عبد اللطيف مجدوب
في دروب مراكش
في أحد دروب مراكش العتيقة ، بينما كان البشير يتقدم جماعة من السياح الألمان ، إذا بسائحة تتوقف فجأة ملتفتة إلى نوافذ خشبية مهترئة تعلو جدران ذلك الزقاق ؛ صوبت عدسات كاميراتها إلى جهة ما .. بين الحين والآخر كانت تفرك أرنبة أنفها كمن ينتشي رائحة ما . بدا من قدها أنها لم تكن تتجاوز عتبة العشرينيات من عمرها ؛ تزدان شفتاها بخلاخل تشع في ضوء خيوط أشعة دافئة كانت تتسلل من وراء جبال الأطلس إلى أحياء البهجة . التحقت بكوكبتها راسمة للبشير ؛ في عينيها الخضراوين وشفتيها الدقيقتين ؛ ابتسامة الاعتذار .
في ختام الزيارة ، عادت الكاميرات إلى أغمادها ودبت بين الركاب داخل الباص وشوشات الإعجاب بالمشاهد وهم عائدون إلى فندق المنارة . استغلت الشقراء الألمانية قعود البشير إلى الخلف بمكان منزو لتلتحق إلى جواره .. بادرته قائلة : " .. مدينة عتيقة .. ذات جمال فتان .. لم .." قاطعها بجملة يلوكها باستمرار : " .. نعم أيتها الآنسة .. جمال سيترك لك انطباعا لزيارتها مرة أخرى ..و " قاطعته بدورها في ارتباك ملحوظ ويداها مشبكتان إلى ركبتها : " .. لكن .. !"
دنا منها البشير : " .. لكن .. ماذا ..؟ " أجابت بغنج : " .. نفحتني رائحة من هناك .. إنها رائحة تستهويني كثيرا وأعتذر إذا أنا. !"
البشير بحكم أقدميته في حرفة " التّكياد" رأى أن القاعدة إلى جواره تريده أن يختلي بها .. لكن كم كان اندهاشه وهي تهمس في أذنه ملحة : " .. رائحته أعجبتني .. ويذهب بي حدسي إلى أنه مجلوب من كْتامة Kitama ، فهل هذه البلدة قريبة من هنا ..؟ !"
أطرق البشير برأسه مليا .. لقد وضعته الألمانية في كف عفريت ، كيف له أن يستجيب لطلبها والقانون مشهر بسيفه في وجه كل من ثبتت في حقه وساطة ممنوعات .. كيف له أن يلبي شهيتها أو بالأحرى إدمانها .. قبل أن تنسل عن السرب وترتمي في أحضان دروب مظلمة بحثا عن ضالتها ؟! .."
توقف الباص بباحة الفندق ، وقبل أن يهم البشير بالنزول أومأ لها بهزة رأس مع كلمة ..Ok
السائحة تبحث عن ضالتها
غاب عنها إلى حين قبل أن يطلبها ببهو الفندق .. انزوى بها بعيدا عن الأنظار ، متظاهرا بتسليمها صورا فوتوغرافية مع مظروف بحجم صغير . برنامج الزيارات أوشك على نهايته ، وفي الخرجة الأخيرة لنفس السرب ، بينما كان يهم بالتقاط صور من داخل ساحة الفنا ، اقتربت منه الألمانية بعينين غارقتين بالدموع وقالت في توسل باد : " .. ليس هو الصنف الذي تنسمته البارحة ، بضاعتك رديئة .. وأعتذر !" لدى عودتها إلى شقتها ظلت تتقلب في فراشها ، وهي تحاول أن تطرد عنها سحر تلك النسمات التي ملكت عليها أحاسيسها .
نزلت إلى البهو وطلبت من المستخدم طاكسي ينقلها إلى وجهة غير معلومة ، سلمت للسائق صورة شبه معتمة للشرفة المطلة على الزقاق ، إلا أن السائق ظل واجما ؛ يتأمل تفاصيل الصورة .. فاستعانت أنجيلا بالمستخدم الذي كان يحتفظ بسجل الزيارات السياحية لكل فوج على حدة .. ناداه قائلا : " .. ادّيها لْدربْ القنّاريّة .. لْوي على يدّيك دَشْمالْ .. سيرْ مْعاها رْجلْ لرْجل ..آعنْداك آهْيا .."
