يونس وحالو
إن دراسة التدبير التشريعي للقوانين المنظمة للتعمير بالمغرب هو تقييم لكيفية تعاطي الحكومة بالأساس مع الإطار الحاضن لكل العمليات التي تستهدف المجال الترابي ، والمنظم لكل التدخلات، وذلك انطلاقا مما جاء في المخطط التشريعي الذي اكد على أن تنفيذ البرنامج الحكومي يستدعي التعجيل باعتماد عدد كبير من النصوص القانونية الجديدة وتحيين أو إعادة النظر في القوانين القديمة، وهو ما يستدعي رفع وتيرة الإنتاج التشريعي ، وبالتالي يحق لكل باحث ان يتسائل – كل من زاويته – عن مدى تحقق هذه الأهداف، بالرغم من أن هاجس التعجيل والعدد الكبير للنصوص القانونية أمر قد يناقض الجودة التشريعية.
فالتشريع في ميدان التعمير عملية يتم بمقتضاها وضع أسس التدبير العمراني الجيد لما له من نتائج على مستوى توزيع الموارد الطبيعية والأنشطة الاقتصادية وتنظيمها تنظيما حسنا والمساهمة في إنشاء بنية ترابية تقوم على أساس التوازن والتوزيع العادل للثروات ، ولا يزال مصدرا هاما لتنظيم المجال وتقنين العيش فيه باعتباره حيزا يعرف تعارض المصالح وتباين وتداخل الأدوار والوظائف وتقاطع فيها الثقافات والقيم والإيديولوجيات.
وبتتبع مجموع القوانين ومشاريع القوانين التي صيغت من طرف الجهات الحكومية والتي تهتم بقضايا التعمير ، سنجد مجموعة من الأمور التي تؤثر على التدبير العمراني ونجملها فيما يلي :
* الحفاظ على بنية قانونية متقادمة ونفس المقاربة التدخلية:
إن العمل التشريعي لميدان التعمير حافظ على نفس المقاربة للتدخل بحيث أنه مزال متمسكا بالاتجاه التقليدي الذي يقوم على مركزية ومحورية الاختصاص في ميدان التعمير، والذي لا يواكب مبدأ اللامركزية (وهو ما تم تكريسه من خلال المادة 85 من القانون التنظيمي للجماعات رقم 113.14) واللاتركيز الإداري، ولا تستجيب لمتطلبات الاستثمار وللاحتياجات الخاصة لبعض فئات المجتمع.
وإلى جانب ذلك لا زال المغرب متمسك ببنية قانونية متقادمة (قانون 12.90 المتعلق بالتعمير، القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، الظهير الصادر بتاريخ 25 يونيو 1960 يتعلق بتنمية التكتلات القروية)، والدليل على ذلك ما جاء في مضمون التقرير المعد حول إعداد مشروع مدونة التعمير لسنة 2005 والذي اكد على أنه بالرغم من المكتسبات التي تم تحقيقها على الصعيد القانوني، فإن هذا الجانب يعرف مجموعة من العوائق، أهمها تقادم وعدم ملائمة بعض القواعد القانونية ، وجمود بعض المقتضيات التشريعية، وعدم ملائمة الترسانة القانونية للمعطيات
الاقتصادية والاجتماعية الجديدة. وتجدر الإشارة إلى أن نفس الملاحظات مازالت قائمة وتعيق العملية الاستثمارية وتدبير العيش داخل الحيز الترابي، والتي تتم معالجتها عبر تشريعات تقوم بالأساس على التعدد دون وجود لقالب موضوعي يجمعها في إطار موحد يسهل الرجوع إليه، وييسر عملية معالجة الاختلالات الحاصلة.
* تشتيت النصوص و نقض مدونة التعمير
التدبير التشريعي لقوانين التعمير ما زال مصر على تشتيت قوانين التعمير وتوزيع مقتضياته على الكثير من القوانين ، وتجزئ مقتضيات مشروع مدونة التعمير عبر مشاريع قوانين متعددة بشكل يناقض العديد من التوجهات الوطنية والتي نجملها في مناقضة التوجيهات الملكية التي حرصت على إعطاء أهمية كبرى لتجميع المقتضيات القانونية المؤطرة لميدان التعمير على شكل مدونة والذي يتأكد من خلال الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في اللقاء الوطني لإعطاء انطلاقة مشروع مدونة التعمير، وأيضا الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الأخيرة بتاريخ 8/12/2015 حول السياسة العقارية والذي أكد فيها صاحب الجلالة "على ضرورة تسريع إقرار المدونة الجديدة للتعمير، التي سبق أن أطلقنا مسلسل إعدادها، بهدف خلق المرونة اللازمة لإعداد وتنفيذ وثائق التعمير، مع العمل على جعلها أداة ناجعة لتعبئة العقارات، ومحاربة المضاربة العقارية". ومناقضة أيضا التقارير الصادرة عن بعض المؤسسات الدستورية خاصة دراسة للمجلــس الاقتصادي والاجتماعي والبيئــي بناء على طلب رئيــس مجلــس النــواب ، حول نجاعـة المنظومـة الحاليـة للاستثناءات الممنوحـة فـي مجـال التعميـر، وفـي تأثيراتهـا الاقتصادية والاجتماعية والبيئـة والتي أكدت في إحدى توصياتها أهمية وضــع مدونــة التعميــر، وتجــاوز العقبــات القائمــة (الصفحة 81 من التقرير).
وتجلي هذه المناقضة سيتضح من خلال الاطلاع على المخطط التشريعي الذي نص على مشاريع القوانين التي ستسهر عليها وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة (التسمية قبل تقسيم هذه الوزارة في الحكومة الثانية نسخة 2013)، وسنجد أن العديد من المقتضيات التي وردت في مشروع مدونة التعمير الذي لم يرى النور بعد، تم توزيعها على عدة مشاريع قوانين منها مشروع تغيير القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، ومشروع تغيير القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، ومشروع تغيير قانون الوكالات الحضرية ومشروع قانون يتعلق بزجر المخالفات في ميدان التعمير والبناء، مشروع قانون يتعلق بالمباني الآيلة للسقوط، مشروع قانون يتعلق بالمدن الجديدة، مشروع قانون يتعلق بمدونة البناء، وقد صدرت مجموعة من القوانين في هذا السياق كالقانون رقم 12.94 المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري، والقانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء.. .
فخلاصة القول أن نقض مدونة التعمير يعني غياب تقنين تراتبي جامع للنصوص القانونية المتعلقة بالتعمير والإسكان والبناء وبالتالي تكريس التداخل في الاختصاصات إلى المدى الذي يجعل من تحديد المسؤولية بدقة أمرا صعبا، وتشتيت القوانين إلى المدى الذي يجعل من التناقض والالتباس السمة الأساسية. وفي الاخير لا بد من إعادة تبني واعتماد مشروع مدونة التعمير جامعة للأحكام الكبرى ، وتحد المقتضيات القانونية.