مصطفى المريني
تكتسي الخطب الملكية - بوصفها تعبيرا عن إرادة ملكية بمضمون توجيهي وتقريري حتى لا نقول "إلزامي"- أهمية بالغة في النظام السياسي والدستوري المغربي ،نظرا لمكانة الملك في هذا النظام بصفته رئيس الدولة ،وأمير المؤمنين ،وهي وضعية تخول الملك صلاحيات وامكانيات سياسية ودستورية وتشريعية واسعة .
ولئن كانت الخطب الملكي بصفة عامة، بهذه الدرجة من الأهمية ،فإن خطاب العرش تحديدا الذي يصادف 30 يوليوز من كل سنة، يكتسي أهمية مضاعفة ،نظرا لكونه يخلد لذكرى اعتلاء الملك عرش المملكة ،وهي مناسبة وطنية تحفل بدلالات ورموز تاريخية ووجدانية تجسد التلاحم بين العرش والشعب.
لذلك يتطلع المغاربة بصفة عامة ،والنخبة السياسية بصفة خاصة ،إلى الخطاب الملكي بهذه المناسبة الوطنية بكثير من الاهتمام والترقب ،نظرا لما يحمله الخطاب الملكي بهذه المناسبة ،من تقييم للسياسات العمومية وتوجيه للمسارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،وكذا ما يطرحه من مبادرات وقرارات ترقى الى مستوى القانون .
وتبعا لهذه الأهمية التي تحظى بها الخطب الملكي ،لاسيما خطاب العرش ،فإن أنظار المغاربة مشدودة تترقب خطاب الملك يوم غد الأحد بمناسبة عيد العرش ، عساه يحمل فرجا لأزمة اجتماعية واقتصادية ببعد حقوقي ،عمرت ثمانية أشهر، وما كان لها أن تعمركل هذه المدة لولا ارتكاب أخطاء إدارية وتدبيرية وسياسية من السلطات المحلية بشقيها المعينة والمنتخبة ،ومن الحكومة أساسا.
وككل مشكلة لا تعالج في إبانها تتطور إلى معضلة فأزمة ، وهذا حال (حراك الريف) اليوم ،الذي بدأ بدفتر مطالب اجتماعية واقتصادية عادية ،إثر مقتل بائع السمك بطريقة تراجيدية ،قبل أن يتعقد ويأخذ أبعاد وطنية وحتى دولية ،في غياب تفاعل جدي من الحكومة ،بل إن اتهام الأخيرة للحراك ب "الانفصال" و "خدمة أجندة خارجية" ،وإعمال المقاربة الأمنية وما صاحبها من اعتقالات ومحاكمات زاد طين الحراك بلة ،وعقد محاولات التهدئة والحوار جراء فقدان الثقة وسيادة منطق الحذر والارتياب بين الجانبين.
واليوم ،يتطلع المغاربة ،أو بالأحرى معظم المغاربة إلى خطاب الملك بمناسبة عيد الجلوس، - وذلك نظرا لأهمية هذا الخطاب كما تقدم ،وكذا نظرا للدلالات والأبعاد التي تكتنزها المناسبة – لعله يطرح مخرجا لهذه الأزمة المربكة لأجندة المغرب الوطنية والإقليمية والدولية .
ومما لا شك فيه ، أن جلالته يملك إمكانيات الحل بالدستور وبالشرع ،ولعل أهم مفتاح لهذا الحل موجود بين يدي الملك ،هو مفتاح العفو ،وهو واحد من مداخل الحل إن لم يكن أهمها على الإطلاق ،إذ من شأن توظيفه أن يضفي المصداقية اللازمة على المبادرات السابقة والقادمة ،ويحرج المراهنين على استمرار الاحتقان ،إذ ينزع من أيديهم مبررات مواصلة التظاهر والاحتجاج ،خاصة إذا طرح العفو في إطار حل شامل، وهذا من شأنه – خلاف ما يظنه البعض – أن يعزز الثقة في مؤسسات الدولة ،ويؤسس لمرحلة جديدة بهذه الجغرافيا المغربية ،التي لطالما عانت من التهميش والإهمال ،مرحلة قوامها الثقة المتبادلة ،والالتزام المشترك في إطارإحترام مقتضيات دولة القانون والمؤسسات.