عمر زيادي هذه طنجة الجميلة ببناياتها الشامخة و جوها الرطب البارد.ركبنا الحافلة المتجهة إلى أكادير.كانت ستنطلق للتو، فإذا بمساعد سائق حافلة أخرى يصعد ترافقه فتاة اقتربت من الثلاثين سنة. خاطبنا بعفوية و دون مقدمات: " أيها الركاب، من فضلكم هذه المرأة متجهة إلى وجدة ولا تملك ثمن التذكرة. من جهتنا نحن فقد نقصنا لها 50 درهما، فإذا تفضلتم أنتم فأكملوا الباقي ستنطلق حافلتنا الآن"، ثم أضاف بأنها مسكينة وبأنها تستحق العطف و المساعدة و أننا نحن لا ندري أنصل أم لا...ثم نزل من الحافلة ليعطي للمرأة الفرصة كي تكمل أسلوب الإقناع و محاولة كسب شفقة الركاب مع مدهم بالدعوات و عبارات الامتنان. لكنها لم تبذل جهدا كبيرا. فقد امتدت الأيادي بسرعة إلى الجيوب دون أن تدري و انهالت عليها النقود من كل جانب.رأيت أناسا يستحقون الصدقة لكنهم أثروا على أنفسهم ودفعوا لها ما جادت به نفوسهم حتى نزلت فرحة مسرورة. انطلقت بنا الحافلة وكان الكل سعيدا مستبشرا الخير خصوصا أنهم نفسوا كربة عن مسلمة. و بعد ساعات توقفت بنا في الرباط و انتظرنا قليلا كي تكمل طريقها. وما هي إلا لحظات حتى صعد الحافلة شاب معه امرأتين و يدعي أن حافلتهم تتجه إلى الرشيدية وأنه يلزمهما ثمن التذكرة وأنه سمح لهما بعضا منه... الخلاصة أننا لم نستطع سوى تبادل النظرات من شدة الدهشة فلقد عشنا نفس الحديث وهناك فقط عرفنا أنه مجرد مسرحية. رغم ذلك حصلت المرأتان على المال خصوصا من ألئك الذين صعدوا في الرباط، لتكمل الحافلة طريقها إلى وجهتها وسط استياء البعض و ندم البعض واعتبار البعض الآخر ذلك صدقة مقبولة. بعد مرور شهرين و بمناسبة عطلة العيد السعيد،توجهنا إلى المحطة الطرقية بحماس و فرح زائدين،لكن ما إن وصلنا حتى أحسسنا بالمرارة و القلق و الحزن لما شهدناه من فوضى وازدحام وارتفاع للاثمان واستغلال دنيء لنا من مساعدي السائقين و من" الكورتية". لم نكترث لكل ذلك ورغم كل شيء صبرنا مثل الكثيرين و حجزنا مقاعدنا ثم توكلنا على الله و امتطينا الحافلة لأن ساعة انطلاقها اقتربت. في هذه اللحظات صعد الحافلة شاب كنا قد رأيناه يبيع التذاكر، وبصحبته شخص.اتجه إلينا" الكورتي" بالكلام: هذا الشخص يا إخواني كان متجها إلى أسا الزاك هو و زوجته وأبناؤه لكن اللصوص أخذوا له كل ما يملك و هو ألان لا يملك النقود الكافية كي نوصله إلى مدينته. نحن تكرمنا عليه بمقعد مجانا و الباقي هو يطمع في كرمكم و جودكم، ثم نزل كالعادة و ترك النصاب يكمل نفس المسرحية التي عدنا نحفظها. جمع الرجل 500 درهم على الأقل ثم انصرف شاكرا. حينها أكد لنا أحد الركاب أنه وقع له مثل هذا في أحد الأيام ولما نزل من الحافلة وجد الكورتي و شريكه يقتسمان ثروتهما فانهال عليهما بالشتم وكشف لعبتهما فنزل من بالحافلة و استرجعوا أموالهم. وهنا ندد الكثيرون بهذه السلوكيات التي لا تختلف أبدا عن السرقة ولا عن الاعتداء في وضح النهار على أرزاق المواطنين و ممتلكاتهم. وتأسفنا أيضا لكون أشخاص موثوق بهم في المحطة الطرقية يشاركون في مثل هذه الجريمة، بل تأسفنا أكثر كون البعض لا يهمه أن يأخذ أموال أناس هم في أمس الحاجة إليها دون أن يؤنبه ضميره.فالخير لازال الحمد لله يعم بلادنا، والمغاربة رغم الحاجة وكثرة الديون لا يترددون في مساعدة الأخر بتلقائية و طيب خاطر،لكن للأسف لازال أيضا في بلدنا النصابون و المحتالون والانتهازيون وقساة القلوب.