محمد اليونسي
حسب التقارير الاخيرة للامم المتحدة حول التنمية البشرية فإن :
- ففي 104من البلدان النامية،يعيش 2،1مليار شخص على 25،1دولار أو أقل في اليوم.
- عدد الاشخاص الذين يعانون من الفقر المتعدد الابعاد في 91 بلدا يقارب 5،1 مليار شخص.
- يعيش قرابة 8،0 مليار شخص على حافة الفقر.
- ثلثي سكان العالم الاشد فقرا يحصلون على أقل من 13%من الدخل العالمي،وبينما ينعم الاشد ثراء ونسبتهم 1% حولي 15% تقريبا من هذا الدخل.
- و تعادل ثروة 85 شخص في العالم الاشد ثراء مايملكه نصف سكان العالم الاشد فقرا.
- ما بين عامي1990و2010 ارتفع معدل عدم المساواة في الدخل في البلدان النامية بنسبة11%.
هذا باختصار صورة مصغرة لعالم معولم،لعالم نهج سياسة الليبرالية المتوحشة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي.
إن هذا الوضع المتسم لامحالة بعدم المساواة والتوزيع الغير العادل للثروة سيؤدي لامحالة إلى ظهور حالة من الاحباط والتهميش عند غالبية ساكنة هذا العالم الغير المنصف.
يجب التمييز بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية.
فالنمو الاقتصادي يعني الارتفاع الكمي للبضائع بما فيها الممتلكات والخدمات المنتجة والمبيعة داخل زمن محدد(السنة) الذي يترجم بعد ذلك الى تزايد الدخول.
أما التنمية تعني مجموعة من التغيرات الانتاجية والاجتماعية بهدف تحسين شروط الوجود الانساني لساكنة معينة بصفة عامة.
إذن التنمية البشرية هي تنمية ملائمة للمتطلبات الاجتماعية ،الاقتصادية ،السياسية،الثقافية والبيئية.
لايجب الخلط بين النمو والتنمية،فالاولى مرتبط بحجم الانتاج الكمي أما الثانية فلها ارتباط بالتحسن الذي يصيب الحياة المعيشية للناس بكل ابعادها،بمعنى كل تقدم اقتصادي يجب ان يكون في خدمة التنمية.
فحسب النمودج الكلاسيكي فان التقدم الاقتصادي يصبح ضرورة اساسية ووحيدة بالنسبة للدول بوضع سياستها الاجتماعية والبيئية.
فحسب هذا المنظورفان عجلة التقدم الاقتصادي تنتج قيم إضافية بفضلها تستطيع الدولة الاهتمام أكثر بالطبقات الاكثر هشاشة وكذلك تمويل المشاريع ذات العلاقة لمكافحة التلوث.
فقد كانت ومازالت هناك انتقادات واسعة وجهت لهذا النموذج لكونه لايولي أي اعتبار للنظام الاجتماعي والبيئي فهدفه الاول هو الانتاج الصناعي لتسريع وتيرة التقدم الاقتصادي دون مراعاة تأثير ذلك على الحياة المعيشية والبيئية للناس.
إلى أن جاء مؤتمر نادي روما في سنة 1972 والاعلان كون الانتاج الاقتصادي ضروري ولكن من الاجدى توجيهه لوجهة أفضل والاهتمام أكثر بالتنمية البشرية.
فالبحث عن التقدم الاقتصادي كمصدر لتلبية الحاجيات الاساسية الانسانية أدى بالباحثين إلى إحداث مؤشر الثروة PNB(الدخل الوطني الخام) وآخر خاص بالحياة المعيشية الفردية المرتبطة بPIB(الدخل الفردي الخام).
ولكن بعد اللقاءات حول مآل الكرة الارضية وإنسانية مازالت تراهن على الانتاج الصناعي الكمي قصد تحقيق تقدم اقتصادي هام بهدف تلبية الحاجيات المتزايدة للسكان،فأصبح من الضروري اعتماد مؤشرات أخرى غيرPIB لقياس درجة التحسن المعيشي للناس.
لهذا منذ 1990 أصبحت كل التقاريرالخاصة بالتنمية البشرية مهتمة أكثر بالانسان وجعله محور كل تنمية.
فأصبح بذلك ينظر للسياسات العامة خصوصا المتعلقة بماهو اقتصادي انها ليست غاية في حد ذاتها ولكن وسيلة لتحقيق هدف أنبل ألا وهو تكريم الانسان وتحصينه ضد كل إقصاء او تهميش.
إن المقاربة الجديدة المعتمدة للتنمية المستدامة ترتكز على الاساسيات التالية:الاجتماعي،الاقتصادي والبيئي الذي أصبحت معتمدة منذ مؤتمرRio سنة 1992(القمة العالمية حول التنمية المستدامة) والاعتراف بالتداخل البنيوي التعاضدي بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والحفاظ على البيئة.
فحسب المؤشرات المعتمدة عند الامم المتحدة فاننا نجد 134 مؤشر:الاجتماعي(41 مؤشر)،الاقتصادي(23 مؤشر)،البيئي(55 مؤشر)و المؤسساتي(15 مؤشر).
أما L’IDH مؤشر التنمية البشرية المعتمد من طرف PNUD:برنامج الامم المتحدة للتنمية فنجده يعتمد على ثلاث ابعاد:
- البعد المرتبط بالقدرة للتمتع بحياة طويلة وصحة جيدة.
- الولوج للتربية وللمعارف.
- التوفر على موارد مادية كفيلة بتحقيق حياة كريمة وشريفة.
وحسب أمارتيا صين الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد،في كتابه نموذج اقتصادي جديد2003 ،اعتبركون التنمية الاقتصادية ماهي إلا صيرورة لتوسيع مجال الحريات التي يتمتع بها الافراد.فيلخص كل هذا في المقولة التالية: التنمية حرية.
بمعنى أن التنمية البشرية دافعها الاساسي هو توسيع الخيارات عند الافراد ورفع كل العوائق التي تعرقل حرية الفرد وتمكينه من كل المقومات التي تجعله فاعل في صنع القرار وتقييمه.
فالحرية والامان تحقق للانسان حياة مليئة بالآمال والاحلام وممارسة خياراتهم بشكل فعال وناجع.
وفي الاخير،ان الاهتمام بالناتج الوطني الخام ،نسبة النمو،نسبة العجز التجاري والاحتياطي من العملة الصعبة،كل هذا مهم ويلعب دور كبير في تمنيع الاقتصاد ولكن السؤال الواجب طرحه هو:
كيف يمكن جعل الافراد يمتلكون موارد مادية ومعنوية تجعلهم قادرين ان يكونوا على مسافة من المخاطر التي تهدد صحتهم وتعليمهم وامنهم وحريتهم.