مصطفى بن عمور
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ...والسلام على عباد الله الذين اصطفى . أما بعد : فكلما أقبل عيد الفطر المبارك الكريم إلا وتنهال الأسئلة مثنى وثلاث مكررة موضوعا أصبح عند العقلاء داعيا للملل ...ان لم يكن سببه الكسل ...هذا الكسل الذي تحجرت معه الهمم على رأي واحد ووحيد يزعم أصحابه انه لا يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا بل ينبغي إخراجها طعاما : شعيرا او تمرا او بُرا ...معتمدين في ذلك على ما رواه عبد الله بن عمر كما في الصحيحين حيث يقول { فرض رسول الله زكاة الفكر صاعا من تمر او صاعا من بر او صاعا من شعير ( وفي رواية أو صاعا من أقط ) على الصغير والكبير من المسلمين }...معللين رأيهم بأن الأمر فرض من رسول الله ولو كانت القيمة تجوز لذكرها وبينها ...كما أن هناك أئمة كانوا على هذا الرأي مثل مالك واحمد والشافعي مردفين بالظاهرية ... والحقيقة أن الذي أوقع القائلين في زماننا بهذا الرأي الى حد التعصب ...هو عدم إحاطتهم بالموضوع كما هي عادة أهل العلم وطلبته المجدين المخلصين ....وإذا كان الأئمة الأولون غفلوا عن او لم يصلهم ما يخالف رأيهم ...فما قول المقلدين المعاصرين وأمامهم ديوان السنة والأثر منشور محقق سهل المأخذ ...وكيف غاب عنهم مستند الرأي الآخر الذي يعتمد على روايات صحيحة او حسنة تؤكد مذهب من أخذ به في إخراج زكاة الفطر نقدا بدلا من الطعام ...كيف يحجرون واسعا وهم يرون أحد أئمة السنة والحديث وهو الإمام البخاري يذهب هذا المذهب لا برأي ابتدعه او اجتهاد صار اليه ...بل عنده من الآثار ما فيه مَقنع وكفاية ...فقد كتب بابا سماه : باب العَرض في الزكاة ...ذكر فيه قصة معاذ حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم الى اليمن عاملا على الزكاة حيث قال لليمنيين : ائتوني بعَرْض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة .... فقد روى البخاري هذا الأثر بالتعليق الجازم لتأكيد صحته في نظره كما يقول الإمام ابن حجر وكأنه عضده عنده بالأحاديث التي ذكرها في الباب ، وبين ان الحديث وصله يحيى بن آدم في كتابه الخراج ...كما استدل البخاري رحمه الله على هذا المذهب بقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يوم عيد الفطر : تصدقن ولو من حليكن . وقد صرح الامام احمد بأن العيد هو عيد الفطر ...فجعلت المرأة تلقي الخرص والخاتم والشيء ...والشيء هنا مثل العقد المصنوع من القرنفل والمسك وشبهه ... وينبغي التأكيد على ان رسول الله أمر معاذا حين بعثه الى اليمن قائلا : خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقرة من البقر ...ومع ذلك قال معاذ رضي الله
عنه للناس : ائتوني بعرض ثياب بدل الشعير والذرة ....وقد أقره الرسول عليه السلام ولم يثبت إنكاره عليه ..وإلا رد ذلك الى أهله ونهاه عنه ... وهذا القول أي اخراج المال او العرض بدلا عن الطعام هو قول جماعة من الصحابة والتابعين وهاهو الإمام العيني يقول في شرح البخاري عمدة القاري : واعلم أن دفع القيمة في الزكاة جائزة عندنا ، وكذا في الكفارة وصدقة الفطر والعشر والخراج والنذر ..وهو قول عمر وابنه عبد الله ( أقول تقريرا لا فعلا ) وابن مسعود وابن عباس ومعاذ وطاوس وقال الثوري : يجوز إخراج العروض في الزكاة اذا كانت بقيمتها ...وهو مذهب البخاري واحدى الروايتين عن أحمد ...وقال الطرطوشي : هذا قول بيِّن في جواز إخراج القِيم في الزكاة .قال : وأجمع أصحابنا على انه لو أعطى فضة عن ذهب أجزأه ...وأجاز ابن حبيب ( المالكي ) دفع القيمة اذا رآه حسنا للمساكين ../ اه وأقول : بل هو قول جماعة من المالكية كابن حبيب وأصبغ وابن أبي حازم وابن دينار القرطبي الفقيه تلميذ ابن القاسم وابن وهب الإمام الكبير المحدث أثبت الناس في مالك ...أضف الى من سبق : الإمام الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والإمام الاعظم ابي حنيفة وهو مذهب اسحاق بن راهويه وأبي ثور وكثير من أهل البيت ... وقد ألف الشيخ العلامة احمد بن الصديق رسالة ماتعة شاملة حول هذا الموضوع بعنوان : تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ، ساق فيها إثنين وثلاثين وجها تعزز هذا المذهب السني الصحابي ...وليس بدعة او رأيا مقطوع الصلة هائم الوجهة ....كما يزعم المقلدون المتعصبون لرأيهم ... خاتمة : من أحب إخراج زكاة فطره طعاما فله ذلك ...ومن أراد إخراج قيمتها نقدا فله ذلك وفي الأمر سعة مبنية على السنة والجماعة .. فمن تعصب وضيق فإثمه على نفسه
متابع
تمخض الجما فولد فأرا
أنت لم تأت بأدلة قاطعة وإنما هي آثار لم تثبت صحتها لتخلص في الأخير إلى التسوية بين إخراجها طعاما ومالا وليتك جوزت الإخراج بالمال وسكت بدلا من تسوية الأمرين وجعله اختيارا