محمد كريم
نود في هذا النص أن نساهم في اغناء النقاش حول موضوع قرار تعويم سعر الدرهم وانعكاسته و كذا تسليط الضوء على المخاطر التي تواكبه بعد النقاش الدائر حول هذا الموضوع و تصريحات الحكومة بشانه.
ولان هذا الموضوع بالضبط كمثيله المتعلق بنضام المقاصة لا يقبل أي مجازفة بحيث يتوجب فتح نقاش عمومي موسع لان أي تسرع في وثيرة التحرير سيؤدي الى الاخلال بالعقد الاجتماعي الذي يربط المغاربة بالدولة والى احتجاجات لن تحمد عقباها. ذلك، لان التعويم في حالة انهيار سعر الدرهم وعدم قدرة بلادنا على انقاد قيمته بتوفر مخزون كافي جدا من العملة الصعبة أو عدم وفاء صندوق النقد الدولي لالتزامته اتجاه المغرب فان اقتصادنا سيتعرض بدون شك لكارثة اقتصادية و اجتماعية. لهذا يقال ان خطأ الاقتصادي يكون خطيرا مقارنة مع خطأ الطبيب لانه يعني مجتمعا باكمله وليس شخصا واحدا.
يمكن ان نتساءل : ما دخل صندوق النقد الدولي في موضوع التعويم ؟ بكل بساطة لان تعويم الدرهم أو تحريره، كجميع الاثمنة الاخرى، حسب قانون العرض و الطلب، كان منذ خمسة عشر سنة خلت توصية من هذه المؤسسة الدولية كمثيلاتها المتعلقة باصلاح نضام الدعم أو توصيات اصلاحات اخرى اقل اهمية. لقد كان هذا الصندوق ذو ''الحجم المتواضع'' كان يتحين الفرصة منذ مدة لفرض
توصيته هاته طبقا لمضمون المادة الرابعة من قانونه الاساسي و التي تحتم على الدول المنخرطة الالتزام بها وقبول مهام دعمه التقنية سنويا و التي تحتضنها وزارات المالية للبلدان المعنية.
ولهذا نلاحض من جهة اخرى، ان التقارير الاقتصادية السنوية لصندوق النقد الدولي المتعلقة بالمغرب مثلا تضل جد ايحابية ويطبعها التفاءل المفرط مقارنة مع تقديرات الخبراء الاقتصاديون المغاربة الوطنيون و الجادون لان املاءاته تنفذ حرفيا.
اما تجربة التايلاند، والتي يسوقها البعض على انها تجربة ناجحة، في تعويم البهت التايلاندي، من أجل اقناع ذوي القرار السياسي و الاقتصادي في المغرب وحثهم على المضي نحو تعويم او تحرير سعر صرف الدرهم فانها تجربة لا يمكن ان يقاس عليها. والسبب بسيط وهو ان صندوق النقد الدولي كان مساهما في الازمة و الانهيار الاقتصادي الذي حل بهذا البلد حيث التوصيات الصادرة منه لا تراعي مصالح البلد بالبتة وانما مصالحه ومصالح ذويه (المحور الاول).
لهذا في تقديرنا لا يجب على المغرب المجازفة و التسرع و المضي في اتجاه سياسة سعر الصرف مبنية على التعويم لاعتبارات علمية مرتبطة بسلامة تواجد نضام صرف ثابت بجانب اغلاق حساب الراسمال للمغرب و اخرى موضوعية و عملية متعلقة بالمخاطر القاتلة للتعويم ارتباطا مع البنية الازدواجية لاقتصادنا المتكونة من قطاع غير مهيكل واخر مهيكل و قطاع سلع غير قابلة للتداول واخر قابل للتداول و لضعف تنافسيته. و كذا لاعتبارات الجدوى لان القرار الاقتصادي في المغرب من الافضل له ان يتجه، كما هو الشان بالنسبة للدول الاسيوية، الى نموذج تنموي يركز على الانتاج قبل ان يتجه الى تعويم سعر صرف الدرهم (المحور الثاني).
