمر بتسويغ الإخفاقات والفشل التدبيري في تنمية الأقاليم المعزولة سياسيا وجغرافيا.
فإذا أخذنا إقليم اليوسفية على سبيل المثال لا الحصر، الذي سيلحقه التقسيم الجديد إلى جهة مراكش أسفي بعد أن كان مرتبطا ارتباطا جينيا بإقليم أسفي، جاز لنا أن نتساءل عن مدى استفادة اليوسفية، جماعة أو إقليم، من انتمائها إلى إقليم أسفي سابقا وجهة دكالة عبدة لاحقا، ما هي الإضافة النوعية التي سجلتها المدينة في الشأن الاجتماعي والاقتصادي سوى التهميش والبطالة والاستنزاف، علما أنها تعتبر دعامة أساسية في الإنتاج الاقتصادي الوطني.
بالمقابل، إذا عمدنا إلى توجيه النقاش مطالبين، في إطار التصور التشاركي، بتأسيس لجنة استشارية تتكون من مختلف هيئات المجتمع المدني للنظر في المستقبل الجهوي لإقليمهم الذي يتهدده ترسيخ القضية الجدلية "المغرب النافع وغير النافع"، في هذا الموقف من سننتدب من مكونات المجتمع المدني للدفاع عن هذا الحق في ظل مشهد جمعوي محلي أريد له أن يظل عليلا يقتات من فتات مائدة المتنفذين، أمام تعدد أجوف لا يوحي إلى الرّقي الفكري بقدر ما يوحي إلى استفحال ظاهرة الاستنساخ والتفريخ الذي يراد بها تمييع المشهد الجمعوي وخلط الحابل بالنابل والصالح بالطالح من أجل إفراغ العمل الجمعوي من مضمونه وجوهره وأهدافه ومراميه النبيلة. فإلى متى سيظل مجتمعنا المدني خارج تغطية الأحداث؟؟
إن صيغة التساؤل الأخير تنطوي على نوع من التصور الملتبس لإرادة أطياف المجتمع المدني باليوسفية، في تكتيل الجهود وتغليب مصلحة اليوسفيين على النزعة البراغماتية التي تركز في بعدها الإجرائي على النتائج والمآلات بدل اهتمامها بالوسائل والكيانات. فأكثر المتتبعين المحليين شؤما لم يكن يتوقع أطوار الحلقة الأخيرة التي انتهت بها "قضية الموظفين الثلاث" على الأقل في شكلها الدفاعي حيث انبرت الإطارات المحلية إلى مساندة الموظفين أصحاب الحق المشروع الذي لايحتاج لا لاعتذار ولا لانتظار، من خلال سابقة تنسيقية ثمّنها الكثيرون. لكن أفرزت في نفس الوقت سيناريو ناجحا للسلطة الوصية ابتدأ بإقصاء جزء مهم من الجسد التنسيقي أمام مرأى ومسمع نخبة المدينة، وانتهى بانفراد السلطة بنَوْل خيوط الحوار، وتحويره في اتجاه التشكيك في قدرة الإطارات على انتزاع حقوق المستضعفين.