كان الظلام دامسا يلف تلك المنطقة والأزقة شبه مقفرة ، وأضواء غبشة لمصابيح بدت في جو الرطوبة أشبه بفوانيس بعيدة يغلفها الضباب . بعد أن ركن سيارته ارتجلا فمشيا قليلا ، بين الفينة والأخرى كان السائق يعيد إمعان النظر في الصورة ، وفجأة توقفت أنجيلا ونظرات الارتياح ملأت بصرها مشيرة إلى الكوة كما وردت في الصورة .. وقف السائق متسمرا في مكانه وحيرة بادية في نظراته ، والتي كان يتنقل بها من ساعة معصمه إلى وجه الألمانية ، هذه الأخيرة عمدت إلى حقيبتها فناولته ورقة نقدية زرقاء ..وأومأت إليه بطرق ذلك المنفذ .. أمسك بيدها وصعدا درجا خشبيا متهالكا ؛ يتأوه متوجعا بإحداث قرقرة عند كل وطأة قدم .. على ضوء ضعيف لهاتفه وصلا إلى باب حديدي ؛ اعتقد السائق بحدسه أنه المفضي إلى تلك الكوة ... تردد قليلا قبل أن ينقر بخفوت على الباب .. فتحت له كوة صغيرة ليطل منها بالداخل شبح لرأس بشعر مشعث وصوت هادر مخنوق الأنفاس : " ..آشْ بّيتي ..واشْكون نْتا ..جايْ تتقضّا مع لفجرْ .. فينْ كُنتي بالنهار .. دْروكا آشْ بّيتي .. لْقطْبانْ .. ولاّ المعسّل ..؟ !" سكت السائق وهو لا يفقه لهذا المخلوق معنى .. لْقطْبانْ ؟ ! هل نحن في عيد الأضحى ؟ نهره الشبح قائلا وهو يهم بإغلاق الكوة في وجهه : " .. آسير آعزْنا ولاّ نخرجْ نكادْ لْخويا العظامْ .. واهْ جايْ .. فنْصاصات دلّيلْ تنوّضْني على والو .. ؟ !"
فما كان من السائق إلا أن أطلقها في وجهه بلغة يمقتها أصحاب الحرفة : " ... آمولايْ .. آمولايْ بالتّاعْرابْتْ معايا نصرانيا باغْيا لحشيشْ ديالكْ .."
لدى سماعه بالخطاب أضاء المصباح وعمد إلى فتح الباب .. ليستطلع سحنة الزبون ومن معه . المكان تكسوه فوضى عارمة ؛ تبرز بجنباته كراسي جلدية وطاولة خشبية رمادية تعتليها قصاصات أوراق بيضاء إلى جوار علب صغيرة داكنة مغلقة يتوسطها مهراس حامل لثلاثة أو أربعة أعواد السّبْسي ، روائح عبقة بالحشيش . قعدت أنجيلا تحدق في جدران محملة بنماذج صور ومجسمات لا يمكن لأحد أن يفقه لها معنى إلا إذا كانت نظراته تداعب حلقات أدخنة الحشيش وهي تتوارى بين ناظريه !
أحضر الشاي في البراد المغربي ، ناول كأسا إلى أنجيلا .. قبل أن يتوجه إلى السائق في عجلة : " ..دْروكا باغا آشْنو .. راها السّلْعا فيها وفيها .." عبأ سبسي وأشعله ليناوله إلى الضيفة لكنها أبت مكتفية بانتشاء رائحته .. أشعل السبسي الثاني ، وما كاد ينفث بدخانه حتى زعقت من مكانها ، وهي تردد بارتياح باد على سحنتها Yes ..Yeh very good أخذته وعبأت منه نفسا عميقا لتستعيد رشدها ويتهلل وجهها وكأنها أدركت ضالتها المنشودة .. فأشارت له بأن يلف لها البضاعة في قارورة محكمة الإغلاق ، مخاطبة السائق "
..how much " رد عليها الحشّاشْ سريعا : " ...thousand " . السائق مذهولا : " .. آسّي ..كْميشا بهاد الثمن .. ألف درهم .. آبزّافْ " . نهره الحشاش بصوت أشبه بالرعد : " ... آنوضْ .. آنوضْ .. الله يجيبك على خيرْ مكاتحششْ أولاشْ داوي .. هذا سميتو المعسّل .. والمعسل غالي أو مكاينْشْ ما يوصلّو الهيروين حتى لرْبعْ ادْيالو فالدّوكري "
السائق مستدركا : " ... ألف درهم هيّ ألف درهم زعْما ..."
الحشاش موشحا بوجهه إلى أنجيلا ومتأففا : " ..آلف دولار .. واشْ جابْ لهدرا على الدرهم .. الدرهم عندي ماكايدورشْ إلا معا المزالط " ترددت أنجيلا وعيناها مسمرتان على القارورة .. تحسستها قبل أن تعمد إلى حقيبتها لتمد بطاقة بنكية للحشاش .. أخذها بين يديه والتفت إلى نقاله : " .. آلو ..آسي احميدا .. لاباس اسمح ليّا على الفياقْ شي ضْياف جاوْ لعندي بْغاوْ يدفْعو بالكارطا .."
- احميدا يرد مقتضبا : " .. شي نصْ ساعة غايْجي عندكْ لخدّام معاهْ الماكينا .."
احميدا ؛ صاحب بزار مشهور وسط حي جيليز ؛ تربطه شبكة علاقات بالوكالات السياحية عبر مناطق عديدة في أوروبا وأمريكا ، وموقعه مشهور يرد في كل دليل للسياحة .
تمت الصفقة وتسلمت أنجيلا بغبطة بادية على قسمات وجهها الوردي الناعم القارورة مع بطاقتها وقسيمة الدفع ، ونفحت الحشاش عشر دولارات كعمولة . قبل أن تلتفت إلى السائق مومئة له بالعودة على جناح السرعة إلى الفندق حيث ينتظرها من هناك امتطاء الباص توا إلى مطار المنارة .
عند ترجلها من الطاكسي صرت في كفه ورقة 100 دهـ . وضبت أغراضها وأعدت حقائبها للسفر مع احتفاظها بجرعة من مخدر الحشيش صيرتها غبارا دقيقا بآلة يدوية في حجم السيجار .
أنجيلا فرجينيا
نزلت الدرج إلى البهو لتبادل عناصر فوجها تحية الصباح والتقطت لها صورا تذكارية على مائدة الفطور . أنجيلا بدت أنيقة يفوح منها شذى عطر clive christian ، تختلس النظرات من حولها في خيلاء باد ، مزهوة بتنورتها البيضاء مع تريكو أصفر يكشف عن صدرها العلوي بأزرار في حجم حبات بلورية صغيرة . سائق الباص يصدر إشارة باستقلال كراسيهم ومغادرة المكان .
تحركت الحافلة عبر طريق ازدحمت على جنباته بعض المباني القديمة ؛ ذكرتها بالعصر البرونزي بشتوتكارت مسقط رأسها .
أحست بانتعاش غير معهود وخفة نشاط أوعزت مصدره إلى تلك الجرعة التي تناولتها قبل مغادرتها لشقة الفندق . صعدت السلم ، وعند بوابة الطائرة وقفت وألقت نظرتها بعيدا في اتجاه قمم الأطلس الشامخة ، ونسمات عليلة تداعب خصلات شعرها الذهبية وياقة عنقها تذهب جيئة وإيابا .
استوت في مقعدها حذاء كوة ، جعلت تفرك يديها وتشبكها بعصبية .. لكن سرعان ما عمدت إلى حقيبتها اليدوية في خفية لتأخذ نفسا عميقا من فم قناة دقيقة منتهية بكيس رخو . حلقت الطائرة في سماء مراكش فبدت لها أشبه بجسم على خريطة .. نظراتها لم تكن لتفتر عن قمم الأطلس وهي موشحة ببقايا ندف ثلوج ؛ خالتها وكأنها حبات قطن منثورة ذكرتها بفستان والدتها المتوفاة منذ أكثر من عشر سنوات .. ياللذكرى العجيبة ، وما أشبه الزمان بالمكان !
خلد الجميع للنوم ، ولم يعد يتناهى إلى سمعها سوى هدير المحركات تنهب السماء نهبا .. وفي لحظة ما خطر ببالها التوجه إلى دورة المياه ، ولم يكن يفصل الطائرة عن موعد نزولها بمطار فرانكفورت سوى أقل من ساعة .. بعد حين صدرت للركاب تنبيهات بالتزام قواعد السلامة ، واستعدادهم للنزول .
" ..هنا مطار فرانكفورت مرحبا بكم .. خطوطنا الجوية تشكركم على حسن اختياركم .." الكابتن ميلوسوف تشخت مهنئا المسافرين بالوصول . أثناء تواصل نزول الركاب ، شع ضوء أحمر في بورد الطائرة بوجود بوابة المرحاض مغلقة .
عمد مساعد الكابتن إلى الاتصال بالمضيفة : " .. لعل هناك مسافر ما زال في المرحاض .. تفقدوا المكان حالا .."
دبت هرولة بين مضيفي الطائرة ، طرقوا البوابة ، اتصلوا بالبورد للسماح لهم باستعمال المفتاح السري .. دلفت إحدى المضيفات إلى المرحاض ، لكن سرعان ما صعقت وصرخت وهي تشهد فتاة قاعدة على جانب المرحاض ورأسها متدلي نحو الأرض .. ياللهول !
" .. إنها أنجيلا فرجينيا " ، شرع كبير المحققين يدلي بتصريح مقتضب لجمهور الصحافيين الذين تقاطروا على المطار .." ... عثرنا من بين أغراضها على مواد استهلاكية سلمناها للفرقة الوطنية لمكافحة المخدرات .."
توالى اهتمام الصحافة الألمانية بالحادث ، وحرصت على تفاصيل أكثر دقة ، اعتقادا منها أن الواقعة ليس أمرا اعتياديا ، ولاحظت في أعقاب الأنباء المتواترة أن سياحين عديدين انتهت حياتهم وفقا لهذه الصورة .
بعد مضي ثلاثة أشهر والتحقيقات على أشدها أفضت إلى عثور خبراء المخدرات على وجود مادة (سبايس) ظهرت في تركيبة أنواع عديدة من المخدرات ؛ تشبه في خطورتها مادة الهيروين بعشرة أضعاف ! يقبل عليها المدمن بشراهة ، لكن لا يلبث أن يلقى مصرعه بعد وقت وجيز ، حدده الخبراء في خمسة أيام على الأكثر .
داخل مكتبه ، قعد مستر شاو ماي رئيس الكونفدرالية الدولية لمكافحة جرائم المخدرات عبر العالم WCSDC) ) يتفحص أغراض أنجيلا فرجينيا الهالكة على متن طائرة أقلتها من المغرب . رفع سماعة الهاتف : " .. نعم .. بتنا نتوفر على ثلاثة وثائق مهمة ، صورة فوتوغرافية وقسيمة شراء بألف دولار ، وعينة من مادة حشيش .. لنستقل أول طائرة متجهة إلى مراكش رفقة فريقنا "
بداية التحقيق
حل فريق من الخبراء بمطار مراكش المنارة ، كان في استقبالهم عناصر من الفرقة الوطنية برئاسة الكوميسير موحا ادريس ، بعد تنسيق تام بين الفريقين واستعراض كامل الاحتمالات القضائية ، توجهوا مباشرة إلى عشة الحشّاش بائع التقسيط .. اقتحموا اختلاءه ببعض الزبناء وباغتوه بأفراد من كوماندو مسلح .
صرخ أحدهم في وجهه :" ..هدا هو انتا آدوي آميلود اجّنْ ..ما زالْ ما تبْتي وخّا دوّزتي الحبسْ " ، صعق اجّن " ...لا ..لا والله .."
قاطعه موحا ادريس بأن صوب المسدس في اتجاهه . " .. أنا غيرْ متعلم .. خدّام عندو ..."
- " ...آشْكونْ هوّا المعلم دْيالكْ .. ليكايدْفعْ ليك السلعة ؟ " تدخل أحد العناصر الأجنبية الحاضرة ليسأل عمن تسلم مبلغ ألف دولار ولقاء ماذا ؟
ميلود اجّن أصيب بالخرس لكن سرعان ما أخذ يتوسل إلى الكوميسير موحا : " .. آشّاف .. خايفْ يمشي ادبحْني ..خايف "
موحا صارخا : " ..آدوي .. ما تْخاف من حدْ ..آشكونْ هوّا ؟"
" .. احميدا .. احميدا لقْرعْ مولْ لْبازارْ .. "
في بضع دقائق كان بازار احميدا مطوقا بفرقة مكافحة الحرائق . اتصل به أحد العملاء متنكرا في شخص تاجر مصوغات ؛ يبحث عن اقتناء أواني وزخارف ينتظره بالبازار . احميدا لقْرعْ بقي حائرا .. وهو يتلقى مكالمة من مجهول يستفسره عماذا حل بمركّبه ورجال الإطفاء يحدقون به ..
خرج من الحمام في قميص وتبان .. استقل سيارته ليمونيز ، وكم كانت دهشته وهو لم يستيقظ بعد من هول الصدمة بعد أن رأى مكتبه بالداخل محتلا من طرف عناصر كوماندو .. لمكافحة الجريمة . ناوله الكوميسير موحا سيجارة وولعها له قبل أن يفاتحه : " ..شوفْ آسّي احميدا ... ما عندنا وقت لنضيْعوه معاكْ فقط ..قولْ لينا هدا المعسّل .. واشْ نتا كاتصنعو .. ولاّ كايْجيكْ مخْدوم ..؟"
عبأ احميدا نفسا عميقا من السيجارة قبل أن يلفظ دخانها إلى الأرض ويقول في أثره بصوت ذليل وبارد : " ..عْلاشْ .. هاكدا كايْجيني .. ماعارفْ لا مخدومْ ولا طبيعي .."
- موحا : " .. آشْ من جهة كتدفع ليكْ هدا السلعة ؟ "
- احميدا : " .. بلاصا بعيدا ماشي فالمغرب .."
- موحا مستغربا : " .. ماشي فالمغرب .. كيفاشْ ..هاد الحشيش جايْ من الكيف ..كايانْ شي كيفْ آخور ؟"
- احميدا : " .. كايجيني من بوغوطا .. اقْراطي "
- موحا يمطط شفتيه ، ويتوجه إلى أحد العناصر الأجنبية : " .. يقول بوغوطا .." . يرد عليه هذا الأخير : " ..وهل يمكن تحديد موقع المكان على الخريطة ؟ "
- احميدا يرد بإماءة رأس أن نعم وطلب من أحد المستخدمين أن يجلب له من السيارة جهاز GPSI بتقنية عالية ؛ أرشدهم إلى نقطة زعم أنها معمل صغير يسيره بضعة مستخدمين يقع في قبو تحت الأرض .
مادة سبايس الجوكر
" ... آلو معكم شاو ماي رئيس WCSDC) ) أفادتنا استخباراتنا بالعثور على مكان مختص في تصنيع مادة سبايس والذي يتكون منه مخدر الجوكر " يرد عليه صوت من FBI : " .. سنجعل في متناولكم طائرة الهيليكوبتر مجهزة بفريق الكوماندو من عشرة عناصر مع صندوقين للذخيرة , ستكون في انتظاركم على متن زورق نفاث قرب مدينة طوطو ..
مدينة طوطو شبه هادئة تلحظ على وجوه شبابها علامات الريبة والنظرات المقطبة ، معظمهم على علم بمواقع سرية لتصنيع المخدرات وشحنها بسفن عابرة للمحيطات . بأحد شرفات فندق هناك كان المستر دجانغو (كما يلقبونه بهيئة FBI ) يتخابر مع مدير الوكالة المركزية ستيفن سي : " ..نعم سنضع أيدينا على مكان تصنيع هذه المادة التي خلفت ضحايا يعدون بمآت الآلاف وخاصة بأوروبا.. لكن السؤال اللغز ما علاقة حشيش المغرب بهذه المادة ؟ ... سيدي لقد وصلوا لتوهم سنستقل بعد قليل الهليكوبتر .المركب في انتظارنا أقفل .."
في صباح اليوم التالي التحق أفراد الكوماندو بالسفينة إلى جوار الكوميسير موحا واحميدا لقرع وعناصر من الفرقة الدولية لمكافحة المخدرات .
- كبير الخبراء يتوجه إلى احميدا لقرع : " .. وكيف كان يتم التخابر بينكما ؟ "
- احميدا يشعل جهازه الخاص ويجيب : " ..هناك نقطة تومض بالأخضر لعلها المكان مصدر المخابرة .."
- أحد الخبراء : " .. يبدو أننا على مقربة منها .. جوار هذه الأدغال ، واضعا سبابته على خريطة GPS لكن علينا الاحتراس ، فقد يكون هناك عملاء يراقبوننا .. علينا أن نغادر المركب .. ونسلك طريقا غابويا آمنا .."
بدء المطاردة
ساروا حتى أشرفوا على تلة ومنها لمحوا في السفح عبر تلسكوب يدوي رجالا مسلحين عند بوابة تبدو المدخل إلى السرداب .
- " ..دون إحداث شوشرة " قال أحدهم .. لكن الكوميسير موحا كان له رأي آخر : " .. علينا الإبقاء على أحدهم حيا لتغذيتنا بمعلومات عن السرداب والقبو .."
صوبوا بنادقهم الصامتة في اتجاههم باستثناء أحدهم وجهوا له طلقة أصابت فخذه فحاول الهرب لكنه سقط أخيرا في قبضتهم وهو ينزف دما ويصرخ بإسبانية ركيكة : " ..por favor no mates " .
كان السرداب مظلما يفضي إلى بوابة حديدية يعلوها شباك مغلق ، وبجهد كبير تمكنوا من فتح كوة .. لكن ما كادوا يفعلون حتى دوت صفارات الإنذار من داخل القبو .. الذي بدا لهم عبارة عن ساحة مزدحمة بآلات بخارية وبراميل وقوارير ضخمة تتحرك من عدة محاور .. ساد المكان هدير محركات ولغة إشارات بين أشخاص ملثمين ؛ يغدون ويروحون . بركن هناك تظهر غرفة زجاجية ضيقة ، قعد داخلها المستر سانشو sancho حائرا في ومضة سرعان ما اختفت من جهازه .. وكأنه أدرك أنه بات هدفا لجهة مجهولة .. اتصل برجاله بمدخل السرداب فتعذرت عليه الإجابة في غمار حدة صفارات الإنذار .. فكر في الهرب من البوابة الخلفية أسفل قدمه ، في حين كانت عناصر الكوماندو قد فتحت نيرانها باتجاه رجال القبو الذين خرجوا من مكامنهم أشبه بفئران مذعورة .
وسط جثث مطروحة على الأرض هناك وأدخنة تتعالى من كل الأركان خطا الكوميسير موحا رفقة دجانغو ، وملثمين آخرين بأقنعة واقية . ولجوا القمرة الزجاجية ليعثروا على سيجار ما زال مشتعلا .
" .. آلو .. آلو .. هذا دجانغو .. هناك هدف رئيسي ما زال فارا .. إلى الجهة الغربية .. خذوا الهيليكوبتر ستجدونه على متن سيارة أو ..." . قاطعه صوت من هناك : " .. نعم نشاهد المروحية .. لا شك في أنه الهارب أقفل "
استقل في ذعر شديد طائرته ، وعلى ارتفاع منخفض عالجته رصاصات أصابت المحرك ليقفز بمظلته قبل انفجار المروحية بثوان معدودة .. تمت مطاردته وسط أدغال كثيفة من أشجار العرعار باستخدام جهاز الأقمار الاصطناعية الذي كان يومض على هاتفه النقال . قبل أن يستل مسدسه في اتجاه أحد عناصر الكوماندوس ، لكن أحد القناصة أصابه بطلقة في عنقه ... سقط على إثرها إلى الأرض يتضوع ألما ...
أحاطوا به جميعهم يتفرسون سحنته ليكتشفوا أنه أحد المدراء المساعدين لرئيس الحرس الجمهوري بدولة كولومبيا ... ترنح قليلا وفتح عينيه في اتجاه احميدا لقرع مخاطبا أياه بصوت مخنوق وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة : " .. لم هذا ..فقد كنت أبرز عملائنا في تزويدنا بالحشيش منذ عشر سنوات ... ياللغدر ... يا ...للخـ .."