عبد السلام بوكداش
الغياب الجماعي ظاهرة غير صحية تعيشها مدرستنا العمومية خاصة بالنسبة الثانوي بسلكيه في مختلف المناسبات من بداية السنة الدراسية إلى نهايتها، ولها تأثيرا سلبيا على مردودية النظام التعليمي المغربي. ما هي أسباب هذه الظاهرة؟ ومن يتحمل مسؤولية تفاقمها؟
تتكرر المشاهد وتتعدد المناسبات التي تتخلى المؤسسات العمومية عن القيام برسالتها النبيلة، فتغلق أبوابها لأسباب متعددة كلها غير منطقية ومرفوضة جملة وتفصيلا، فالمدرسة أنشأت لاستقبال الأجيال والقيام بالأدوار المقدسة المنوطة بها من تربية وتعليم وتأطير... والمسؤولية عن هذه الوضعية مشتركة بين جهات متعددة منها:
الأسرة: الأسرة هي المسؤول الأول عن هذه الظاهرة، فهي مطالبة بتتبع أبنائها والسهر على تربيتهم، ومتابعتهم داخل البيت وخارجهم، ومراقبة إنجازاتهم المدرسية وانضباطهم، فإلزامهم بالنظام العام أحد ركائز التربية الحسنة. واستقالة الأسرة من تحمل مسؤوليتها كاملة يشكل عقبة حقيقية أمام المجهودات المبذولة من جهات متعددة لتدارك تعثرات المدرسة العمومية.
الأستاذ: يلعب الأستاذ دورا هاما في حياة المتعلم، فالأستاذ يمثل نموذجا مهما في حياة التلميذ ولكن للأسف الشديد بعض الأساتذة (أقول بعض الأساتذة) تخلوا عن أدوارهم التربوية، بل منهم من أصبح سببا مباشرا في عدد من الظواهر كظاهرة الغياب الجماعي عن الدراسة، فعندما ينجز الأستاذ الفرض الأخير في شهر أبريل (خلافا لكل القوانين المنظمة للمراقبة المستمرة)، ويعلن للتلاميذ أن البرنامج المقرر قد انتهى علما أن لأي منهاج امتدادات وتطبيقات يستحيل إتمامها كلها، بل منهم من يبقى في قاعة الأساتذة يتبادل الحديث مع زملائه في انتظار خروج التلاميذ ليوقع ورقة الغياب الجماعي قبل مغادرة المؤسسة في اتجاه بيوت أو كاراجات لإنجاز ساعات إضافية، إضافة إلى الإيحاءات المتكررة بأن السنة قد انتهت وأن الصيف على الأبواب... كلها أسباب تأجج من الظاهرة.
الإدارة التربوية: تتحمل الإدارة تربوية جزءا مهما من المسؤولية في تفشي الظاهرة، فالغياب الجماعي لا يحتسب في نقطة المواظبة وهذا ضوء أخضر للتلاميذ في التغيب الجماعي المتكرر وشرعنته، إضافة إلى مطالبة الأساتذة بإدخال النقط قبل نهاية السنة الدراسية وعدم أخذ الإجراءات اللازمة مع المتزعمين لهذه الظاهرة أطر وتلاميذ.
المديريات الإقليمية: جل المديريات الإقليمية المسؤولة الأولى على التعليم بالعمالة أو الإقليم لا تعير الأمر الاهتمام المطلوب، فعوض: تشكيل لجان للمتابعة وخلايا للتفكير من أجل حل ناجع، وتكليف المفتشين التربويين رغم نذرتهم بتتبع الأمر عن كثب وتحديد المسؤوليات، والتدخل الفوري عند البداية وقبل استفحال الظاهرة، و بناء استراتيجية محلية لمحاربة الظاهرة، تكتفي بالمتابعة وإحصاء المتغيبين وفي أحسن الأحوال تحرر تقارير تركيبية. والمديريات الإقليمية التي عالجت الظاهرة بمهنية في الوقت المناسب استطاعت أن الاحتفاظ بالتلاميذ أطول مدة لكن يد الواحدة لا تصفق.
