سابينتو يعانق اللاعبين بعد الفوز على تواركة وغضب الجماهير يلاحقه

سابينتو أنا مستعد لمغادرة الرجاء ولم أجد الظروف الملائمة للاشتغال هنا

بنكيران يكشف حقائق مثيرة عن حياة الحقوقي عزيز غالي ويقدم له نصيحة العمر

آيت منا رفقة زميله في حزب الأحرار شوكي يساندان الوداد من المدرجات

أرضية العربي الزاولي في حالة كارثية قبل مواجهة الرجاء واتحاد تواركة

النقل السري يدفع سائقي سيارات الأجرة للاحتجاج في الجهة الشرقية

هل المرأة "حواء" ضلعة عوجاء !؟

هل المرأة "حواء" ضلعة عوجاء !؟

زكرياء بن حمو

 

كثيرا ما نسمع في مجتمعاتنا "الذكورية" شتائم تنتقص من قدر المرأة وكلمات تحط من شأنها وتحتقر وظيفتها في الحياة؛ حتى صارت في عرف الناس مسلمات وحقائق لا تناقش؛ والمصيبة الكبرى حينما يستدلون على ذلك بنصوص دينية غير صحيحة أو مفهومة بشكل خاطئ ومقلوب. مثال ذلك كلمة ترددها الألسن وتلقيها في وجه المرأة كلما تجرأت على إبداء رأيها الشخصي ووجهة نظرها المختلفة: "المراة غير ضلعة عوجا".

هذه الجملة لو كانت مستقاة من التراث الشعبي أو الفكر البشري لكان من السهل ردها وعدم اعتبارها مهما كان قائلها؛ لكن حين نبحث ونحقق في مصدرها نجد أنها مبتورة من حديث شريف أسيء فهمه وتم استغلاله بشكل بشع يبرأ منه الإسلام ولا يقبله الشرع الحكيم ولا العقل السليم. وبالتالي فمهمتنا -كحماة ومدافعين عن سنة النبي الأمين-إزاحة الغبار عن المعنى الصحيح لهذا النص النبوي الذي أثار ضجة كبرى واستشكالات ملحة.

والسبب الذي دعاني واستحثني لدراسته والتحقيق فيه ما أثير حوله من نقاش حاد جعلت الناس حوله ينقسمون إلى مصدق مسلم به يفهم منه جواز إهانة المرأة واحتقارها لأنها مجرد"ضلع أعوج"، وبين مكذب به وطاعن في صحته ومسقط له لأنه لا يتوافق-حسب ظنه-مع مبدإ التكريم الذي أعطاه الله منحة للذكر والأنثى على السواء:{ولقد كرمنا بني آدم}(الإسراء:70).

وهناك قسم ثالث وهم الأقل: تجرءوا- بشكل غير مسبوق-فتوجهوا بالنقد الجارح والطعن المباشر إلى قائله الذي لا ينطق عن الهوى، صاحب الرسالة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام. فها قد خرجت علينا إحدى الشاعرات المناضلات-بزعمن- عن حقوق النساء متطاولة في وقاحة سافرة على مقام خاتم الأنبياء قائلة بنبرة التحدي والكبرياء:

ملعون يا سيدتي من قال عنك:

من ضلع أعوج خرجت

حقا لقد صدق الشاعر حين قال: وكم من عائب قول صحيح        وآفته من الفهم السقيم   

لأجل هذا كان من الواجب معالجة هذا "الفهم السقيم"، حتى تتضح الحقيقة للناظرين.

أ.مصدر الحديث: ورد هذا الحديث في مجموعة من دواوين السنة المعروفة، ورواه ثلة من رواة الحديث الموثوق بعلمهم وبألفاظ متقاربة، منهم: البخاري ومسلم وابن حبان والترمذي وأحمد والحاكم والنسائي والدارمي والحميدي رحمهم الله في كتبهم عن مجموعة من الصحابة: أبو هريرة، أبو ذر، سمرة بن جندب رضي الله عنهم. فالحديث إذن لم ينفرد به راو واحد أو صحابي واحد بل اشترك في سماعه وروايته وتخريجه جمع من أهل الثقة العدول.