المحور الاول. مسؤولية صندوق النقد الدولي في الويلات التي عصفت بالاقتصاديات البرازيلية و الروسية و التايلاندية
في الثاني من يوليوز 1997، لما انهار البهت، العملة التايلاندية لا احد كان يتوقع انها بداية الازمة الاقتصادية التي لم يعرفها العالم منذ 1929 حيث انطلقت هذه الازمة من اسيا الى روسيا ثم امريكا الاتينية بالشكل الذي هدد العالم باسره. وما ان ضنت هذه البلدان تعافيها من الازمة حتى دخل
العالم في ازمة اخرى مالية و اقتصادية جديدة لسنة 2009. بقي فيها الاقتصاد المغربي نسبيا في منائ عن انعكاساتها السلبية لكونه لم يقم بتحرير حساب الراسمال ولضعف علاقاته المالية مع الخارج.
في ضل هذه الازمات و نضرا لعدم قدرة صندوق النقد الدولي على تنبئها او معالجتها عند اندلاعها ذهبت عدة دول في الولايات المتحدة الامريكية الى المطالبة بالتغيير الجدري لتوجهات الصندوق و المؤسسة نفسها لان صندوق النقد الدولي هو من خلق الازمة لكونه كان يطالب بتحرير سريع للاسواق المالية وهي بعض الاخطاء التي يعترف بها الصندوق نفسه فيما بعد.
فعدد كبير من الدول قررت بنفسها و لنفسها و حققت تقدما اقتصاديا بعيدا عن املاءات صندوق النقد الدولي كالهند و الصين اللتين تبنيتا سياسات اقتصادية مستقلة و راقبتا عمليات الرساميل ونجحتا في ذلك. نفس الشيء ينطبق على كوريا الجنوبية و ماليزيا اللتين رفضتا املاءات الصندوق حيث لعبت الدولة الماليزية دورا نشيطا في اعادة هيكلة المقاولات و احتفضت بسعر صرف العملة في مستوى مخفض عوض رفعه. اما اثيوبيا فقد رفضت توصيات الصندوق المتعلقة بتحرير سوقها المالي وكانت محقة في قرارها واستفادت من تداعيات تنفيذ قرارات الصندوق في كينيا و افريقيا الشرقية.
وبالرجوع الى التايلاند التي اعتبر البعض تجربة يمكن ان يحتدى بها في المغرب فقد طبقت توصيات صندوق النقد الدولي بالحرف. لكن بعد مرور ثلاث سنوات على بداية الازمة ضلت في الكساد الاقتصادي بناتج داخلي خام يقل ب 2.3 بالمائة عن مستواه قبل الازمة.
ان اديوليوجية السوق الحرة التي يتبناها الصندوق في التايلاند سمحت بدخول مكثف لاموال المضاربة. وكان هذا من بين الاسباب الرئيسية في التذبذب الذي حصل في سعر العملة التايلاندية. وعوض ان يعالج الصندوق المرض من اصله يقوم بمعالجة اعراض المرض و هو التذبذب في سعر العملة بضخه ملايير الدولارات في السوق.
هكذا يحكم صندوق النقد الدولي قبضته على الدول المتهورة و التي يجرها الى تعويم نضام سعر الصرف عبر توطيد تبعيتها والرجوع اليه في حالة تدهور قوي في قيمة العملة حيث يبدا الصندوق
باقتراح مخطط انقاد واقراض الدولة ملايير الدولارات من اجل تقوية سعر العملة لكي يرجع السعر الى مستواه الاصلي. وهذا ما فعله الصندوق مع البرازيل و روسيا سابقا ومع مصر حاليا. ان مخططات الانقاد هاته لا تنجح دائما فمثلا في يناير من سنة 1999 انهار الروبل الروسي باكثر من 45 بالمائة من قيمته الحقيقية مقارنة مع مستواه في يوليوز 1998 رغم منح القرض من طرف الصندوق من اجل تخفيض قيمة الروبل.
والى يومنا هذا لا يشرح لنا صندوق النقد الدولي بشكل مرضي لماذا يضخ كل هذه الاموال المكلفة في السوق العملات و ليس مستعدا لضخ نفس الحجم او اقل منه من الاموال في اسواق اخرى كالسوق النقدي او سوق الشغل.
المحور الثاني. مخاطر تعويم سعر صرف الدرهم في المغرب
رغم تمكين قرار تعويم سعر الدرهم من استقلالية السياسة النقدية في المغرب الا ان هناك حالتان قصويتان بشأن تغير قيمة الدرهم، اذا حدثتا، ستخلقان اشكالا اقتصاديا كبيرا. و اما الحالة الاولى و المحتملة جدا و هي انهيار قيمة الدرهم بالمقارنة مع الاورو والدولار بشكل متوازن مع محددات اقتصاده كما يترقبه المضاربون حاليا. وفي هذه الحالة تكون الانعكاسات سلبية جدا. فاذا ما انخفضت قيمة الدرهم ب 10 بالمائة مثلا فان قيمة الدين الخارجي بالدرهم سترتفع ب 10 بالمائة و قيمة الواردات بالدرهم سترتفع ب 10 بالمائة. مما سيؤدي الى تضخم مستورد وغلاء المعيشة، و قيمة الصادرات ستنخفض ب 10 بالمائة لان مرونتها ضعيفة. و بالتالي فالعجز التجاري سيتدهور بالضعف، اي 20 بالمائة.
وامام الاستنفاذ التدريجي لمخزون العملة الاجنبية الضرورية من اجل دعم قيمة الدرهم او اثر الاستيراد ستتقلص الكتلة النقدية و ستنخفض السيولة البنكية و سترتفع اسعار الفائدة و ستتقلص القروض البنكية ثم الاستثمارات الخاصة الكفيلة بخلق مناصب الشغل. ففي الاقتصاد من اجل خلق المقاولات و خلق مناصب شغل جديدة يجب توفر الرسمال و فكر المبادرة الحرة. لكن،
في الدول السائرة في طريق النمو، فبدون تعليم جيد لن تتاتى المبادرة الحرة و بدون القروض البنكية لن يتاتى الراسمال.
وتجدر الاشارة الى ان سياسات سعر مخفضة لقيمة الدرهم في المغرب لم و لن تكون ناجحة نضرا لضعف مرونة العرض التصديري رغم المخططات الفلاحية و الصناعية و رغم تخفيض اثمنة الصادرات. لان شركائنا لا يستوردون من المغرب الا كميات محددة سلفا بعض النضر عن تخفيض الاثمنة. نفس الشيء ينطبق على الواردات التي تصبح باهضة الثمن لنفس الكمية المستوردة أو اكثر خصوصا المواد الطاقية و التجهيزات الاساسية
لهذا ناكد على ضرورة توفر مخزون جد مهم من العملة الصعبة، التي يتحتم حسب تقديرنا ان يتجاوز السنتين من الواردات، متجاوزا العتبة التي حددها صندوق النقد الدولي، من اجل تمكين الفاعلين في السوق من طلب الدراهم وعرض العملات الاجنبية.
اما الكارثة العضمى وهي انه في حالة تعذر دعم قيمة الدرهم في السوق بهذه الطريقة نضرا لنفاذ المخزون ستجد الدولة نفسها مرغمة على طلب اللجوء لمخطط الانقاذ الذي يقترحه صندوق النقد الدولي لانه مصر على استخلاص ديونه قبل التعافي او بعد التعافي. للاشارة فقط انه ان كان لزاما على الدول المنخرطة في صندوق النقد الدولي ان تنفذ توصياتها بموجب المادة الرابعة فان دولا كالولايات المتحدة الامريكية ودولا اخرى متقدمة كفرنسا تتجاهل بتاتا هذه التوصيات.
