اسماعيل حروش
لا أعتقد أن أي أحد منا يصبر على الانتظارات المتكررة التي نكابدها بالمؤسسات المغربية. والأخطر في الأمر أن ولوج هذه المؤسسات الإدراية تحول إلى هاجسا يؤرق المغاربة بسبب البطء الشديد في عملية الخدمات العمومية؛ فمن أجل الحصول على وثيقة بسيطة تضطر أحيانا لانتظار ساعات وساعات، هذا إذا لم تسقط في الفخ البيروقراطي نظير التسلسل الهجين بين المؤسسات الإدراية، مما يجعلك تنتظر أيام أو أسابيع.
ظهرت البيروقراطية في أوربا كنظرية من أجل تنظيم الإدارة قصد تسهيل خدمات المواطنين؛ إذ تجد الرئيس في أعلى الهرم الادراي، يليه موظفين كبار ومنه موظفين بسطاء. ولكي تحصل على وثيقة ما في ظل التنظيم البيروقراطي الأوربي فأنت غير مضطر للوصول إلى أعلى الهرم، بل تقتصر على أول موظف بسيط تجده أمامك. وبفضل النجاح الذي تحقق بهذه النظرية الجديدة، علمت أوربا على برقرطة الجيش ثم الاقتصاد.. وصارت هذه مجالات بفضل البيروقراطية معقلنة إلى درجة غاية في الاتساق. أما البيروقطرية عندنا فتحولت إلى عائق يحول دون تنظيم هذه الخدمات؛ فإذا ما أردت الحصول على الوثيقة عينها فأنت مطالب بأن تنتظر وتنتظر حتى تصل تلك الوثيقة من أبسط مصلحة إلى أعلى هيئة، الأمر الذي يفتحك على ظواهر أخرى مثل الرشوة أو المحسوبية والزبونية من أجل وثائق بسيطة جدا.
أعتقد أننا جميعا نوافق الفيلسوف نيتشه على مقولته حول الانتظار "إذا أردت أن تقتل شخصا ما اجعله ينتظر". هذا الاحساس بالموت البطيء الذي يعترينا دائما - نظير الانتظار الذي نكابده خاصة حينما نلج المؤسسات العمومية - لا يقتلنا حقا، بل يقتل الصبر فينا؛ إذ تسمع دائما عبارة "انتظر المدير ذهب لتناول وجبة الغذاء، خطأك أنت الذي أتيت في وقت الغذاء" أو تسمع "المسؤولة عن تقديم الخدمات مشغولة بأمور أخرى مع السيد المدير". ترى ما نوع هذه الخدمات؟ وهل هي خاصة أم عامة؟ هذا النوع من الأسئلة يُشغل تفكيرك حينها ويساعدك على قضاء نحب صبرك. لكن الشيء المثير للدهشة هو أنك تخرج فرحا مسرورا عند قضاء أغراضك الادارية؛ فعوض أن تصرخ في وجوههم وترميهم بالأوراق تميل إلى الاستكانة والهدوء. أليسوا هم من أغذقوا عليك بتلك الأوراق والطوابع؟ ثم أين هو الجسد الذي سيقوى على مجابهتهم؟ ألم يعلن نيتشه عن وفاته قبل قليل نظير الانتظارات المتكررة.
كحل سريع لهذه الظاهرة، أقترح أن يكتب على واجهة الادرات المغربية على طريقة الحافلات: المرجو الانتباه.. انتظار متكرر.