ب. نص الحديث وتوثيقه: وسنركز على رواية البخاري لهذا الحديث لأن سهام الطعن موجهة إليه هذه الأيام، فلنتأمل فيها بتأن قبل أن نصدر الأحكام ونتعجل بالاتهام. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع،وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء"(صحيح البخاري- "كتاب أحاديث الأنبياء"- باب "خلق آدم صلوات الله عليه وذريته"- المجلد الثاني- ص:426- طبعة دار الفجر للتراث بالقاهرة 2005-رقم الحديث 3331).

ج. إشكالات في معنى الحديث: بمجرد قراءتنا الأولى لنص الحديث كاملا يزول كثير من الإشكال والغموض، فالحديث جاء في سياق الأمر للرجال بمعاملة النساء بالحسنى والرفق بهن والتلطف معهن ومعاشرتهن بالمعروف ومقابلة ما قد يصدر عنهن من أذى بالإحسان والجميل؛ فقد بعث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في زمان تدفن فيه الأنثى لأنها أنثى، وتعامل فيه معاملة المتاع والحيوان.       فهذا الحديث ثورة كبرى على الظلم الواقع على المرأة قديما وحديثا؛ وبالتالي فليس فيه إهانة للمرأة أو احتقار لها كما فهم الكثيرون، يدل على ذلك تكرار جملة:"استوصوا بالنساء خيرا" مرات عديدة.      وكيف يصدر من الذي أرسله الله رحمة للعالمين إساءة إلى التي أخرجت العالمين من بطنها وهي المرأة.  إذن فما معنى كونها خلقت من "ضلع"؟؟ الجواب أن ذلك إخبار عن واقعة وحال وليس قدحا أو شتما: فكما أن أول البشر آدم عليه السلام خلق من طين، فإن زوجه حواء خلقت من ضلع؛ هذا غاية ما في الأمر.        

 وقد يراها البعض من زاوية أخرى فيقول مستغربا: "ليست هناك مساواة منذ البداية ! لماذا لم تخلق حواء من طين هي الأخرى؟ أليس خروجها من ضلع آدم إشارة إلى أن المرأة مجرد فرع تابع للرجل؟" وقد تولى الحق سبحانه رد هذا الإشكال فقال:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}(الروم:20).                                فالله سبحانه خلق الأنثى من الذكر حتى يميل وينجذب أحدهما إلى الآخر فيحصل بينهما من المحبة والسكينة ما تحلو به الحياة و يصفو العيش ويستمر الوجود البشري، ولولا ذلك لانعدم التقارب بينهما وحصل النفور والوحشة؛ وكلما تذكر الرجل أن المرأة جزء منه وقطعة من نفسه كان ذلك أدعى له إلى مزيد من العناية بها والعطف عليها والحرص على بقاء الود والرحمة عنوانا للعلاقة بينهما؛ ثم يصف الله من لم يفطن إلى هذه الحكمة البالغة بقلة التأمل والسطحية في التفكير.                                                           ويرد هنا إشكال آخر مطروح: "إذا كان لا بد أن تخلق حواء من آدم، فلماذا اختار الله من سائر جسمه ضلعا أعوج قصيرا-كما قال المفسرون-هو أصلها وبدء تكوينها؟ أليس في ذلك تصغير من شأنها؟ "    هنا نقول: أن من إعجاز الله وقدرته المطلقة في الكون أنه يخرج الحي من الميت، ويخلق الشيء العظيم الجليل من شيء مستصغر و ضئيل ؛ ألم تر إلى النخلة الباسقة الشماء الممتدة في السماء يخرجها الله من نواة ترمى ولا يلتفت إليها لضآلة حجمها وشأنها؟ كذلك الإنسان يدخل إلى الرحم قطرة ماء ويخرج منه إلى الدنيا مخلوقا مستويا مكتمل النماء ! {فتبارك الله أحسن الخالقين}(المؤمنون:14).                            

