فتيحة مسعود
طوت ليبيا صفحة من تاريخها ( أسودا كان أم أخضرا أم ، أحمرا)
المهم عاد الليبيون إلى مواقعهم لتصحيح المسار ولبناء ليبيا جديدة تُناسب طموحات كل من هتف بحقه في حياة أفضل ، حياة بحجم الدماء التي لونت أزقتها ودروبها وقلاعها ومروجها وجبالها وصحاريها ، وانكبَّت على نفسها تنفض غبار حرب دامية ،، وتداعياتها الإنسانية التي عاشتها لشهور ،، فبدأت بترتيب الأولويات، ليكون الأمن أهم مطلب لبلد خرج من نزال استنزف قدراتها على جميع الأصعدة ،،
فتوفير أمن البلد ليس بالأمر الهيّن لبلد ممتد الأطراف، متاخم لبلدان عدّة ، أغلبها على فوهة بركان يغلي ،،ولتأمين حدودها،، ولتقليل فرصة التسلل ، لفئة تجد ضالتها في البلدان المنهكة والمستنزفة ،، وكإجراء وقائي فرضت طرابلس التأشيرة على بعض الجنسيات بعينها!!! وكان المغاربة من ضمن من طالهم هذا الإجراء الذي شجبه بعض المغاربة إيمانا منهم بأنهم كانوا مع إرادة الشعب الليبي في تقرير مصيرة إبان ثورته الأخيرة ، وأن المغرب أول من بارك المجلس الانتقالي الليبي،وكان على قائمة المهنئين بعد كسب المعركة ، ومنهم من رأى أن ذلك أول عقبة لمشروع الإتحاد المغاربي الذي وُلد ميتاَ ، وهناك من نظر إلى الأمر بأنه إجراء وليد الظروف الخاصة ببلد خرجت للتّو من حرب مُكلفة ، وما تأمين الحدود وتقنين شروط التأشيرة إلا بداية احترازية للسيطرة على الوضع الذي لا يحتاج للمفاجآت غير السارة
والذي يعنينا هنا،، مصير المغاربة العالقين هناك؟؟ من ظلّوا متشبتين بحق العيش في ليبيا قبل الحرب وفي خضمّها وبعدها ؟؟ مغاربة أفنوا بها عُمرا !!! تكاثروا طبيعيا وتكيّفوا إنسانيا واجتماعيا وجغرافيا ،، وغدت ليبيا جزءا لا يتجزأ من تاريخهم وواقعهم وحاضرهم ومستقبلهم إن ظل هناك مستقبل ينتظرهم ؟؟؟ ما مصير الأبناء الذين وُلدوا ولم
يعرفوا وطنا لهم غير ليبيا ؟؟وواقعا غير الواقع الليبي ؟؟بحلوه ومرّه ،، لم يكن لهم حرية الاختيار؟؟ فالآباء شدّوا الرحال نحو الجماهيرية سابقا عندما ضاق بهم صدر الوطن الأم ، ودغدغت أطروحات الكتاب الأخضر خيالهم،، مرة تحت شعار البيت لساكنة !!وأخرى شعب واحد لاشعبين من مراكش للبحرين ،،
" بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان "
"شركاء لاأجراء" وغيرها من الشعارات التي جعلت ليبيا أرض ميعاد أخرى !!! فعملت على استقطاب الباحثين عن فضاء فضفاض ينفتح على عدّة قراءات !!! فحلّوا في تجربة ليست ككلّ التجارب !!! منهم من نفذ منها وانطلق الى الضفة الاخرى "أروبا عبر البوابة الايطالية" ومنهم من رجع إلى الوطن وطن بعد أن "ضرب وقيس" ووجد أن الواقع الجماهيري لايعبّر عن طموحاته ، فقال "سلّة بلا عنب " وبأن "قطران لبلاد ولا عسل الغربة" أما فئة أخرى وهي العالقة الآن ،، كان قدرها أن تغوص في وحل الغربة، بعد أن تسرب العمر واندثرت الأحلام ، ليبتعد الوطن أكثر فأكثر ،، فكانت الغربة قدرها ،،فثقافة السفر والاكتشاف والمتعة والتجربة ، انتهت مع رائد السفر والرحلات ابن طنجة البار
"ابن بطوطة" ،، الذي ورَّثنا عقلية السّفر " ولم يورّثنا ثقافة الاستمتاع به ،، فكل من أتى بعده لايسمح له بالعودة إلى حضن الوطن إلا بجيوب مثقلة وبحقائب تعُجُّ بكدٍّ "حلال حرام" ليس مهمّا مادامت ثقافة الجهل سارية المفعول والتي اتخذت شعار " ما تقولش شحال غاب قول آش جاب " والخوف من تعليقات من شاكلة "جا مسكين طويل" وهكذا خاص الانسان المغربي في ليبيا حتى النّخاع ، وكان قنوعا بالمُتاح ،،وكوّن أسرة، كبرت مع الوقت وانغمست في الواقع الليبي حتى النخاع وأصبحت جزءا من النسيج الإنساني في ليبيا،، حتى فيهم من تلاشت ملامحه ولهجته فلا يتذكر مغربيته إلا عند أعتاب القنصلية اليتيمة بمنطقة الظهرة بطرابلس،، والتي كانت قبل عقد من الزمن أشبه باسطبل تُهدر فيه الكرامة ،، يتسول فيها المغربي حقوقه المكفولة بحق الدستور وبحق الانسانية ،،فيا حرقتي على مغاربة ليبيا وعلى مصيرهم المظلم حيث لم نسمع عنهم شيئا غير تطمينات من بعض من علقوا إلى الان هناك ،، حيث وجدوا الرعاية من الشعب الليبي الطيّب البسيط،، فتقاسموا الاكل والشراب والدواء والخوف اثناء الحرب ،، سمعت هذا من أقارب لي هناك ، عاشوا الفزع والخوف لولا رحمة الله ، والخيرين من الشعب الليبي، فغالبية المغاربة يعيشون كالنمل يبحثون عن قوتهم طوال اليوم وعند المساء
يعودون إلى بيوتهم المتهالكة استعدادا ليوم آخر،، همّه الستر ولقمة العيش،، ، والقليل منهم من خرج عن هذا المسار لذلك فسمعة المغاربة والحمد لله لا غُبار عليها باستثناء بعض فتياتنا اللواتي رفعن لواء رايات البغاء في كل ربوع ليبيا فلم يتركن مجالا لفتيات من جنسيات أخرى ، وكم اتمنى ان تكون ليبيا قد نظفت شوارعها منهن وهنا يستحضرني بيت شعري لشاعرة ليبية ، اسمها "حواء القمودي" كتبت تستغيث من المغربيات
خائفة يا طرابلس \ كم أحب هذياني فيك \ تجوالي في شوارعك المليئة بالقمامة والمغربيات .....
وهي صادقة إلى أبعد حد ، فطرابلس كانت تعج ببائعات الهوى من المغرب، يعرضن المتعة علنا ،، وبطريقة تدمي قلب كل شريف، حتى كاد العالم ينسى أن المغرب انجب حرائرا ورجالا !!!
ونعود مرة أخرى لموضوعنا ،،،والسؤال لماذا اختار عدد كبير من المغاربة البقاء في الحرب الطاحنة ولم يعودوا لأرض الوطن؟؟
لماذا غامروا أو حتى قامروا بحياتهم ، أين بلادنا من معاناتهم؟؟ منهم من لا يملك قيمة دواء مُسكّن لوجع ضرس مسوّس، بعيشون في بيوت ايلة للسقوط ،،بلا تكييف في الصيف وفي حرارة تصل أحيانا 50
درجة ، نصف أولادهم تسرّبوا من المدارس بسبب الظروف ، وجهل الآباء بالعواقب ،، غالبية نساءهن يمتهن العمل في البيوت لتأمين متطلبات الحياة والأولاد ، عمال بسطاء يعملن في ورش الحدادة والميكانيك والنجارة وغيرها بمرتبات ضعيفة وهم مع ذلك أحسن حال من بعض المغاربة ،الذين اعتلّت صحتهم، لا تأمين ولايحزنون ، وضعية مزرية ، ورغم كل هذا اختاروا البقاء تحت القصف العشوائي، والموت المحقق وانقطاع الماء والكهرباء، والمواد الغذائية الضرورية لعدة شهور؟؟ على العودة لأرض الوطن ؟؟؟؟ هل هلموا بليبيا لهذه الدرجة؟؟ هل عزّ عليهم فراقها وهي ممزقة تنزف؟؟،، وحتى عندما انتهت الحرب ظلوا هناك ينتظرون تقرير مصيرهم " وياحرقتي عليكم يا إخوتي " تنتظرون ما سيقرره رجالات ليبيا الجدد؟؟ أي قدر هذا ؟؟ وأي مصير؟؟ والمُؤلم المُيكي أن الكثير ممن عاد منهم إلى الوطن إبان الحرب يعضّون الأصابع،، ندما وحسرة ،، هلّوا ضيوفا "ثقال" على الوطن وعلى الأهالي ،، وُعِدوا بالسكن الاقتصادي ، وبتسوية أوضاعهم ،، وبإدماجهم في وطن لم يحسب لهم حساب ، بل أسقطهم من قوائمه بمجرّد استلامهم لبطاقة المغادرة ،، والأمرّ أن ليبييا أغلقت أبوابها وأسدلت الستار ... وانكفأت على مشروعها الأكبر ليبيا أولا .....لكم الله يا مغاربة ليبيا