اما في الحالة القصوى الثانية و هو مستبعدة و تتعلق بالارتفاع في سعر صرف الدرهم الاسمي بشكل كبير من جراء تدفق قوي لاستثمارات خارجية مباشرة او تحويلات السياحة او انتعاش غير متوقع في اثمنة الفوسفاط في السوق الدولية أو دخول عائدات مكثفة اثر بيع الفاعلين الخواص للقنب الهندي. في هذه الحالة سيسهل على بنك المغرب انتاج الدراهم و وضعه عند طلب الابناك ستمكن من تخفيض قيمته في السوق.
و من جهة اخرى، ومع ان ازدواجية بنية الاقتصاد المغربي المكونة من قطاعات ريعية و تصديرية ستتحول هذه الموارد المجتملة الى القطاعات الريعية و المحمية التي تنتج السلع غير القابلة للتداول
كقطاع العقار و الخدمات مقارنة مع القطاعات التصديرية و سترفع من سعر صرف الدرهم الحقيقي.
لقد كان اجدى، التركيز على تقوية الاقتصاد وأسسه عبر الاستثمار في محركات نموذج تنموي مبني على الانتاج عوض الانسياق مع التوصيات الكونية و الموحدة لصندوق النقد الدولي و تجريبها كالفئران الناعمة و التي ستجلب على بلدنا مزيدا من الويلات هو عن غنى عنها. سيتاتى تقوية الاقتصاد أولا، عن طريق تراكم قوي في الادخار و تحويله الى استثمار منتج في شقه العام و الخاص و ثانيا، عن طريق الاسثمار في الراسمال البشري خصوصا التعليم المعمم و المجاني و ثالثا، التحويل البنوي والسريع للنسيج الانتاجي وتطوير التصنيع في اطار سياسة صناعية موجهة من طرف الدولة ثم رابعا، عن طريق الحكامة المؤسساتية الجيدة و تقوية القضاء و احترام القاعدة القانونية. ففي هذه المجالات بالضبط توجب الاجتهاد من اجل خلق وتنويع العرض التصديري المستدام.
المحور الثالث. التوصيات
اولا، السعي نحو تخفيض مهم في الديون الخارجية للمغرب ازاء الصندوق بالشكل الذي يجعل القرار الاقتصادي سياديا والاحتفاض بحبل الود السياسي مع المؤسسة الدولية كما يتوجب على الفاعل السياسي تفادي القراءات السطحية لقرارات ذات الخطورة القصوى على مجتمعنا،
ثانيا، اقتراح توسيع مجال تغيير سعر صرف الدرهم و تثمين الاحتياطات من العملة الصعبة الذي يجب ان تتجاوز السنتين تفوق بكثير العتبة التي يحددها الصندوق،
ثالثا، عدم فتح حساب الراسمال امام التدفقات الرساميل الاجنبية للمغاربة لتفادي تدفق رساميل المضاربة الحاملة للازمات و تقوية مناعة النضام المصرفي المغربي و تحسين حكامته و توسيع تواجده الافريقي،
رابعا، الاستمرار في تقوية ثوابت الاطار الماكرو اقتصادي كالرفع من نسبة النمو الاقتصادي و تخفيض نسبة عجز الميزانية و التحكم في التضخم باعتماد اجراءات بنيوية وليست ضرفية و خفض المديونية العمومية و ربط النفقة بالنتائج،
خامسا، تقوية الادخار و الاستثمار في التعليم العمومي و تبني سياسة صناعية تحت موجهة من طرف الدولة، وهي تلك العوامل التي جعلت من الدول الاسيوية دولا متقدمة و مستقلة عن املاءات صندوق النقد الدولي،
سادسا، محاربة الفقر و الهشاشة عبر تبني سياسات عمومية تستهدف الفقراء و الطبقة الوسطى لتفادي الاحتجاجات في حالة اندلاع الازمات. و لان هذه القضايا ليست في صلب اهتمامات صندوق النقد الدولي.