  وقد أطنب المؤرخون وأهل السير في وصف الضلع الذي خرجت منه حواء إلى الوجود؛ ومما يلفت الانتباه من ذلك قولهم  أنه من "أضلاع الجهة اليسرى مما يلي القلب"؛ ولا يخفى ما في هذا الوصف الدقيق من لمسة حانية رقيقة تستدعي التأمل فيها مفادها: أن المرأة حارسة القلوب، فهي المؤنسة لفؤاد زوجها ينسى حزنه وتعبه بابتسامتها، وهي الأم الرؤوف بأولادها تظلهم بعطفها ويفزعون إلى حضنها الدافئ الأمين. 

ومما يجدر ذكره هنا أن بعض علماء الإسلام تبنوا رأيا مخالفا في هذه المسألة فنفوا من الأساس فكرة خلق حواء من ضلع آدم، وحجتهم أن ذلك مقتبس من الإسرائيليات والأحاديث التي لم تثبت صحتها ولا يصلح الاستشهاد بها؛  وقالوا في تفسير قوله عليه الصلاة والسلام:"فإن المرأة خلقت من ضلع" أنه لا يراد به حقيقة الضلع بقدر ما هو كناية وإشارة مجازية إلى خصائصها النفسية المختلفة عن خصائص شقيقها الرجل؛ وهذا منهم رأي محتمل وجيه لا يعدم نصيبه من الصواب.

و إن افترضنا جدلا صحة القصة فليس فيها ما يجرح كرامة المرأة ويسيء إليها البتة؛ فالإنسان في الأصل ليس إلا خليطا من ماء وطين، فهل سلبه ذلك سيادته على الأرض أو أفضليته على المخلوقين، فمعدنه المتواضع لم يحرمه مكانته ولا قول الله في حقه:{لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}(التين:04).                                         

بل إن في ثبوت هذه الواقعة انتصارا للمرأة وتفضيلا لها على الرجل من وجوه ثلاثة:                        الأول أنها خرجت من شيء حي ولذلك سميت ب"حواء"، أما "آدم" فهو نسبة إلى أديم الأرض الخالي من الحياة.                                                                                                    الثاني أن الله سواها من ضلع الإنسان، بينما الرجل من تراب تطؤه القدمان.                               الثالث أن العوج الذي فيها ليس منها بل هو من ضلع الرجل؛ فمن هذه الناحية هو المعوج لا هي.

   نأتي الآن إلى النقطة الساخنة التي أثير حولها كثير من اللغط والجدل؛ ألا وهي وصف الحديث للمرأة بالضلع "الأعوج"، ومعلوم في لغة العرب أن العوج وصف ذميم وعيب ظاهر لا يقبله لنفسه أحد؛ فهل في إطلاقه على المرأة نقيصة وازدراء !؟                                                                    كما قلنا – سابقا - فإن هذا الحديث يخاطب المتزوجين من الرجال على الخصوص، فيوصيهم بحسن العشرة والمعاملة الطيبة مع نسائهم، مع وجوب الصبر والاحتمال لما يصدر عنهن من تصرف سيء أو غير لائق؛ فكأنه يقول لهم: لا تنتظروا من المرأة أن تكون لكم دائما كما تشتهون: كاملة في أخلاقها، مستقيمة في كل أمورها، معصومة من الخلل والزلل، فهي في النهاية بشر مثلكم يخطئ ويصيب.                                    إن الرجل بطبعه سريع الملل والضجر، يريد أن يكون كل شيء مستقيما، ولن يجد إلى ذلك سبيلا؛   وهذا عين ما جاء في رواية مسلم لهذا الحديث حيث قال صلى الله عليه وسلم:"إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة"، أي لن تظل معك- أيها الزوج- على وتيرة واحدة لا ترى منها إلا ما يعجبك ويسرك، وإذا طلبت ذلك فأنت حالم تطلب المحال وما لا يقدر عليه؛ فلا بد أن تبصر منها في بعض الأحيان"عوجا".

