محمد شكري
حين كتب جون جاك روسو كتابه الشهير العقد الإجتماعي افترض أن العلاقة بين المواطن و الدولة يحكمها عقد يتنازل بموجبه المواطن عن جزء من حريته الفردية مقابل حرية جماعية و نظام يعيش تحت ظله يضمن أمنه و سلامته فهناك واجبات و حقوق للحاكم و المحكوم و الشرعية الوحيدة هي احترام هذا الميثاق.
طرحت هذه المقدمة لنضع أنفسنا في سياق ما يحدث و ما يعرفه المجتمع المغربي من تحولات أضحت معها مسألة الإعتراف بمواطتنه الكاملة أمرا لا محيد عنه، فالمواطنة ليست بالحصول على بطاقة وطنية و المشاركة في الإنتخابات و لكنها بالأساس احترام الدولة لمواطنيها بما يضمن حرية مسؤولة و كرامة مصونة.
إن فرض الإحترام الواجب للدولة يقابله احترام واجب للمواطن بما هو إنسان بالدرجة الأولى من خلال ضمان كامل حقوقه المدنية و السياسية الإجتماعية المتعارف عليها فالمواطن الذي يتمتع بحقوقه كاملة أكيد أنه مواطن مستعد للالتزام بكافة واجباته تجاه الوطن، إذ أنها لا تعدو أن تكون مسألة أخذ و رد في الاتجاهين يتبعه تعلق روحي بذلك الحيز المكاني الذي يسمى وطن.
لقد ضحى المغاربة بالغالي و النفيس من أجل بلدهم و هم مستعدون للتضحية حين يطلب منهم ذلك.. يموتون كي يحيا الوطن.. يجوعون كي يشبع الوطن.. لكن بالمقابل على الدولة أن تضع مواطنيها فوق كل اعتبار.. أن يكون همها هو الإنسان كان عزيز القوم أو أدناهم.. غنيهم أو فقيرهم..
لا ينبغي الاستهانة بذكاء المواطن أو الدوس على كرامته لأن ردة فعله حينها لن تكون معروفة.. فالمواطن إنسان أولا حتى لو كان مجرما، فهناك قوانين ينبغي احترامها و مساطر يجب اتباعها بالحرف، و المسؤول الذي يمثل الدولة إن لم يتشبع بروح المواطنة فلن يكون قادرا على تمثلها أثناء تعامله مع المواطنين، و كل شنآن يراه ضده إنما هو غضب تجاه الدولة و ليس تجاهه كشخص، فإن لم تستوعب الدولة أبناءها فالعواقب لن تكون محمودة.
إن السياق التاريخي للمرحلة و ما يسمى بثورات الربيع العربي المدروسة جيدا لتفتيت المفتت و تقسيم المقسم ليست في مصلحة الوطن العربي لأن ما يحدث هو ركوب على مطالب مشروعة تغذيه مآرب خارجية بأيد داخلية مستغلين الشرخ الذي أحدثته الدولة حين فقدت ثقة مواطنيها كما سلف و فصلت أعلاه و لا أحد من أبناء هذا الشعب يريد تكرار السيناريو الليبي أو السوري و هذه قمة الروح الوطنية، لكن بالمقابل لا يمكن أن تستمر الدولة عبر رجال السلطة في التعامل مع المواطنين بدونية، فمن يلعب بالنار هو رجل السلطة الذي يستهتر بحقوق الناس و يظن نفسه فوق القانون و فوق رقاب العباد و هو بذلك يحرج الملك نفسه حين يكون لزاما عليه التدخل لحل مشاكل نحن في غنى عنها.
إن ما نحتاجه فعلا في هذا الوطن هو ثورة مؤسسات و استقلال تام للقضاء.. نحتاج برلمانا فاعلا يراقب" الشادة و الفادة" و يحاسب و يحقق في كل النوازل..نحتاج رئاسة حكومة قوية مؤسسات تعطي للمواطن إحساسا بأنه محمي من كل تجاوز. لا نريد للتعليمات أن تستمر في تصحيح أخطاء المسؤلين و لا نريد مسؤولين يحكمهم منطق الموظف الذي ينفذ بل مسؤولين لهم الجرأة و روح المبادرة باختصار نريد ديمقراطية حقيقية تكون فيها الكلمة الأولى و الأخيرة للشعب.