استياء الكازاويين من فرض رسم 70 درهما لدخول ساحة مسجد الحسن الثاني

سلطات شفشاون تعطي الانطلاقة الرسمية لوحدة فندقية جديدة

تحويل شقق وسط حي شعبي بطنجة إلى أوكار للدعارة يخرج الساكنة للاحتجاج

من غلاسكو إلى الرياض.. اعتراف دولي بقوة المؤسسات الأمنية المغربية

شحتان: بطاقة الملاعب ستحد من المتطفلين على الميدان ويوسف مجاهد: مبادرة جيدة من أجل الرقي بالمهنة

جمعية الثقافة الإسلامية ومؤسستها بتطوان يحتفلون بذكرى المسيرة الخضراء المضفرة

مفاتيح لفهم ما جرى ويجري

مفاتيح لفهم ما جرى ويجري

عزيز كطابي

 

           تتسارع الأحداث وتتشابك الأوضاع ، وتندلع حروب ونزاعات ، وتنهار دول ، وتتساقط أقنعة كثيرة...وتتناقض الأنباء ، وتتضارب التصريحات ، وتداهمنا مواقف وتطورات مذهلة يشيب لها الولدان وتترك اللبيب حيران...

           فما بين عودة الاستعمار إلى أراضينا بحلل جديدة ، وتكالب الدول على مصالحنا ومستقبلنا ، وعملها على إجهاض ثوراتنا وتطلعاتنا إلى الحرية والعيش الكريم ،وتواطؤ مفضوح لأنظمة ونخب من بني جلدتنا مع ألد أعدائنا ، وتحول  جيوش وقوات الأمن في الوطن العربي إلى " ميليشيات " لحماية ( النظام ) الحاكم وأعوانه والتنكيل بالمواطنين ( غير المسبحين بعظمة النظام وحمده)، واختلاط ( أو خلط ) مفهومي الجهاد الإرهاب ، والحملة المسعورة على القيم الدينية والهوية الوطنية ...، يقف المرء حائرا مشدوها. فكيف نفهم ولو قليلا من هذه " الخلطبيطة " لنتبين المواقف ونستجلي الحقيقة ونستوعب التطورات ، ونكون على وعي بما يحدث من حولنا ؟...

           هذه بضعة " مفاتيح " للفهم لا تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ولا الذكاء الخارق ، ولكنها تحاول قدر المستطاع ربط الماضي بالحاضر ، ومساءلة الأحداث بمنظار المنطق والحس الناقد ، حتى تتضح الرؤية ولو نسبيا...وهي أفكار وتصورات شخصية قد يعتريها الخطأ أو النقصان. لذا أتمنى صادقا أن تكون منطلقا للمناقشة والتحليل والنقد، وحتى التفنيد بغية إغناء النقاش وتلمس جوانب الحقيقة في واقعنا المتردي للدفع بأمتنا نحو التحرر والعزة والنهوض الحضاري.

3- النظام التعليمي العربي المبهر(*)

لعل الكثيرين يفتحون أعينا مندهشة ويفركون شعرهم من الحيرة و الشك وحتى عدم التصديق. ولكن مهلا...ألا يقاس نجاح كل مشروع أو برنامج بمدى تحقيقه للأهداف المسطرة و التي يرمي إلى بلوغها ؟ فما هي يا ترى غايات ومرامي النظام التعليمي العربي ؟ أليس الهدف المحوري هو الحفاظ على التخلف ومحاربة العلم والثقافة حتى يستمر الاستبداد جاثما على صدور المواطنين الذين يمنعهم الجهل والفقر والخوف من الوعي بحقوقهم والمطالبة بها ؟... ألا يمكن الجزم في هذه الحالة بأن النظام التعليمي العربي من " أنجح " الأنظمة على المستوى العالمي ...؟ 

 ألم تجد الدول العربية بعد عقود من الزمن وصفة للخروج بمنظومتها التعليمية من التخلف و اللحاق بركب الدول المتقدمة ؟ ألم تجرب وصفات عدة ظاهرها التجديد و الإصلاح وباطنها التخبط و الدوران في حلقة مفرغة من البرامج و البرامج المضادة و القرارات تتبعها أخرى تجبها أو تقبرها قبل أن يكتمل مسار تطبيقها ؟ لماذا لا تستورد  الدول العربية  من الغرب إلا برامج ونظما مبتورة أو مشوهة وتعمل على إسقاطها على مجتمعاتها دون تكييف أو مراجعة ؟ ما سر كل هذا التخبط والتردد في إقرار الإصلاحات ثم المسارعة إلى نقضها في وسط الطريق وتعويضها بأخرى لا تلبث أن تلقى المصير نفسه في ظل حديث المسؤولين المستمر عن وجود خلل أو أزمة ينبغي تجاوزها ، وهدر المليارات التي تتبخر وتبدد كضباب الصباح لتستقر في جيوب مسؤولين ومحظوظين على شكل ريع وصفقات مشبوهة ، ودون أثر يذكر على النظام التعليمي " المريض " ؟

ألا توجد بالدول العربية كفاءات تربوية وعلمية بمقدورها تحليل المنظومة بعمق لتحديد مكامن القصور والخلل فيها واقتراح حلول ناجعة لإصلاحها ؟...

كل هذه الأسئلة المشروعة تجد في تقديري الجواب في كون أزمة التعليم مقصودة ومدبرة حيث لا يمكن فصلها عن منظومة الفساد والاستبداد التي تهيمن على الدول العربية ، والتي لا يمكن أن تتعايش مع جو الثقافة الحقيقية والوعي والمنطق العلمي وحرية الإبداع والمبادرة. فالمعلوم أن الاستبداد عدو الثقافة وبالتالي لا يمكن أن يسمح بوجود منظومة تعليمية حقيقية تخرج أطرا واعية وأجيالا تؤمن بالحرية والعلم والإبداع. لذلك تحرص الأنظمة العربية ( والمتخلفة عموما ) على الحفاظ على نظام تعليمي عمومي فاسد ينتج أشباه المتعلمين وأنصاف الأميين ( إلا من رحم ربك ) ، مقابل تعليم خصوصي /غربي مخصص لأبناء الطبقة البرجوازية يمكنهم من الحصول على شهادات عليا مميزة ليتمكنوا من وراثة مناصب آبائهم الرفيعة.

وتدل بعض التصريحات المتفلتة هنا وهناك على وجاهة هذا الطرح، حيث أسر رئيس دولة عربية كبيرة إلى مجموعة من علماء التربية الذين استقدمهم من الغرب ل " إصلاح " التعليم بأنه يريد نظاما تعليميا ل " تبليد المواطنين " ، كما صرح الحسن الثاني ، جوابا على سؤال للصحافي الفرنسي جون دانييل ، بأن ما صرفه عن إصلاح التعليم هو أن " كل الذين علمناهم صاروا إما يساريين أو إسلاميين ."  

كما أن التساؤل الذي يفرض نفسه ويقوي وجاهة هذا الطرح هو : لماذا فشلت الأنظمة العربية في إيجاد نظام تعليمي فعال في الوقت الذي نجحت فيه مثلا في بناء أجهزة أمنية واستخباراتية عالية الكفاءة يشهد لها القاصي والداني ، بما فيها الدول الكبرى التي أصبحت تلجأ لخدمات أمنية بالوكالة لدى بعض الدول العربية التي سارت بشهرتها الركبان في انتزاع الاعترافات تحت ألوان التعذيب وتتبع الحركات الإرهابية واختراقها وتفكيك خلاياها النائمة والمستيقظة...؟

فالمغرب مثلا مر بمحطات إصلاحية لا تحصى وأنفق الملايير وعقد عشرات الندوات والمؤتمرات والمناظرات تحت مسميات مختلفة ، لكن النتيجة تكون هي نفسها في كل مرة ، أي المزيد من التخلف والاضطراب والانحدار...والهدف الحقيقي لكل تلك المبادرات هو إسكات الأصوات المنتقدة وذر الرماد في العيون وإعطاء الانطباع بأن الدولة تفكر بجد في مصلحة المواطن وتبذل جهودا مضنية لإصلاح التعليم...والملاحظ في كل هذه المبادرات أنها تتم بشكل فوقي بشخصيات معينة ومشبوهة وبتوجيهات محددة ومفصلة على المقاس حتى لا تخرج عن دائرة التخلف المحروسة بعناية...

لكن الأنكى من كل ما سبق أن المبادرات الأخيرة قد أخذت منحى خطيرا لا تكتفي فيه بالحفاظ على تخلف المنظومة التعليمية، بل تعمل على الإجهاز على ما تبقى نقط ضوء فيها من قبيل المجانية والتعريب والبعد الثقافي العربي الإسلامي ، من خلال إعادة التمكين للغة المستعمر وتضييق هامش استعمال اللغة العربية وإقصاء البعد الديني والتاريخ الإسلامي...في ما يبدو أنه استكمال للمخطط الاستعماري التخريبي الذي أفشله الوطنيون الغيورون على دين الأمة ولغتها ومقوماتها الحضارية ، وبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس...

وفي الختام أقدم لكم مقتطفات من الرسالة الشهيرة التي وجهها شارل أندري جوليان ( مؤرخ وأكاديمي فرنسي شهير ) في 1 نونبر 1960 إلى مدير تشريفات الملك محمد الخامس آنذاك السيد بناني ، منبها إلى المنحدر الخطير الذي يسير فيه إصلاح المنظومة التعليمية ومتبرئا من الانحراف المقصود الذي يتجه بالتعليم نحو الكارثة، معلنا بالمناسبة استقالته من منصبه ( عمادة كلية الآداب التي أنشأها بالرباط) حتى لا يتحمل وزر تدمير المنظومة الذي كان يجري على قدم وساق.

يقول أندري جوليان في رسالته : 

" لقد كنت دائما مع التعريب ، لكن مع التعريب من الأعلى .وأخشى أن عملية التعريب التي تتم اليوم ستجعل من المغرب بلدا متخلفا فكريا خلال سنوات قليلة.ولو كان المسؤولون غير واعين بهذا الأمر لما شهدنا هذا الوضع المفارق حيث لا يوجد أي موظف ، ناهيك عن الأعيان وحتى العلماء، يرسل أبناءه إلى المدارس المغربية. ففي الوقت الذي يتم فيه امتداح الثقافة العربية ، يتزاحم الناس أمام أبواب  البعثة للحصول على مقعد في المدارس الفرنسية..وستظهر نتائج هذا بعد سنين قليلة ، حيث ستكون بالمغرب طبقتان اجتماعيتان : طبقة المحظوظين الذين سيكونون قد تلقوا تعليماغربيا راقيا والذي سيتبوؤون بفضله   مراكز القرار، وطبقة أبناء الشعب ضحايا نظام  التعليم العربي المختل في الظروف الحالية والذي سيحبسهم في وظائف ثانوية (...) إن العناصر المغربية الأكثر كفاءة وانشغالا بمستقبل بلدها تتعرض للتهميش والمضايقة في عز الاستقلال(...) كما أن القرارات الكبرى يتم اتخاذها بشكل ارتجالي ، وقد حدث أن اطلعت على بعضها بعد نشرها في الجريدة الرسمية دون أن تتم استشاراتي بخصوصها(...) وإن كان هنالك مجال يشكل الارتجال فيه تهديدا جديا للمستقبل فإنه التعليم.ولا يبدو أن المسؤولين المغاربة يكترثون لذلك.

لقد استدعاني صاحب الجلالة لكي أسهم في النهوض بالثقافة المغربية ، لا لأكون شريكا في هدمها.لذلك قررت الانسحاب تاركا الآخرين يتحملون مسؤولية سياسة تعليمية تبدو لي غير سليمة ومآلها الفشل..."   ( يتبع)

 

(*) لقد قدمت هذا المقال عن موعده في الترتيب ،حيث كان من المفترض أن يكون هوالمقال الرابع ، وذلك نظرا لتزامن هذه الفترة مع الدخول الدراسي ، فمعذرة للقراء الكرام. 

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات