الجعفري: ارتفاع معدل البطالة إلى أزيد من 21 بالمائة مؤشر خطير يفضح الحكومة ويعري انجازاتها الوهمية

حادثة سير مروعة بشاحنة على خط الترامواي بالحي المحمدي تخلف قتلى

جنازة مهيبة في وداع الشرطي ضحية رصــاصة طائشة ببني ملال

نبيلة منيب في تصريح ناري..الحكومة مصرة على إصدار قرارات اننتحارية دمرت القدرة الشرائية للمغاربة

"دونور"...انطلاق تكسية الواجهة الخارجية وبطء في أشغال مرافق أخرى

الملك محمد السادس يتفاعل مع هتافات المواطنين لحظة وصوله الدار البيضاء

التلفزة المغربية وصناعة التَّفاهَة..

التلفزة المغربية وصناعة التَّفاهَة..

محمد البورقادي

 

إن المتفحص في برامج الترفيه التي تبث على القنوات المغربية ليجد فيها من المشاهد ما يخجل العقل من متابعته ..وليجد فيها من انعدام الرؤية والتبصر ما يقف أمامه العقل الراجح مشمئزا متأنّفا ومندفعا إلى التساؤل عن غاياتها وخلفيات إنتاجها ومضامين حبكتها .. وسنعرض فيما يلي سقطات بعض البرامج محاولين جرد وتشخيص تفاهة فحواها ..

إن المتأمل بعمق  لبرنامج "لالا العروسة"  ليكاد يجزم بضعف مستواه وهوان رسائله التي لا تمت للعقل بصلة والتي لا تعبر إلا عن بوادر احتضار القيم وموت الضمير المهني وتراجع مكانة وعقل الإنسان في سلم الأخلاق ..

ذلك أن مسابقات البرنامج قد هوت إلى أسفل الدركات ..ومادتها يعوزها العمق والرؤية ..إذ إنها تموج في الميوعة المفرطة وترتع في أحضان العبث والعدمية ..

فمعظم تلك المسابقات تأخذ من مواد الأكل والشراب أساسا لحبكتها ..وتلك المواد الحيوية كما هو معروف هي رزق كريم من رب رحيم عليه تقوم حياة الناس ..ولما كانت كذلك وجب شكر المنعم عليها ووجب عدم تبذيرها أو الإسراف في استهلاكها..لا جعلها موادا للّعب والعبث ! 

ففي وقت تنهرق فيه سوائل الدموع والدم عند شعوب بأكملها جراء ظلم اليهود والبوذيين..تنهرق مقابله في هذا البلد السعيد أنهار من اللبن والعصائر .. ما هذا الترف والبذخ !..ما هاته الميوعة المفرطة !  

إذ تجد من المسابقات من يعتمد على اللعب بالبيض وربط الخاسر فيها بقلة عدده المكسور ..ومنها من يعتمد على نقل الحليب من موضع إلى آخر شرط عدم إسكابه . وتقوم أخرى على اللعب بالعصير وأخرى على اللعب بالشاي..

ولعب الكبار بالأكل يحاكي تماما لعب الصغار به ، إلا أن  الفرق بين الفريقين هو أن الصغار يلعبون به في مرحلة هي أقرب إلى الاستكشاف والتعلم لعدم نضوج وعيهم وانعدام قدرتهم على التمييز ومن تم فلعبهم مقبول ولا حرج فيه إذ تحكمه الغريزة وليس العقل..أما لعب الكبار فلا ينم إلا عن ضمور في الفكر وانكماش في ميكانيزمات الرشد والتعقل ..وهذا لا يقبل إلا من متخلف عقل أو مريض أو سكّير أو مجنون ..أما سليم عقل قد لا يعذر بإقدامه على صنعه فضلا عن المشاركة في تلك الأعمال أو المسابقات الصبيانية ...

وقد تجد من المسابقات من يشد فيها المشارك بحبل يرفعه عن الأرض حتى صار إذا معلقا في الهواء أخذ يتلقف أشياء تقذفها صوبه زوجته ..ويكون اجتيازه مقترنا بعدد ما تلفته يداه من مقذوفات ... ورؤية المشارك وهو معلق على هذه الحال أشبه ما يكون برؤية المهرج في المسرح إذ حالة كلاهما تبعث الضحك في النفوس ..إلا أن الأخير لا حرج عليه إذ تقتضي حرفته مثل ذلك ..أما المشارك فلا يعدو أن يكون مجرد بهلوان تافه قد رمت به نوازع الشهرة ومطامح التمجيد إلى ذلك ..وشتان بين الإثنين ..

وتبلغ الميوعة في هذا البرنامج أعلى مستوياتها حين تنقلب الزوجة من رمز مقدس تنبني عليه الأسرة والمجتمع ..إلى رمز مدنس ينتمي إلى الكلّ ويقتسم الكل زينته وبهاءه في مشاهد تروق للكبار ويخجل منها صغارٌ مازالت فطرتهم بكراً لم تُدنّس بعد بتربية الكبار ..لقد بات الرجل ديّوثا قد انعدمت رجولته حين سمح لزوجته أن تعانق أصدقاءه وتقبلهم أمام أمه وأمام المشاهدين .. تلك الجوهرة المصونة واللؤلؤة المكنونة  قد خرجت عن عفتها وفرطت في عزة نفسها وباعت للكل مفاتنها بدون مقابل ..حيث تعرض نفسها في أبهى الحلل ..وتبتسم بالجملة للكلّ كأنها وسط مرقص في أوروبا ..ما هذه الميوعة المفرطة !! وما هذه الدياثة المنقطعة النظير ..وأين الحشمة والوقار ..وأين الحياء من هذا وذاك ! ثم إن رضيتم لأنفسكم أن تلعبوا لعبا تخجل من لعبه الصغار .. فما ذنب الأمهات والحموات العفيفات وقد أحظرتموهم ليشهدوا سيئاتكم وتفاهاتكم !

إن ملتقى العشاق هذا لم يُخِلَّ بالأدب فقط ولم ينزع عن الزوجة رداء الوقار فقط بل إنه يفتح أعين العزاب على الزواج..فلا شك أن تلك المشاهد التي تعرض أمام أعين أغلب العزاب الذين يعيشون في اغتراب وسط واقعٍ ما أشدَّ تباعده عن مُمكنات الدخول في دوائر الإنتاج ..تزيد من حدة احتقانهم وغيظهم وتُؤلّب شعورهم بالحقد والحسد تجاه من حظي بفرص الاندماج الاجتماعي والأسري تلك.. وفي هذا ما فيه من تحريض على فعل الفاحشة والاغتراف من الحرام طمعا في سد بؤر التوثر إلى أن يتمخض الحظ عن موجبات الانغماس في الحلال..

ولعل برنامج ما يعرف ب"رشيد شو" هو قمة في السفاهة والتفاهة كذلك..إذ تقوم فكرته على جلب مشاهير ثم استفزازهم بأسئلة شخصية قد يخجل الواحد منهم إخبار حتى أقرب الأناسي إليه بها ..ولحث الضيف على الإجابة يوضع أمامه صحن من الفلفل الحار ..حتى إذا رفض الإجابة غرف من ذلك الصحن مكرها ..

ومعظم الأسئلة التي تطرح لا ترقى لمتسوى الحوار ..بقدر ما تروم اختبار شدة احتمال الضيف لحموضة المحاور ..وترنو إلى الدفع بالضيف لأقصى درجات الإحراج الممكنة ..فمن يجرأ أن يبوح بأمور يتحرج حتى من التفكير فيها ..ومن يريد أن يختار من يحبه أكثر من بين زملاء له في العمل ..ومن يريد أن يعترف أمام الملأ إن كان قد مر بعلاقة غرامية قبل الزواج ..ومن يحبذ اختراق أشد خصوصياته أمام الملأ..نذر من يرضى لنفسه فعل ذلك ..ولكن يبدو وكأن الإغراء المادي الذي يتقاضاه الضيف كان مرتفعا لدرجة أُغلقت معها فُتحات التردد ومُهِّد بها قبول تلك الإهانات ..

