وهابي الميلود
إن الإنسان بطبعه لا يقبل الظلم، مهما كانت شدة أثره على الشخص، و الإنسان المظلوم يسعى دوما إلى الإنتقام و رد الإعتبار لنفسه، غير مبال بالوسائل التي قد يستعملها للوصول إلى غايته، ربما يكون ما يعتقد ظلما و إن كان غير ذلك، و في كثير من الأحيان يكون الظلم حقيقياً له و لكنه حق في اعتقاد الطرف الآخر قد انتزعه بطرق يعتبرها شرعية، مبرّراً ذلك بمجموعة من الأساليب التي ليست في مستطاع الأخر فهمها أو دحضها. في كل الأحوال هناك طرفين، يمكن أن نطلق عليهم صفة الظالم و المظلوم، أحدها يعتقد أنه قام بالواجب و يحميه القانون و العرف و النفوذ في ذلك، رغم أنه جار على حق الأخر الذي يرى أنه متضرر و لا يجد كيف يدفع الضرر.
من بين ما تجده فئة عريضة من المجتمع ظلما لها، هي ممارسات السلطة داخل وطننا، هذه السلطة قد تفرض القمع باعتمادها القوانين المنظمة للدولة، بدعوى الحفاظ على الأمن، لكنها قد تكون بالنسبة للطرف الأخر ظلما يصعب دفعه، هذه العلاقة الثنائية بين الطرفين، أفرزت لنا مجموعة من ردود الفعل في المجتمع كانتقام ضد الظلم، و من بين مظاهر هذا الإنتقام نجد التمرد على الواقع، الإلتحاق بالتنظيمات المتطرفة، إضرام النار في الجسد، إلى غير ذلك. هنا يمكن أن نطرح هذه أسئلة، كيف يمكن أن يكون تطبيق القانون مجحفا لفئة معينة؟ ألا يمكن ردع طريقة تطبيق القانون بقانون آخر، بدل الإنتقام بطرق أسوء؟ كيف يؤدي فرض القانون بالقوة إلى رغبة جامحة للإنتقام؟
لن ينسى أحد قصة البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010، احتجاجا على مصادرة السلطات البلدية في سيدي بوزيد لعربته التي كان يبيع عليها الخضر و الفواكه لكسب قوة يومه، في صراعه مع قسوة الواقع و ظلم السلطة، و بعد أن أراد وضع شكاية بالشرطية التي صفعته أمام الملأ قوبلت بالرفض، هنا نتحدث عن ظلم صَعُب على البوعزيزي مجاراته و ردعه، لأنه يواجه مؤسسة قوية و كلما أراد أن يدفع الظلم بطرق قانونية إلا و قوبل بظلم آخر. من يومها أصبح البوعزيزي رمزاً لكل المظلومين، و خصوصا الذين يمتهنون نفس مهنته، بحيث يجد الشخص نفسه أمام جدار من الظلم يصعب تجاوزه، خصوصا عندما نتحدث عن فئة غير واعية بحقوقها مما يجعلها ترى الظلام في مواجهة المؤسسات الضخمة و المزودة بكوادر تتقن فن تليين القوانين. كذلك الممارسات التي ترهقها من السلطة، تفقدها الثقة بالعدالة التي يعتبرونها غير منصفة لأن السلصة التي تحرسها قد ظلمتهم.
إن مجتمعنا في ظل الصراع الإجتماعي، يعيش مجموعة من التناقضات، ترى الثراء الفاحش و الفقر المدقع، فئتين أحدها متحكمة في القرارات و لها أساليبها الخاصة لتدليل القوانين كي تخدم مصالها، بطبيعة الحال على حساب فئة أخرى تعيش الظلم الإجتماعي و تريد أن تحقق لنفسها العدالة الإجتماعية التي عجزت هيئات كبرى على تحقيقها، هذه الفئة المهمشة تحاول دوما خلق فرص للحياة لها داخل هذا المجتمع، بتبني مشاريع صغيرة و بمجهودات فردية، مداخيلها تسد خصاص أسرة صغيرة، تكافح و تواجه العراقيل لتُقحِم نفسها في الوقع المفروض، و لكن من جهة أخرى قد تجد نفسها أمام ترسانة قوية من القوانين المنظِّمة لشأن العام، شُرعت بمعزل عن معاناة الأخرين و لم تأخد بعين الإعتبار الفئة العريضة من المجتمع التي تعيش الهشاشة و غير مستعدة في المرحلة الحالية تقبل تلك القوانين، لكن قوة السلطة تجعل من تلك القوانين أمرا واقعا، باعتباره حق تنظيمي في نظر السلطة، لكنه ظلم اجتماعي بالدرجة الأولى في حق الأخرين. هنا ندخل في متاهة التوافق بين الحق في فرض القوانين و ظلم تطبيق تلك القوانين في نظر أشخاص يعتبرون حق الأخر ظلماً لهم، هذه المتاهة في صراعها مع تغيرات المجتمع قد تتحول إلى كابوس يصيب الأمة و يصعب عليها تجاوزه بالطرق اللينة التي كانت متاحة لها قبل أن يشتد عضد هذا الكابوس
إن تطبيق القوانين بالطرق التي تحلو للسلطة و غير مبالية بالوضع الإجتماعي السيّئ للشريحة العريضة من الشعب، يخلق لا محال صراعاً غير متكافئ، سواء على مستوى قوة الطرفين، أو على مستوى تفسير ذلك التطبيق، لأن السلطة تفسره بأنه حق تنظيمي، و الطرف الأخر يعتبره ظلماً في حقه، مما يجعل من فئة كبيرة من المجتمع تعيش في سطوة ظلمِ و إجحاف تلك القوانين في غياب العدالة الإجتماعية. قوة المؤسسة التي تفرض الظلم لا يمكن ردعها بالطرق القانونية في غالب الأحيان، لأنها تتوفر على كل الإمكانيات للتحايل على تلك الطرق بحكم قوتها، مما يحدو بمجموعة من الأشخاص نهج طرق جديدة و غريبة للإنتقام، و من بينها إضرام النار في الجسد التي أصبحت موضة في الدول العربية، و كذلك الإلتحاق بالتنظيمات الإرهابية التي يعتقدون أنها توفر لهم ما يشفي غليلهم مما أصابهم من ظلم. بإمكان تجاوز كل تلك المظاهر الغريبة في البداية، و ذلك بالأخذ بعين الإعتبار ما يراود الفئة المقهورة في المجتمع من معاناة، و إيجاد حلول عملية تتناسب مع ظروفهم الصعبة، عوض فرض القانون بالعنف.
قبل تطبيق القوانين يجب أولا تحقيق العدالة الإجتماعية في المجتمع، حتى يتسنى لتلك القوانين تطبيقها بطريقة سلسة دون إجحاف لطرف معين، لا أن تستحوذ ثلة من الناس على العدالة الإجتماعية و تحولها لمصالها الشخصية، و تضع القوانين على طريقتها الخاصة بمعزل عن الأخر، و التي قد تمنعه من العدالة الإجتماعية، و أكثر من ذلك قد تحاربه و تفرض عليه الظلم لكي لا يصنع لنفسه من جديد حق التوازن الإجتماعي بطرقه البسيطة و الفردية.