وقد يعترض البعض قائلا: "إذا كان العوج هنا يقصد به النقص البشري في الأخلاق والسلوك، ففي الرجل من ذلك ما هو أعظم ! فلماذا لم يوصف هو أيضا بأنه مخلوق من ضلع أعوج"؟                        هناك طائفة من شراح هذا الحديث أجابت عن ذلك إجابة بديعة رائعة فقالوا: أن العوج هنا ليس صفة نقص وعيب بل صفة كمال ومدح؛ فكما أن أضلاع القفص الصدري لا تؤدي دورها في حماية القلب والرئتين إلا إذا كانت ملتفة معوجة، فكذلك حواء لا ينعم بالأمن أولادها إلا إذا ضمتهم إليها وأحاطتهم بحنانها وانحنت تحميهم وتحضنهم كما ينحني الضلع الأعوج؛ فهو إذن "اعوجاج عاطفي" ضروري لنمو الأطفال نموا صحيا سليما، فالمرأة سيل متدفق من المشاعر متى انطلق في مساره الصحيح كان له أبلغ الأثر والنفع في الأسرة والمجتمع؛ وهذا هو أعظم اختلاف بينها وبين الرجل: أنها فضلت عليه برصيد  مضاعف من العاطفة ستحتاج إليه حتما في تنشئة الأجيال الصاعدة.                                                                       أما جملة :"وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه" فقد سجل ابن حجر في كتابه "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" أن فيها إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة أعلاها وهو لسانها؛ أي أن أكبر عيوبها وأخطائها يكمن فيما تتلفظ به من كلمات جارحة تنطق بها حينما تغلبها العاطفة في لحظات الانفعال الشديد، فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج أن يتحملوا ذلك من نسائهم ويعذروهم فيه لأنه من طبيعتهن وأصل خلقتهن.  ولا نقصد بهذا أن الرجل عفيف اللسان طاهر الكلمات، ولكن نقوله حماية للمرأة من أذى الزوج المتعجرف الذي لا يسمح "لرجولته" أن تمس بكلمة، ويمنعه كبرياؤه وغطرسته من تمريرها وتفويتها دون عدوان وحشي جبان، متناسيا أن الرجولة الحقة  إنما هي تسامح ومروءة وضبط للنفس وسمو بها عن الدنايا، وليست مجرد قول أو ادعاء بلا بينة.

   كذلك الرجال أعوج ما فيهم هو "أسفلهم" فأكبر عيوبهم ضعف سيطرتهم على غرائزهم الجنسية، فهم الأكثر إقداما واقترافا لجريمة التحرش والخيانة الزوجية مقارنة بالنساء؛ ولذلك قدمهم الله وتناولهم بالخطاب أولا في مقام نهيه عن فاحشة الزنا، فقال:{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}(النور:30-31). وقال:{والحافظين فروجهم والحافظات}(الأحزاب:35).  

وقد يستدرك البعض قائلا: "العقل هو أعلى ما في المرأة وليس اللسان ! وهذا الحديث فيه تلميح صريح إلى أن النساء ناقصات عقل لا يملكن من الرزانة واستقامة التفكير مثل ما يملكه الرجال ! "    

إن من يفهم من هذا الحديث أن معدل الذكاء عند المرأة أقل من الرجل، أو أن طريقة تفكيرها منحرفة بعيدة دوما عن الرشد والصواب، أو أن عقلها لعبة بيد الشيطان يحركها كيف يشاء؛ من فهم مثل هذا فهو بريء من العلم، مشوه لصورة الدين، وسوف يحاسب على ظلمه للمرأة وإساءته للإسلام.                           صحيح أن بعض الفقهاء فهموا من الحديث أن المرأة تقدم عاطفتها على عقلها عند التعارض، وهذا موجود فعلا في كثير من النساء والرجال أيضا. ولكن أن يتهموا بإهانة الأنثى بسماع مقطع من كلامهم وقراءة طرف صغير من كتبهم: فهذا ليس عدلا، بل هو بالإجحاف والتجني أولى وأليق.                ومع ذلك فكلامهم لا يسلم من الخطإ، وقد يحتاج إلى تصحيح وتجديد. فجهدهم مذكور، وسعيهم مشكور، ولمن بلغ مثل علمهم حق الرد عليهم.

   إن أهم رسالة يريد أن يوصلها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم من خلال هذا النص: أن هناك اختلافا جذريا بين طبيعة الرجل والمرأة مصداقا لقوله تعالى:{وليس الذكر كالأنثى}(آل عمران:36).      