ولما كان الربح المادي هدفا وغاية تسعى كل الأطراف للإغداق على نفسها من ميزاته انمحى أثر الأخلاق وضاع شرف الهمة والعزة  وأفل شموخ الحياء وانحطت كرامة الإنسان فما عاد يدري في أي واد يهيم ..ثم ما بال المتلقي الذي يخُصُّ من رزقه (أي الضرائب ) ما به تسير عجلة هذه التلفزة ويمنح من وقته ما يأمل أن يستفيد منه قيما وعلما ..ثم يجد بعد ذلك نفسه ضحية تلك التفاهة المعروضة أمامه بلا حسيب ولا رقيب ..

لقد صار التلفار يمرر من التفاهة ويعيد تكرارها لدرجة أصبح معها وعي المتلقي الذي يعوزه الحس النقذي منمّطاً مُقَوْلباً لا يرى فيما يعرض إلا الحقيقة الكائنة والتي يجب أن تكون ..ولا يحس بما يندس وراء سحر الصورة... ولا بما يستدخله فكره ..فلا يكون منه إلا أن يبني رؤيته للحياة والواقع من حوله وفقا لتلك الخلفيات المستدمجة في مخيلته ..فيأبى بعد أن استبطن قيم الاستهزاء بالآخر والتفنن في إحراجه من تلك البرامج السفيهة إلا أن يموضعها في الواقع ..ثم يبدأ مسلسل التطبيق على الأقرب فالأقرب ..فيهين الزوجة ..ويذل الأبناء ..ويتفنن في الاستهزاء بأصدقاءه طلبا لتمجيد قدراته وإضاءا لغروره ..ويتخلل التهكم والسخرية حواره مع الآخر ..ويزيد من مستوى الضغط كلما توفقت تلك القيم السفيهة في الإتيان بأكلها ..وبذلك تستولي القيم الدخيلة التي تزرعها الشاشة على محل القيم الحقيقية التي لا يتحقق الإنسان إلا بها ..فيحدث أن تحتضر الأخلاق وينقرض الحياء وتنمو نوازع الاستهزاء والتغامز والتهكم والسخرية على الآخر ..فيفقد الإنسان بذلك وجوده وقيمته بفقده لمحدادته ومعاييره التي يختلف بها (أو يتمايز بها ،أو يتحدد بها) عن غيره.

لكن ورغم ما يتم تمريره من قيم رديئة للجيل الناشء والبالغ على السواء ..فالتلفزة تخلق عن طريق تلك البرامج مجالا للإنفصال عن تناقضات الواقع والهروب من دواماته المتقلبة على الدوام ..وتدس حقن المتعة ولو كانت زائفة ومؤدلجة ..بما يعفي الجمهور من ضيق المسائلة والنقذ وبما يكسر من حدة التوترات التي تعتمل النسيج الاجتماعي ..فخلق المتعة ولو كان بتلك الطريقة التافهة من شأنه أن يفتح للجمهور بابا للخروج منه من إكراهات اليومي والارتحال به من أزمة التفكير ونزعة التأهب لنوائب الغد.. إلى عوالم خيالية تعفيه من السؤال وتخلصه من اضطرابات المزاج  ..ولا شك أن هذا الارتحال المؤقت بقدر ما ينزع عنه من توترات تعتمل داخله وينفس من سخطه المتراكم.. لا يعدو أن يكون مجرد حلم يصنع الوهم ويتحايل على الواقع..سرعان ما يستفيق منه اصطداما بألم الواقع وتناقضاته ..

 

ثم إن برنامج الكاميرا الخفية هو الآخر قد بلغ الذوة في التفاهة ..فما فائدة أن تحبك مقالب لأناس تخلق الرعب والفزع في نفوسهم وتبعثهم على الاستياء والتدمر ..ثم ما جدوى إكرام الضيف (الذي يجعل منه ضحية في هاته المقالب) بالمال بعد أن انخلع  قلبه وشُدّت أعصابه وخرج عن صوابه من فرط الذعر والغيظ الذي يعيش قسرا داخله ..إنها قمة الانتقاص من كبرياء وكرامة الانسان بأن يجعل من استفزازه واحتقاره موضوعا للضحك  ..وشعارا للسخرية والاستعباط  ..ومصدرا لاكتناز الأرباح ..إنها مهازل يتعرض فيها ذلك الإنسان (الضحية) لأبشع أنواع السخرية والتآمر ..والكلام ينسحب على  كل المقالب التي يتم تصويرها في البلاد العربية (المحترمة) ..تلك المقالب التي تزيد من حدة شدتها كل سنة بما يدفع بغضب الضحية وهلعه إلى أقصى الحدود الممكنة وبما يتجاوز حدود المعقول والمزاح المقبول إلى الانغماس في عوالم التهكم والإهانة ..

فما جدوى موضعة الإنسان في أحلك الظروف الممكن تصورها بغية إثارة نوازع الضحك عند الجمهور ..وكيف هي طينة هذا الجمهور الذي يفرح برؤية توثر أعصاب الآخرين من بني جنسه واشتداد حنقهم !.. إن ضحكه بهذا المعنى لا يعدو أن يكون مجرد شماتة إن لم نقل ساديّة ! ماذا حل بإنسان اليوم كي يجعل من إهانة الآخر وترهيبه وقودا لتنفيس غيضه وكسب رزقه !

هل عجز الإنسان بعقله الجبار أن ينتج الترفيه ..وهل انقطعت وسائل إنتاج هذا الترفيه وانقضت وسائل البسط والتسلية من الوجود ومن عقل الإنسان المفَتَّقِ ..كي يجعل من نفسه موضوعا وأداة للترفيه و بهذا القدر من الهزالة والتفاهة   !

لقد تم استبدال المسرحيات الهزلية المحترمة التي تعالج قضايا الواقع بأساليب هزلية كوميدية أو تراجيدية ..بهذا النوع المبتذل من السخرية ..وأصبح شهر رمضان عرضا مستمرا من الميوعة والتفاهة.. ..ولا ريب أن هدف الربح السريع هو ما يدفع الشركات لأن تمول هاته البرامج الساذجة المائعة ..فمدراء تلك الشركات يعرفون الإقبال الجمّ الذي تعرفه تلك المشاهد الساخرة من طرف الجماهير فتراهن أكثر على الاستثمار فيها وتسويق منتجاتها من خلال وصلاتها الإشهارية ..مما يضاعف بدوره من حدة الإقبال على بضائعها  من طرف مختلف الزبناء ..

ولا جرم أن هذا المنطق الاقتصادوي الربحي الذي تلعب وراءه الشركات هو اليد الخفية التي تحرك العالم وتصوغ مختلف توجهاته.. وهو عصب النظام الرأسمالي الملبرل الذي يتوغل في كل الحيثيات ويُخضع السوق العالمية لفلسفته وأيديولوجياته ..هذا المنطق الملحد الذي لا يؤمن بالقيم ولا يعترف بالأخلاق ..ولا يعير اهتماما لعرق أو دين أو جنس بقدر ما  يُمعن في الاحتيال على عقول الجماهير وسلب مجوهراتهم وجعلهم كالكراكيز يُتحكم فيهم بضغطة زر.. هذا النظام الذي تبرر غايته وسيلته.. همّه الأول هو مضاعفة الأرباح..ولما كان الربح المادي هو الغاية التي لا تفوقها غاية ،أغشي على العقل بغشاوة الطمع وتُجاوزت كرامة الإنسان فأصبح عمِياًّ  لا يلتفت إلا إليه ولا يسعى إلا وراء تحصيله واكتنازه ..إنه  الحيلة القاصرة واليد العمياء التي أغرقت الإنسانية في الميوعة وحرمته من ما به تتحقق إنسانيته وتكون رفعته وقيادته ....

 ثم قد يعرض من المسلسلات المدبلجة في التلفزة ما يركد العقل ويستغبي المشاهد إلى أبعد الحدود ..إذ إن المسلسل لا ينتهي إلا بعد إتمام حلقات تفوت المائة في غالب الأحيان ..يجبر المتلقي على تفريغ بعض من وقته الحيوي لأجل مشاهدة حلقاته . وما وجه النفع في ذلك !...وما تراه من فائدة قد تعود عليه إن استنفر وقته لمشاهدتها ..وما تراه قد يفيد من قصص خيالية ومشاهد غرامية تدعو إلى شرعنة الفواحش وتؤز النفس على فعلها .. وأخرى قتالية تؤجج مشاعر الاتنقام وتبعث نوازع العنف والغدر ..

وفي خضم برامج التفاهة التي تزرع بذور التفاهة في وعي المتلقي منعدم الحس النقذي ، تتقلص البرامج التتقيفية ويقل الرهان عليها لانخفاظ مؤشرات مشاهدتها ! ..هناك ثراء في التفاهة مقابل فقر في الثقافة ..!

ثم إنه وبعد  أن استشرب المتلقي قيم برامج الترفيه وأدمن على متابعتها صار مطبّعاً معها لدرجة أصبح معها وعيه معلّبا ومكبلا في شراكها لا تستهويه إلا مضامينها ولا يُشوّقه إلا سحرها ..فكان منه أن فتر عن مشاهدة غيرها مما يُشَدُّ له الانتباه ويُتطلب معه التركيز وإعمال العقل ...لقد أدلجت برامج التسلية التي تعرض على التلفاز وعي الناس لدرجة ظللت معها معايير الاختيار وأُتلف معها وازع الضبط  فكان أن صاغت تلك البرامج  ميولات الناس وحوّرت اختياراتهم عنوة لما تقتضيه أهدافها (الربحية) فكان أن ازدادت فرص مصداقيتها وشرعيتها عند الغالب حتى أصبح لا يطلب سواها ولا يراهن إلا عليها ..

إن فكرة تلك البرامج هي إرضاع التسلية ..تلك التسلية التي يستعذب المتلقي الرضاع من حضنها والاستكانة إلى سمها اللذيذ المغلف بالعسل ..إذ إنها تغنيه عن شحد الفكر والفبركة والتحليل والنقذ وتورثه التغافل عن التساؤل عن ما تجري حبكته في الخفاء .. إنها (أي تلك البرامج، ) آلية من آليات التلاعب بالعقول هدفها إيصال المشاهد حد الإدمان على رضاعها لحد يفضي إلى التعود ويصعب معه الفطام مما يثمر زيادة الطلب والإقبال عليها في كل وقت وحين ..واسترضائها بدلا عن ما به يغتني الفكر ويستقيم ..والتلفزة بتكريسها المفضوح لبرامج الضحك على الذقون تلك تحدث شرخا مع الواقع وتنتج واقعا افتراضيا ساميا بديلا عما يعتمل المجتمع من داخله ..وبالتالي فهي تنتج ممكنات الهروب منه لا مواجهته ..وتُمعن في تغطية الواقع وليس تعريته إذ إن من شأن تعريته (بشحد وسائل استنطاقه وكشف مشاكله ) أن يزيد من ضغط المستضعفين وأن يخرج ماردهم من قمقمه لينفجر عنفا في وجه أيادي الخفاء التي تلعب بصمت وراء الستار .. 

وعن طريق عرض هاته البرامج والمسلسلات يتم صناعة الأغبياء والتأثيت لولادة مجتمع الخراف الذي ستحكمه عاجلا أم آجلا حكومة من الذئاب على حد تعبير الفيلسوف الاقتصادي برتراند جوفنيل ..فالجسم الإعلامي بمؤسساته هو ملك للدولة فهي من تتحكم في كل ما يبث فيه وتفلتر ما من شأنه أن يبعث حس النقذ إلى السطح وتحوّر أهدافه التثقيفية الإخبارية إلى أهداف ترفيهية آملة بذلك صرف الوعي عن اختلالاتها وتناقضاتها الصارخة ..

إن برامج التفاهة تلك هي الحيلة التي تسوقها الحكومات بعوز (أي بتواطئ) من الشركات لذر الرماد على عيون الجماهير ولصرفهم عما به تتحقق أهدافهم !.. فالحكومات لا تريد شعبا يملك روحا ناقذة ..بل تريد جماهير مطيعة ..ونخبة قليلة كافية فقط لتحريك الآلات وإقناع الجماهير الغبية بضرورة قبول الوضع الكائن على أنه الوضع الوحيد الممكن والمثالي الذي لا يجدر بهم أن يتطلعوا إلى تجاوزه ..إنها تريد خلق جيل من الضباع بحسب قول محمد جسوس .. جيل مخدَّر بأفيون التسلية والتفاهة ومشبع بقيم الميوعة والرخاوة وغارق في حضن الاستهلاك العفن ..ومحروم من المشاركة في صنع القرار ومحروم من حقوقه المدنية والمواطناتية ..

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات