نجيب جيهان
لم يتوقف النقاش منذ القديم حول ما هو وراثي وما هو مكتسب عند الانسان وفي هذا انقسمت الآراء بين من توقف عند البعد الفطري والوراثي وقائل بأولوية المكتسب عما هو فطري. وقد ركز الاتجاه الاول على الملكات الفطرية عند الانسان معتبرا إياها الفيصل بينه وبين بقية الكائنات. أما الفريق الثاني فقد أكد على تدخل العوامل الخارجية في تشكل الذكاء ، ودليلهم على ذلك وجود أنواع من الذكاءات تتعايش فيما بينها ، وهناك فريق ثالث تبنى موقفا وسطا بأن سلم ، بأن القدرات التي يتمتع بها الانسان دليل على أن الذكاء في جزء منه وراثي، دون اغفال تدخل عوامل خارجية في تشكله.
نخرج من هذا التعدد في تعريف الذكاء بخلاصة مفادها أن معظمها استهدف تحديد الذكاء من خلال مجموعة من الوظائف الدهنية والسلوكية التي تخص الانسان إلا أنه وإن كان بالإمكان استجماع العديد من هذه التعريفات ،فمن الصعب اختزالها خاصة وأننا نلاحظ أن المرء لا يمكن أن يكون سريا في كل شيء، وأن الشخص الموصوف بالذكي، لا يكون كذلك بأطلاق. فغالبا ما ينطبق عليه هذا الوصف بشكل نسبي فقط
بمعنى أن الشخص قد يكون نجيبا في مجال ما ، دون أن يكون كذلك في مجال آخر وقد أفضى ذلك بدارسين إلى الحديث عن أنواع الذكاء، خاصة بعد أن أكدت دراسات أخرى أن الانسان ليس عقلا فقط، بل جسد كذلك، من ثم لابد من وجود تفاعل بين هذا وذاك بشكل يجعل قوته البدنية تؤثر على العمليات الذهنية والعكس بالعكس، لهذا يرى بعض الدارسين أن قوام العقل هو التفكير والسلوك ولكل من هذه العقول الفرعية ذكاؤه الخاص. فقد تكون نسبة الذكاء عند شخص ما مرتفعة لكن بترت أحد أطراف جسده بشكل يحد من قدراته الجسمانية، فتكون له انعكاسات على المستوى النفسي والذهني، كما يمكن أن يكون الشخص ماهرا في مجال ما هو عملي، لكنه غير بارع فيما يتعلق بالمسائل المجردة، ويمكن أن يتوفر شخص ما على ذكاء علائقي قوي ولكنه في نفس الوقت أرعن فيما يتعلق بعلاقاته بالأشياء.
1- مفهوم الذكاء عند هوارد جاردنر : Howard Earl Gardner
بداية أريد أن أشير إلى أن هذه النظرية تطورت لتوثق حقيقة أن لدى البشر أنواع مختلفة جدا من القوى الفكرية وأن هذه القوى مهمة جدا، في كيفية تعلم الأطفال وكيف يفهم الأشخاص الأشياء في عقولهم، ثم كيف يمكن للناس استخدام ذلك من أجل إظهار ما قد فهموه، إذا كان لذينا بالضبط نفس نوع العقل ولم يكن هناك سوى نوع واحد من الذكاء يمكننا حينها أن نعلم الجميع الشيء نفسه بالطريقة نفسها ونقيهم بنفس الطريقة وسيكون ذلك أمرا عادلا، ولكن بمجرد أن ندرك فكرة أن الناس لديهم أنواع مختلفة جدا من العقول، وأنواع مختلفة من القوى. مثلا بعض الاشخاص جيدين في التفكير المكاني والبعض يتميز بالتفكير اللغوي ، البعض منطقيين للغاية ، والبعض الاخر يحتاجون إلى أن يعملوا بأيديهم ويكتشفوا الأشياء بتفاعل، عندما ندرك ذلك
نتيقن أن التعليم الذي يعامل الجميع بنفس الطريقة هو تعليم جائر جدا لأنه يختار نوع واحد من العقول، العقل الذي اطلق عليه ، اسم عقل أستاذ القانون – اللغوي جدا والمنطقي ويقول: إذا كنت تفكر مثل ذلك فالأمر ممتاز وإذا كنت لا تفكر مثل ذلك فلا يمكن لك. فإذا كنا نعلم أن أحد الأطفال لديه طريقة تعلم مكانية أو صورية مكانية وطفل آخر يعتمد المعاينة كطريقة التعلم وطفل ثالث يحب طرح الأسئلة الفلسفية العميقة وطفل رابع يحب القصص وهكذا... وبالتالي فميولات الأفراد تختلف مما يجعلنا نتكلم من منظور هذا العالم عن العديد من الذكاءات...في كتاب أطر العقل سنة 1987 تكلم جاردنر عن سبعة أنواع من الذكاءات: الذكاء اللغوي، الذكاء المنطقي والرياضي ، الذكاء الفراغي الفضائي، الذكاء الحيوي البيئي، الذكاء الجسدي، الذكاء الإيقاعي الموسيقي ، الذكاء الفردي، الذكاء الاجتماعي.
2- أنواع الذكاء البشري:
- الذكاء اللغوي:linguistic intelligence:
وهو القدرة على التعبير اللغوي واستعمال الكلمات، وهي قدرة يملكها الافراد أكثر من غيرهم والخطباء والرؤساء الذين يملكون هذا النوع من الذكاء وأحيانا يستغل في الوصول إلى عقول الناس.
- الذكاء المنطقي الرياضي:intelligence logical mathematical
ما نقر به جميعا أنه ذكاء، إنه الأب النموذجي للذكاء وهو ما يمكن للأشخاص من التفكير الصحيح باستعمال أدوات التفكير المعروفة كالاستنتاج والتعميم وغيرها من العمليات المنطقية وهذه القدرة الرياضية لا تحتاج إلى التعبير اللفظي عادة، ذلك أن المرء يستطيع أن يعالج مسألة رياضية في عقله دون أن يعبر عما يفعل لغويا. ثم إن الأشخاص الذين يملكون قدرة حسابية عالية يستطيعون معالجة حل المسائل التي يعتمد حلها على قوة المنطق، هؤلاء الذين لديهم هذا النوع من الذكاء يكرهون مادة النصوص ولا يحبون التعبير{يحبون التفكير في الامور بعمق، فهم يهتمون بالتصميمات، التقسيمات أو علاقة الاشياء بعضها ببعض، هؤلاء ينجذبون إلى المسائل الرياضية والالعاب التي تعتمد على التخطيط والتجارب وكل ما حولهم قد يتحول إلى أرقام.
- الذكاء الفراغي الفضائي: intelligence spatial
وهو القدرة على تصور الأشياء في الفراغ {الفضاء} أي المكان الذي ذي الأبعاد الثلاثة ونحن نستعين بهذه المهارة كلما رغبنا في صنع تمثال أو استكشاف نجم في الفضاء وترتبط هذه القدرة بما يسمى ادراك التواجد في المكان وبعض الناس تختلط عليهم الامكنة {عند السفر} ولا يعرفون المكان الذي يوجدون فيه، ويستطيع آخرون العودة إلى المكان الذي كانوا فيه قبل سنوات، بينما لا يستطيع غيرهم أن يحدد الجهات حتى في مكان سكناه، وقد دلت الكشوف المختبرية الأخيرة عن ارتباط هذا النوع من الذكاء بمنطقة تقع في النصف الأيمن من المخ، بحيث لو تضررت هذه المنطقة لسبب ما يفقد الانسان القدرة على تمييز الامكنة حتى المعروفة لديه سابقا أو التعرف إلى أقرب الأشخاص إليه.
- الذكاء الحيوي البيئي:
هؤلاء الاشخاص يمكنهم الجمع بين العمل أو الدراسة والمتعة، فقد يمارسون ما كلفوا به وهم يقضون وقتا جميلا في مكان يحبونه . ومن صفاته:
- يخرج إلى الطبيعة ويحب التعرف عليها وعلى تصنيفها وتكاثرها ونموها...
- يعتني بالنباتات {بزرعها وسقيها}.
- يطالع كتب الاحياء.
- الذكاء الجسدي: Intelligence bodily- kinesthetic
ما يسميه جاردنر بالذكاء الجسدي والحركي، وهو أكتر أنواع الذكاء السبعة المختلف حولها. إنه القدرة على التحكم بنشاط الجسم وحركاته بشكل بديع وهو مهارة لاشك يمتلكها الرياضيون والراقصون وعارضوا الازياء وغيرهم من المتألقين بأجسامهم والمعتزين بها، ولكل فرد نصيب من هذه المهارة، والشخص السليم يملك القدرة على التحكم بجسمه وبرشاقته وتوازنه وتناسقه والتمرين المتواصل قد يزيد من هذه القدرات ولكن منها ما يظهر عند بعض الافراد، حتى قبل أن يبدأ بالتمرين كلاعبي كرة القدم المتفوقين مثلا ، كما تظهر براعة بعض الافراد في الحساب قبل أن يتعلموا الحساب.
- الذكاء الايقاعي الموسيقي: Intelligence musical
بعض الناس موسيقيون أكثر من غيرهم، وحب الموسيقى الاحساس بالإيقاع والتفاعل معه تظهر عند هؤلاء الموسيقيين، سواء تعلموا الموسيقى أو لا والمران قد يطور القدرة الموسيقية ، ولكن لا يوجدها من فراغ حيت هناك بعض الناس يبدأون بعوف الموسيقى وتأليف الالحان وهم لايزالون أطفال صغار بينما يبدوا بعض الناس غير موسيقيين اللبثة دون أن يؤثر ذلك على مجرى حياتهم اليومية، وكما في بقية أنواع الذكاء فإن المهارة الموسيقية ترتبط بمناطق محددة في المخ، وعلى الرغم من أن المهارة الموسيقية تبدوا شبيهة بالمهارة الحسابية مثلا، فإنها تمتلك الاستقلال الذي يجعلها جزءا منفصلا من الذكاء الانساني، هؤلاء الاشخاص تجدهم يقومون بتحويل النصوص والعبارات إلى ألحان مغناة، حتلا الأرقام ربما يحولونها إلى نشيد.
- الذكاء الفردي:
الاشخاص الذين لديهم هذا النوع من الذكاء لهم القدرة على تحفيز ذاتهم بذاتهم بدون وجود اشخاص، أي أنه قادر على تحفيز نفسه ، والأخذ بما يقرره بثقة ، يحب الاستقلالية كثيرا والميز المنفرد ومن صفاته:
له هدف محدد يسعى لتحقيقه، مستقل في تفكيره، يعرف نقاط ضعفه وقوته، إرادة قوية، له آراء واهتمامات تميزه عن غيره....
- الذكاء الاجتماعي:
وهو القدرة التي يمتلكها الفرد على التواصل مع الاخرين، فالسياسيون ممن يحظون بشعبية واسعة والاشخاص الذين يتميزون بجاذبية خاصة {الصفة الكاريزمية} من القياديين، يمتلكون هذه القدرة أما فيما يتعلق بذكاء الشخصية الاجتماعية وتميزها، فقد حدد أربع مواصفات هي : القيادة والمقدرة على تنمية العلاقات والمحافظة على الاصدقاء والقدرة على حل الصراعات والمهارة في التحليل الاجتماعي.
ومن صفاته:
له أصدقاء كثر ومتنوعون، لا يحب البقاء منفردا، يعلم غيره ما يعرفه أو يتعلمه.
لعلكم لاحظتم معي أن أغلب تعريفات الذكاء التي أوردتها مستعارة من علم النفس، لكن ستتم مراجعة العديد منها بعد ظهور الذكاء الصناعي. حيت أن التطورات التي عرفتها النظم الالية الذكية كان لها تأثير في إعادة تعريف الذكاء وتحديد مقوماته ووظائفه وهو الامر ذاته الذي جعل أصحاب الذكاء الصناعي يتخذون من محاولة إعادة إنتاج آليات التفكير والاستدلال من طرف الآلة أحد الموضوعات البحث والدراسة. ومن تم بدأت محاولات إعادة تعريف الذكاء ليشمل ما هو صناعي حيت قدم علماء الاحياء والتشريح لمهندسي الذكاء الصناعي بعض التصورات التي سمحت لهم بتصميم آلة قادرة على القيام بنفس الوظائف التي تقوم بها الأعضاء البشرية الطبيعية وهو ما يفسر إقرار بعض الدارسين بوجود تفاعلات بين مختلف مناطق الدماغ والتي انتهت بهم إلى الحديث عن النظرية العصبية للفكر وإلى القول بإمكان رد حالات دهنية لظواهر بيولوجية. هذا التداخل بين البيولوجي والالي ازداد بعد ظهور أبحاث ركزت على المقارنة بين ذكاء الانسان وذكاء الآلة ، أي تعلق مجال الذكاء الصناعي بما هو آلي وهو ما دفع باحتين إلى طرح تساؤلات، عما إذا كان استخدام نفس الكلمة «ذكاء» في الحالتين لا يعكس تعسفا لغويا.
يستفاد مما قيل أن ظهور الذكاء الصناعي أدى إلى طرح أسئلة تتعلق بتحديد مفهوم الفعل الذكي. ومن تم رسم الهدف في صنع آلة تفكر وتقوم بنفس ما يقوم به الانسان، ولتصنيف الالة على أنها تفكر يجب أولا تعريف الذكاء ، وتحديد السلوك الذكي وتجلياته.
3- ظهور الذكاء الصناعي وإعادة تحديد مفهوم الذكاء:
يعرف على أنه دراسة التصورات التي تسمح بجعل الآلة ذكية أو بتعريف مرفين منسكي علم برمجة الحاسوب لينجز مهاما تتطلب ذكاء عندما ننجز من قبل الانسان، وهو كذلك القدرة، على أن تتعامل الآلة مع المعلومات بشكل شبيه بما يقوم به الانسان. وبالجملة إنه العلم الذي يستهدف جعل الآلة تقوم بمهام يقوم بها الإنسان باستخدام ذكائه، أو كما قال آخرون إنه فرع من المعلومات الذي يهتم بجعل السلوك الذكي آليا أي يسعى إلى تمتل المعرفة الإنسانية وصورنة الاستدلال بشكل يجعلنا نحصل على خوارزميات تحاكي سبل التفكير الانساني.
وقد عرفه فليب دري فيوس بكونه وسيلة لتمثل وعقد المعارف حتى تتمكن الآلة من استخدامها. وبالجملة اعتبر الذكاء الصناعي محاولة لاستنساخ فكر وسلوك الانسان ومحاكاتهما صناعيا.
ما يمكن استنتاجه وهو أن العديد من المهتمين ذهبوا إلى الجزم بان الذكاء الصناعي يتوفر حتى الآن على تعريف جامع مانع ،كما أن الحدود المرسومة اليوم بين الكائن الطبيعي والصناعي، تحركت بشكل يصعب معه إقامة حدود واضحة بين ما هو طبيعي وما هو صناعي.
4 - من نظم التسيير الذاتي إلى الذكاء الصناعي:
لم يتوقف الاهتمام عند عتبة محاكاة الأنشطة الدهنية عند الانسان بل سعى دارسون إلى وضع العقل الانساني في الحاسوب، وذلك عندما طرحوا سؤالا يتعلق بمدى قدرة الالة على أداء نفس الوظائف والمهام التي يقوم بها الانسان، أي تلك الوظائف التي بقيت إلى حد الان حكرا على الانسان.
تركزت بعض الأبحاث على تحديد أفق يمكن بموجبه القول بأن الالة تفكر وأن لها ذكاء وقادرة على أداء نفس الوظائف التي يقوم بها الانسان. فحددوا هدفهم منذ البداية في وضع معمارية لآلة قادرة على القيام بوظائف تعتبر بالنسبة للإنسان ذكية. وفي أفق تحقيق ذلك ذهبت العديد من الدراسات إلى التركيز على الذكاء بصفة عامة وليس ذكاء الإنسان فقط، ليرتكز النقاش حول تصورين، أحدهما يسعى إلى محاكاة الذكاء الانساني بغية جعل الآلة تتصرف بذكاء وتوجه يقول باستحالة تحقيق ذلك. وقد أفضى النقاش في هذه المسألة إلى التسليم بوجوب توسيع مفهوم الذكاء خاصة بعد أن دافع بعض المهتمين عن وجود فروق بين الذكاء الطبيعي والذكاء الصناعي.
لقد حددت الغاية في الكشف عن مقومات الذكاء الصناعي حتى نتمكن من بناء آلة قادرة على إعادة إنتاج ذكاء الانسان، ولتحقيق هذا الغرض يكفي تزويدها ببرامج قادرة على محاكاة الذكاء الطبيعي، وهو ما دفع بماكرتي إلى اعتبار الذكاء الصناعي المفتاح لوصف القواعد التي تسمح للحاسوب بأن يفكر بنفس الطرق التي يفكر بها الانسان. هذا الامر دفع بمهندسوا الذكاء الصناعي إلى تحديد هدفهم المتمثل في صنع آلة التى تفكر وتتصرف بذكاء ولتحقيق ذلك لا بد من برمجتها بشكل يجعلها قادرة على محاكاة السبل التي يتصرف بها الانسان في حياته اليومية، سواء على مستوى التفكير أو السلوك. وعليه كان الهدف التصوري للذكاء الصناعي هو دراسة العقل الانساني باستحضار مختلف الانشطة الذهنية التي يقوم بها الانسان.
فالصعوبة التي واجهت المدافعين عن الذكاء الصناعي تكمن في كون المشكل انتقل من تحديد مفهوم الذكاء الصناعي إلى رسم معالمه وحدوده سواء على المستوى النظري أو التطبيقي. وعليه إذا كان الهدف الذي حدد في البداية قد حصر في جعل الآلة تساعد الانسان على القيام ببعض المهام أو على الاقل تعويضه في أداء مهام معينة. فإن السؤال الذي أصبح يطرح بعد عقدين من ظهوره هو هل يمكن توقع الحدود التي يمكن أن يتوقف عندها الذكاء الصناعي؟
على هذا يمكن تصور نوعين من الاجابة على السؤال الذي طرحه المهتمون بالذكاء الصناعي والمتعلق بإمكان صنع آلة ذكية:
تقوم المقاربة الأولى على اتبار آلة ما ذكية متى توقفت في إعادة إنتاج السلوك الانساني، أما التصور الآخر فيعتبر الآلة ذكية متى تمكنت من نمذجة وظيفة كائن انساني.
بطريقة أخرى: ترى المقاربة الأولى أن على الذكاء الصناعي أن يساعدنا على فهم ذكاء الانسان وسلوكياته، بينما تتبنى المقاربة الثانية موقفا يرى أنه من الممكن أن نتخذ من ذكاء الانسان وسلوكياته نموذجا لنعيد انتاجه آليا، فهدف الذكاء الصناعي هو تطوير تقنيات تفضي بنا إلى نمذجة كل الانشطة الذهنية الذكية عند الانسان، بل جعله قادرا على أداء نفس الوظائف التي يقوم بها الانسان، وبدرجة عالية من الدقة والسرعة تفوق ما هو عند الانسان وعليه يتبين أن الاختلاف الاساسي بين التوجهين يكمن بالأساس في تحديد وظائف وحدود الذكاء الصناعي.
5- حدود الذكاء الصناعي:
حسب مشتغليه يرون أن الذكاء الصناعي الرمزي يعجز أن يصف وبكيفية صورية كل الاوضاع الممكنة، حيت ما يلاحظ أنه حتى الحواسب المتطورة لا تكفي للكشف عن كل التأليفات الممكنة.
انطلق المدافعون عن الذكاء الصناعي من القول:
يمكن تحصيل ذكاء صناعي بأن يفكر ويستدل كما يفعل الانسان، بل أن يتوفر على نوع من الوعي بالذات، أما منتقديه فقد خلصوا إلى امكان بناء أنظمة قادرة على أن تستدل وتحل المشاكل لكن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بآلة تعمل وكأنها ذكية أي أنها تبدوا ظاهريا ذكية، دون أن تكون كذلك حقيقة.
حيت إذا كان المدافعون عن الذكاء الصناعي يؤكدون أننا أصبحنا أمام حواسب بإمكانها القيام بوظائف قد تفوق ما يمكن أن يقوم به الانسان، فإن معارضيهم يرون أن هذا ليس سوى مظهرا ولا يمكن وصفه بالذكاء. فالطريقة التي تعمل بها تلك الحواسب التي نعتبرها تنتمي للجيل الأخير، تجعلنا نتوقع أنها لن تتوفر على ذكاء خاص بها، فلم ولن يميل الحاسوب إلى مستوى القدرات التي يتمتع بها الانسان، ويوردون عدة أدلة منها أنه عندما نطلب من الحاسوب حل مشكل ما فهو يقوم بذلك انطلاقا من قاعدة من المعطيات التي زودناه بها، الأمر الذي يجعل ذكاؤه محصورا ضمن نطاق ما هو مرسوم سلفا، حيت بهذا الصدد يمكن السعي إلى محاكاة الذكاء لكن لا يمكن للآلة أن تفهم وتعي ما تقوم به
انطلاقا من هذه الاطروحة يستفاد أن مشروع الذكاء الصناعي آثار مطارحات ونزاعات بين مدافع ومعترض، خاصة لما ادعى المدافعون عنه أن الانسان سيذهب إلى بناء ذكاء صناعي يفوق ذكاء الانسان، ليعترض عليهم خصومهم بالقول بأن تركيبة الانسان معقدة بشكل يجعل كل محاولة تسعى لصنع ذكاء صناعي قوي ستفشل أمام مقومات يختص بها الانسان دون غيره، وفق هذا انقسم الدارسون إلى فريق مناصر لقدرة الحاسوب على محاكاة مجمل الوظائف عند الانسان، وفريق لا يرى أي سبيل لصنع حاسوب يفكر مثلنا، ويحاكي ما يقوم به الانسان في حياته اليومية، وبالتالي أظهر الحديث عن وظيفة الحاسوب توجهين: أجدهما يمثل الذكاء الصناعي القوي والآخر الذكاء الصناعي الضعيف.
5- الذكاء الصناعي القوي-الذكاء الصناعي الضعيف:
نقف قليلا مع التيار الأول:
ينطلق المدافعون عن الذكاء الصناعي القوي من مسلمة مفادها عدم وجود أي مانع من حيت المبدأ يحوا دون صنع حاسوب قادر على أداء أية وظيفة يستطيع الانسان أن يقوم بها، وبذلك تركز مشروعهم في صنع آلة قادرة ليس فقط على محاكاة سلوك ذكي، بل أن تكون واعية بذاتها ولها أحاسيس حقيقية، بذلك شكل الذكاء الصناعي القوي محركا أساسيا للعديد من الدراسات التي استهدفت برمجة مجمل الوظائف التي يؤديها الانسان بشكل ذكي، هكذا ذهب المدافعون عن الذكاء الصناعي القوي إلى التسليم بأن العقول ليست سوى برامج حاسوبية مزروعة في الامخاخ، فعمل المخ يماثل عمل الحاسوب، فالمخ ليس سوى حاسوب والعقل هو مجرد برنامج. وعليه أكدت استعارة الحاسوب قدرتها على تمثيل مختلف الوظائف الذهنية عند الانسان وبهذا المعنى لا تنحصر قدرة الآلة في إعادة انتاج تصرف ذكي، بل التعبير كذلك عن المشاعر والأحاسيس.
فلو استشهدنا بالألم فلا يعني ذلك سوى برنامج حاسوبي للألم مزروع في المخ وهو ما آثار ردود أفعال عدة عند المعترضين بدعوى وجود اختلافات بين العضو البيولوجي ونظيره الآلي وهو ما دافع عنه معارضو الذكاء الصناعي القوي {الذكاء الصناعي الضعيف}.
ذهب هذا الاتجاه إلى القول بأن هذا التصور الذي يتبناه المدافعون عن الذكاء الصناعي القوي البعيد كليا عما يرى داخل المخ البشري، فقد أكدت الدراسات التي أجريت في مجال العلوم الأحياء، أن الحواسب المبنية على النموذج القطعي لا يمكن استخدامها كنموذج لفهم طبيعة عمل المخ البشري الذي هو أبعد ما يكون عن المركزية والحتمية.
فخاصية المخ لا تكمن في معالجة المعلومات بصورة منطقية رياضية، بل يتجاوز الصرامة المنطقية-الرياضية ليتعامل مع المعلومات بنوع من المرونة.
فإذا كان الحاسوب يعمل بكيفية قطعية وخطية، فهو بذلك يختلف عن الطريقة التي يعمل بها المخ مع المعلومة، والتي تعتمد فيها على المرونة والتوازي. وهو ما أفضى بهم إلى رفض النظر إلى المخ على أنه مجرد آلة لمعالجة المعلومات ومن تم أكدوا على أن الذكاء الصناعي لن يتمكن من تجاوز حدود ما هو ظاهر ومادي ليبقى عاجزا أمام أية محاولة الخصائص غير المادية وكل ما هو ضمني. هذه أطروحة الذكاء الصناعي الضعيف، والتي أتت ضدا على أطروحة الذكاء الصناعي القوي.
- على مستوى الذكاء والذاكرة:
نذهب إلى مستوى آخر والمتمثل في مستوى الذكاء والذاكرة فقد تبين حسب أطروحة الذكاء الصناعي القوي أن سعة مخزون الآلة يتجاوز ما يستطيع الانسان أن يختزنه في ذاكرته وبما أن الآلة كذلك تتوفر على معلومات أكثر من تلك التي يتوفر عليها الانسان فمن شأن ذلك أن ينمي ذكاءها، وما دامت المعلومة تساهم في تنمية الذكاء، فذكاء الآلة يمكن أن ينمو وبموجب ذلك يتضح أن كثيرا من الخصائص التي نحصرها على الانسان تتهاوى بعد أن تبث أنها لا تخص الإنسان وحده. فالقدرة على التعلم أو التواصل اللغوي يمكن أن تخص حتى غير الانسان مثل القردة والببغاء أما القدرة على التفكير المنطقي كحل المسائل الرياضية المنطقية واستخلاص المعرفة من المعطيات فقد أوضحت أنظمة الذكاء الصناعي أن هذه الأنشطة الذهنية هي التي يسهل على الآلة محاكاتها. والشاهد على ذلك تمكن الحاسوب من هزم كسبروف.
كما تبين أن السلوك العاطفي ليس حكرا على الانسان، فالحيوانات تظهر عواطف تجاه أصحابها أما البعد الاجتماعي فلا يستطيع أحد أن ينكر الذكاء الجماعي الذي يظهره النحل والنمل. كل هذه الانجازات انتهت بأصحاب الذكاء الصناعي القوي إلى القول بأن الحاسوب المبرمج بصورة ملائمة لا يحاكي العقل فقط، بل يمتلك عقلا بكل معنى الكلمة، فالإنسان قادر ليس فقط على صنع آلة تقوم بسلوك ذكي، بل أن يجعلها تعبر عن وعي حقيقي بذاتها {الاحاسيس}.
يستفاد من هذا أن أصحاب الذكاء الصناعي القوي اعترضوا على العديد من الانتقادات التي وجهت إليهم من طرف المدافعين عن الذكاء الصناعي الضعيف والتي تتلخص أطروحة هذه الأخيرة في استحالة إعادة انتاج بعض قدرات الانسان بشكل آلي وقد ركزوا أساسا على الوعي والقصدية حيت قالوا باستحالة إعادة إنتاج الوعي الانساني، وبالتالي يقرون أن الذكاء الصناعي لن يكون في كل الأحوال سوى تقليدا باهتا وغير كامل للسلوك الانساني، وفي ظل الاعتراضات على أصحاب الذكاء الصناعي القوي عمد المدافعون عن الذكاء الصناعي الضعيف إلى إقامة مقارنة بين تاريخ الذكاء الصناعي وتاريخ الطيران وقد حاول الانسان أن يطير كما تطير الطيور وبدأ بتقليدها عبر صنع أجنحة يرفرف بها لكن لم يفلح في تقليدها تقليدا كليا، وبنفس الكيفية ذهب أصحاب هذا الاتجاه بأنه عوض السعي إلى محاولة إعادة انتاج وعي انساني بأكمله يمكن أن نبحت عن طرق أخرى تمكن الآلة من نوع من السلوك الذكي، فهذا حسب أصحاب الذكاء الصناعي الضعيف هو الطريق الأسلم والوسيلة الأمثل للقول عن آلة بأنها ذكية لأنه بالرغم من التسليم بأن الحاسوب يتوفر على قدرات تفوق قدرات الانسان فيما يتعلق ببعض المجالات، فيبقى الانسان في آخر المطاف هو الافضل فهو وحده من يتوفر على مقومات من قبيل الحدس والحس السليم التي تعد مقومات يتوسطها لتجاوز العديد من المشاكل التي يواجهها يوميا، ثم يبقى العقل كائن طبيعي حي عكس الآلة التي هي كائن ميت.
نختم عرضنا هذا بطرح إشكالات على الشكل التالي:
- حدود الذكاء الصناعي بين التصور القوي والضعيف.
طرحت بهذا الصدد سؤالين:
إلى أي حد يمكن أن يصل بنا الذكاء الصناعي؟
هل الهدف هو صنع عقل صناعي يكون مكملا للعقل الطبيعي أم متجاوزا له؟
وسجلت الملاحظات التالية:
- قدرة الحاسوب على القيام بمهام يصعب على الانسان آداؤها، يقابله عجزها عن القيام بالعديد من الأمور التي يقوم بها الانسان بتلقائية وعفوية.
- الحواسب قادرة على القيام بمهام روتينية بشكل آلي لكنها تعجز أمام حالات تتطلب الاجتهاد والابداع. وهو ما يفسر كون الآلة تخضع لمن صممها وتعمل وفق ما برمجت من أجله.
- المسائل التي يستحضرها الانسان متل الخوف والموت والانجاب تجعل مهمة المدافعين عن الذكاء الصناعي صعب، لأنه من المستحيل بناء نسخة مماثلة لعقل الانسان، إذن فحتى لو وجهنا البحث صوب صنع حواسب ذكية فيصعب حصر الهدف في صنع حواسب تماثلنا.
- الآلة تفتقد لمشاعر، مثلا أنا أتراجع عندما أحس بتزايد شدة النيران أو أني سأصاب بأذى جراء تزايد الخطر، بينما الآلة التي ستعوضني لن تحس بذلك وهو ما يعتبر دليلا على تفاعل العقل مع الجسد بالنسبة لي، بالنسبة للآلة لا. فالمسلسل الفكري المصاحب للخوف من الجرح ومن الاصابة يدفعني إلى اتخاد قرار الانسحاب لحماية جسدي من الحروق أو الموت. في حين أن الآلة لن تتوفر أبدا على تفكير يؤهلها للتعامل مع متل هذه السلوكيات. وهذا ما خلص إليه «هيربرت دري فيوس» وهو من أهم معارضي الذكاء الصناعي فقد أكد في كتابه what computer can’t do? سنة 1972 على أن الانسان يتمتع بخصائص ومقومات يفتقر إليها الحاسوب، حيث أن الانسان قادر على الابداع وعلى التكيف مع أي وضع غير متوقع في الوقت الذي تعجز فيه الآلة عن القيام بذلك، فهي تحتاج إلى إعادة البرمجة أمام أي وضع جديد.
ادريس
استنكار
و انواع الغباء البشري هو سرقة مقال و نسبه لنفسك ، الا تخجلين ؟