وزارة التربية الوطنية: تتحمل وزارة التربية الوطنية جزء مهم من المسؤولية في تفشي الظاهرة، فالوزارة هي المسؤولة عن السياسة التربوية ومطالبة بوضع خطط وطنية للتصدي للظاهرة لكن وللأسف فبعض قرارات الوزارة الوصية تساهم في تفشي الظاهرة، فعندما ينص مقرر السيد الوزير لتنظيم السنة الدراسية 2015-2016 في المادة 20: على إجراء آخر فروض المراقبة المستمرة بالنسبة للسنة الأولى باك ما بين 31 ماي و04 يونيو 2016. ثم ينص في المادة 25 من نفس المقرر: على تخصيص الفترة ما بين 30 ماي و04 يونيو 2016 للإعداد الجماعي لاجتياز الدورة العادية للامتحان الجهوي الموحد، الذي يهم السنة الأولى باك. ثم ينص في المادة 23 تجرى اختبارات الدورة العادية للامتحان الجهوي الموحد يومي 03-04 يونيو 2016. أي أن يومي 03-04 يونيو 2016 مخصصين في نفس الوقت لآخر فروض الدورة الثانية، وللإعداد الجماعي لاجتياز الدورة العادية للامتحان الجهوي الموحد، ولاجتياز الدورة العادية للامتحان الجهوي الموحد وهذا مستحيل ومتناقض، على الوزارة تخصيص وقت معقول لاجتياز آخر الفروض المحروسة ثم تخصيص أيام بعد الفروض الأخيرة وقبل تاريخ الموحد للمراجعة الجماعية تتوقف فيه الدراسة بالمستويات الإشهادية وتخصص لمراجعة المواد موضوع الاختبارات الإشهادية بتأطير من الأساتذة بالمؤسسة وبإشراف من الإدارة التربوية.
المجتمع المدني: المجتمع المدني ساكت عن الحق... ولا يحرك ساكنا، فالحكومة بكل مكوناتها، والأحزاب السياسية، والجمعيات المدنية، وكل مكونات المجتمع مطالبة بتكتل وتشكيل جبهة موحدة لإنقاذ المدرسة العمومية، فهي القاطرة الأساسية لأي تنمية مأمولة، وظاهرة الغياب الجماعي من ظواهر فشل المنظومة، مسؤولية الجميع العمل على الحد منها، فبعض الدول تجرم انقطاع التلاميذ عن الدراسة وتعاقب المسؤولين عنه ونحن نقف متفرجين على استنزاف رأسمالنا البشري.
غريب وطن
فاقد الشيء
لقد أبانت المنظومة التعليمية عن فشلها ولم يجد الإصلاح المنشود مدخلا لأعماق هذا الفشل والتأثير فيه وزحزحته عن موضعه ولا تغيير المنظور التعليمي الذي صار تقليديا لما ورثه من مظاهر وسلوكات أصبحت عرفا وحقا وحقوقا مكتسبة من هذا النظام. أو ليس الغش والتحايل وسلك تفك أو هاد شي لي عطا الله كلها قيم جديدة أفرزتها التنشئة والتربية في هذا النظام الذي كان يطبل له ويتغنى المخططون فيه بمحاربة الأمية والحد من الهدر المدرسي وتحقيق الجودة وضمان حق التعليم والتعلم للجميع وغيرها من الشعارات المستهلكة. كل هذا والمجتمع لا يدري من تعليم أبنائه إلا ما تصدره المؤسسات الدولية من تقارير في تقييم وتصنيف المنظومة التعليمية التي لا تراوح مكانها في آخر القائمة من بين دول العالم. أما الحكومات والمسؤولون الحكوميون في القطاع ليزالون يفكرون وينزلون بأفكارهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع أو لا تظهر نتائجها إلا بعد حين كما كان يقول من قبلهم من سبقهم. وحتى ذلك الحين لن تتغير العادات وتقاليد الحياة المدرسية وما جاورها.