       فحين يجتمعان معا تحت سقف واحد من أجل تكوين أسرة فليس ذلك بالأمر الهين السهل، فكل منهما عليه واجبات ومسؤوليات تناسب تكوينه البيولوجي والنفسي، كما أن هناك خطوطا حمراء يجب عليهما احترامها وعدم تخطيها وتجاوزها؛ وحتى تنجح هذه الشركة في إخراج جيل صالح ومفيد للمجتمع فلا بد من امتثال مجموعة من التوجيهات والتوصيات التي جاء بها القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ ومن بينها هذا الحديث الذي بين أيدينا.                                                             ثم ينتقد النبي صلى الله عليه وسلم طريقة الرجال المتسرعة في تصحيح ما يرونه خطأ في سلوك نسائهم فيقول موجها ناصحا: "فإن ذهبت تقيمه كسرته"، أي فلتكن-أيها الزوج- متوخيا الحذر ملتزما بالرفق واللين وطيب الكلام إذا ما أردت إصلاح عيب في شريكة حياتك؛ أما إذا اتخذت الهجوم والقسوة أسلوبا لك فسوف تكسرها وتحدث جرحا عميقا في نفسيتها قد لا يندمل ولا تزول آثاره مدى الحياة.                          وهذه حكمة أخرى من تشبيه المرأة بالضلع، فكلاهما سهل الكسر إن أردت تقويمه بعنف؛ وقد تصل خطورة هذا الكسر إلى حد تمزق الأسرة وانفراط عقدها وهدم بنيانها، وقد جاء ذلك صريحا في رواية مسلم لهذا الحديث: "وكسرها طلاقها".

 وقريب جدا من هذا قوله عليه الصلاة والسلام في حديث آخر موصيا بالنساء: "لا تكسر القوارير"     (صحيح البخاري ح6211)؛ فشبههن بقارورة الزجاج تنكسر أشلاء إذا وقعت على الأرض.                                                                                             فالغرض إذن من هذا التشبيه النبوي البليغ بيان مدى رقة المشاعر التي تحملها المرأة في قلبها الكبير؛ وبناء على ذلك يجب على الزوج مسايرتها ومصاحبتها بالحسنى تحقيقا لأمر الله تعالى:{وعاشروهن بالمعروف}(النساء:19)، والمعاشرة بالمعروف أهم بنودها وأركانها هو الرفق الذي هو صمام الأمان والضامن لبقاء عش الزوجية صامدا في وجه العواصف والقواصف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق"(رواه أحمد في مسنده ح24427، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح1213).                                                                                      ولكن هذا لا يعني أن يسكت الزوجان عن أخطاء بعضهما دون تبادل النصح والتوجيه فيما بينهما، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن تركته لم يزل أعوج"؛ فلا بد أن يتدخل كل منهما بالتي هي أحسن فيأمر الطرف الآخر بالمعروف وينهاه عن المنكر بحنان ومودة حتى يتم إصلاح الخطأ بنجاح.                          فالعنف واللامبالاة كلاهما لا ينفع ولا يغير من الواقع شيئا، بل يزيدان الأمر تفاقما وسوءا.                

وننتقل الآن إلى قضية محورية هي السبب في نشوء الفهم السقيم الخاطئ ليس فقط لهذا الحديث بل لكثير وكثير جدا من النصوص الدينية المقدسة، ألا وهي: عدم الإلمام بفقه العربية الواسع، وقلة الوقوف على معانيها الدقيقة والعميقة؛ فبعد جولة استقصائية في معاجم اللغة قديمها وحديثها تبين لنا بالبحث والتحري أن كلمة "ضلع" بكل مشتقاتها وفروعها ترجع في أصلها إلى معنيين اثنين:                                الأول (وهو الظاهر المشهور): العوج والميل والانعطاف والانحناء.                                                          الثاني وهو الذي يجهله الكثيرون: القوة واحتمال الشيء الثقيل، تقول: هذا حمل ضليع أي ثقيل، وهذا رجل ضليع أي شديد قوي، ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم المأثور:"أعوذ بك من الكسل وضلع الدين" وهو الدين الذي يثقل كاهل صاحبه ويقصم ظهره. (أخرجه البخاري في صحيحه ح 6363 و6369).      

   ولا شك أن هذا المعنى الجديد سيضفي على الحديث نفسه فهما جديدا؛ فمن كثرة المشاق التي تواجه المرأة في الحياة والأعباء الثقيلة التي تتحملها بصبر واحتمال (من حمل وإنجاب وإرضاع وتربية للأبناء وعناية بالزوج وقيام بشؤون مملكتها المنزلية...) صور لنا النبي صلى الله عليه وسلم مدى معاناتها تلك بقوله: "خلقت من ضلع" تعبيرا عن ملازمتها الدائمة ومباشرتها اليومية لتلك الأشغال الثقال، وذلك شبيه بقوله سبحانه:{خلق الإنسان من عجل}(الأنبياء:37) ؛ فوصفه الله بأنه مخلوق من "العجلة" لأنها صفة ملازمة له قلما ينفك عنها. ولذلك أعاد النبي الرحيم عليه الصلاة والسلام قوله: "فاستوصوا بالنساء" حثا منه للرجال على مد يد المساعدة إلى أزواجهم وسيدات بيوتهم للتخفيف عنهم ولو قليلا من تلك الأعباء؛ وقد ضرب المصطفى عليه السلام أروع الأمثلة في ذلك، فها هي زوجته عائشة رضي الله عنها تسأل عنه: " ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه في بيته؟ فتجيبهم قائلة: "كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة " في مهنة أهله أي في خدمتهم وإعانتهم (أخرجه البخاري أيضا في صحيحه ح 676 و 5363 و 6039).      

وقد ينفتح الباب لاعتراض آخر يقول:" وهل كتب على جبين المرأة وحدها الشقاء والنصب حتى توصف بأنها خلقت من المتاعب والمصاعب؟"  طبعا لا، فذلك يشمل الإنسان ذكرا وأنثى، وتلك حال الدنيا دار منغصة لا تدوم اللذة والسرور فيها لأحد، وإنما اختصت الأنثى بمهام لا دخل للذكر فيها.               قال ربنا عز وجل:{لقد خلقنا الإنسان في كبد}(البلد:04) أي في شدة ومشقة وكد في طلب المعيشة.         

الخلاصة: إن أهم نتيجة نخرج بها من هذه المقالة أن هناك عددا من الأحاديث في صحيح البخاري يوحي ظاهرها بانتقاص المرأة وتهميشها والحط من قدرها ، ولكن بعد وضعها تحت مجهر البحث ودراستها من كل جانب مع مقارنتها بالنصوص الأخرى من القرآن والسنة يتبين العكس تماما ونكتشف بالفهم الصحيح لها أن فيها من الدفاع عن حقوق المرأة والتكريم لها والعناية بقضيتها ما يكفي ويشفي. وتلك مهمة الغواصين المختصين الذين جمعوا بين علم الشريعة وفقه الواقع.                                                                                      وليس هذا الحديث الذي بين أيدينا سوى نموذج واحد منها، وسوف نحاول معالجة النماذج الأخرى في مناسبات قادمة إن سمحت الفرصة، حتى يكون حكمنا ببراءة البخاري-رحمه الله-من تهمة إهانة المرأة حكما عادلا يرضي الموافق والمخالف.    والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

 


عدد التعليقات (1 تعليق)

1

oneday

وما الله بظلام للعبيد

احسنت اخي و مشكورا على هذا الجهد في تقصي معاني الحديث المذكور، فالمرأة كالرجل محاسبة و مبتلاة، حاشا لله ان يفضل جنسا على حساب جنس ، بل اهواء الرجال من جعلتهم يؤولون الدين بما يخدم مصلحتهم فنفروا غير المسلمين من هذا الدين العظيم ، و كانت ثورة بعض من تعلمن من النساء على الدين نفسه، الدين بريئ من عجرفة الرجال. و نحمد الله ان فيكم من يقول الحق

2016/01/18 - 03:01
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات