الكبير الداديسي
يحتفل المسلمون في مختلف بقاع العالم في مثل هذه الأيام من كل سنة قمرية بأكبر الأعياد الدينية عيد الأضحى الذي وإن اختلفت أسماؤه من بلد لآخر فهو يعرف يوم النحر، ويطلق عليه في البحرين عيد الحجاج، وفي إيران عيد القربان، لكن في معظم الدول العربية كدول المغرب العربي والشام ومصر يعرف ب( العيد الكبير) أو عيد الأضحى وهو عيد اختير له وصفان للمبالغة (الكبير / الأضحى) دالان على التفضيل (superlative) يعكسان المكانة التي يحظى بها هذا العيد دون سواه من الأعياد حتى إذا حدث و صادف أي عيد وطني أخر بدا عيد الأضحى شمسا ساطعة حجبت باقي الأعياد، وإذا كان في الاحتفال بهذا العيد ما يوحد معظم الدول الإسلامية كشراء الأضحية ، وزيارة الأقارب، وفرحة الأطفال والظهور بأحسن مظهر في اللباس ... فيكاد يكون لكل بلد طقوسه وعاداته التي تفرده وتميزه عن غيره من البلدان الأخرى، لذلك نحاول رصد بعض تجليات احتفال المغربة بعيد الأضحى
ما أن يهل شهر ذي الحجة حتى يكسر المجتمع المغربي رتابته تعم الحركة في الأسواق والشوارع ويشعر الإنسان بالازدحام و الاكتظاظ في كل مكان : في الطرقات في المحطات الطرقية والقطارات والمطارات والموانئ ومختلف وسائل النقل وتطفو على السطح مهن لا يتذكرها المغاربة إلا بهذه المناسبة الجليلة كمهن شحذ السكاكين ففي كل درب يتراءى للزائر رجل كهل يحرك برجله عجلات صخرية يشحذ بها السكاكين القديمة وفي كل حي شباب قد نشروا أواني وتجهيزات خاصة بالعيد بين من يبع الشوايات ومن يبع الفحم الخشبي ، أو المجامر والطواجين ومن الشباب من تخصص في بيع علف الأضاحي من شمندر وشعير وفصة وتبن... أما إذا أطل الزائر على دكاكين العطارين فسيكتشف لأول وهلة خليط الألوان ورائحة الخلطة المغربية الساحرة التي ميزت الطبخ المغربي عبر العصور حيث مزيج الكامون والإبزار الفلفل الأحمر المسحوق تزكم الأنوف ....ولا تسلم الأسواق التجارية العصرية من حمى الاستعداد للعيد حيث تغير جلدها وتكاد لا تفوت الفرصة دون أن تغري زبناءها بتخفيضات في التجهيزات المنزلية خاصة ما يتعلق منها بالعيد إذ يكثر الإقبال على الثلاجات والمجمدات ....
عيد الأضحى في المغرب هو المناسبة الأكثر تحريكا للمغاربة فمن المغاربة من لا يسافر إلا في عيد الأضحى حيث تعرف المناطق النائية عودة أبنائها العاملين في المدن أو خارج المغرب ويكون عيد الأضحى الفرصة الوحيدة التي يمكن ألا ترى بعض الوجوه - وأصدقاء الطفولة الذين فرقهم الزمان - إلا فيها ...
يحرص معظم المغاربة خاصة في البوادي على اقتناء كبش العيد قبل العيد بأيام مما يخلد لتفاعل الأطفال مع الكبش ويسم ذاكرتهم بحنين للطفولة والعيد ... حتى إذا حل يوم العيد توحد المغاربة في نحر الأضحية التي اعتبروها أكثر من سنة مؤكدة فترى من المغاربة من لا يصلي ومن لا يملك قوت يومه ومع ذلك يحرص كل الحرص على اقتناء أحسن الأضاحي .ولا يتهاون في الالتزام بسنة الأضحية ..
يصاحب العيد في المغرب طقوس وعادات يختلط فيها الديني بالخرافي تختلف العادات من منطقة لأخرى لتشكل جزءا من الهوية الثقافية الشعبية المغربية فمن القبائل ما تزين جبهة الكبش بالحناء . وحتى وإن كان عدد كبير من المغاربة يفضلون صيام العشر الأواخر من ذي القعدة وخاصة يوم الوقوف بعرفات فأن عددا من كبار السن يفضلون الصيام صبيحة العيد إلى حين الإفطار على كبد الخروف عند الزوال، كما تختلف عادات القبائل في التعامل مع الأضحية فغالبا ما تفتح الأبواب للجيران لحظة النحر فترى الأطفال يتبادلون الزيارات محاولين الاستمتاع بنحر أضحية الجيران قبل أن توصد جميع الأبواب مع تصاعد دخان ورائحة شواء الكبد ، كما أن النحر قد ترافقه طقوس يصعب على المرء إيجاد تفسير لها بين من يشرب بعض دم الأضحية ومن يحاول كنز بعض الدم ومن يحافظ على (المرارة) أو جزئ من الأمعاء الغليظة أو (بولبنات) ومن يرش بعض الملح على الدم ...كل ذلك لأغراض تمتزج فيها الخرافة والشعوذة لكن معظم هذه الأمور تكاد يصبح في خبر كان ...
وللمأكولات المغربية في العيد حديث دو شجون ،إذ يمتاز العيد في المغرب بتحضير مأكولات مغربية صرفة لا تحضر إلا في عيد الأضحى ، فبالرغم من وجود عدد من الأسر تفضل عدم تقطيع الكبش وعدم تناول اللحم في اليوم الأول والاقتصار على الكبد والرئة والطحال و(التقلية ) وغيرها من الأعضاء الداخلية للأضحية وتناول الرأس في اليوم الثاني بعد أن يكون قد قضى ليلة كاملة علة نار هادئة ولعل من أهم المأكولات التي يتوحد فيها المغاربة هي شواء الكبد الملفوف بالشحم يوم العيد ، ولن يعد العيد كاملا بدون هذا الشواء بل قد تصاب بعض الأسر بالنكسة إذا حدث أن كانت الأضحية لا تتوفر على شحم الشواء ، فقد تصبح حديث كل الجيران ويصبح محط سخرية أمام أهله ودويه، بل إن أسئلة معظم المغاربة مساء يوم العيد تكاد تقتصر على كيف كانت (دوارة) =(المعدة وما يحيط بها من شحم ) الأضحية ، وبعد اليوم الأول تتفن المرأة المغربية في المأكولات ( المروزية ، الكتف ، الضلعة ،.ناهيك عن الكباب الذي يصبح حاضرا في معظم الوجبات.)
ويبقى أكبر المستفيدين من العيد هم الأطفال فقد كان للعيد ألعابه الخاصة ففي بعض المناطق من الأطلس كانت تقام مسابقات للأطفال على ظهور الحمير ، وفي مناطق أخر يحيى كرنفال بوجلود كما كنا ونحن صغارا في البادية نلعب لعبة بقرون الكبش نضع القرن ونحاول تسجيل أهداف بالحجر من تحت تجويف القرن وكان أكثر الأطفال فوزا من يتوفر على قرن كبير كما لعبا كثيرا لعبة (لكعاب) ننتظر بشغف كبير طبخ آخر طرف في الأضحية لنحصل على الكعبة وهي مفصل في رجل الخروف الخلفية نجمع أعدادا كبيرة منها أطفال ونتسابق نحو الأسر التي لا أطفال لها للحصول على الكعاب ، فترى الأطفال محموعات يلعبون لعبة شبيهة بالبلى ... لكن للأسف معظم الألعاب المرتبطة بعيد الأضحى بدأت تنمحي من المجتمع المغربي بعد أن حلت محلها كرة القدم والألعاب الإليكترونية ... كما بدأ عدد من المغاربة يتجهون لذبح الأبقار والماعز بحجة احتواء الأغنام على نسب عالية من الكوليسترول والذهون ... ومهما تتغيرت العادات سيبقى عيد الأضحى الرجة الكبرى التي يتحرك على إيقاعها كل المجتمع المغربي والتي لا يمكن لأي مغربي ان يمرر هذا اليوم دون توفير ثمن الأضحية حتى وأن تصادفت مع مناسبا تتقل كاهل الأسر كما هو الحال هذه السنة الذي جاء فيه العيد متزامنا مع الدخول المدرسي .. وقد تجد عدد من المغاربة يفضلون هذه السنة على الفروض فقد يكون المغربي تاركا للصلاة، ومانعا للزكاة لكنه لا يتهاون أبدا في الاحتفال بهذا العيد إنه العيد الكبير وعيد الضحى