محمد الهجري
التمييز الإيجابي discrimination positive هو طريقة أو إجراء يتم اعتماده حسب التعريف لتمييز فئة معينة من فئات المجتمع تختلف عن باقي فئاته في العرق ) الأقليات العرقية)، أو الدين ) الأقليات الدينية) ، أو الجنس ) المرأة)، أو القدرات الذاتية ) ذوي الاحتياجات الخاصة)، لإعطاء الأفضلية لهذه الفئات المجتمعية بهذف إلغاء التمييز السلبي الذي مورس ضدها في السابق و تحقيق المساواة الفعلية، لكن السؤال هو هل هذا الإجراء هو فعلا ديمقراطي كما يبدو نظريا ؟ ربما أن تطبيقه قد أتى أكله في الدول التي وصلت إلى مراحل متقدمة من الديمقراطية و الأكيد أن نجاحه سبقه تهيء الجو الملائم له، لكن خصوصية دول أخرى تجعل نجاعته محط تساؤل، فهل تطبيقه بدول كالمغرب مثلا قد تخطى مرحلة الزينة و تأثيث المشهد و مرحلة العشوائية و الخطاب المفرغ الذي لا علاقة له بالواقع أم أن تنزيله هو فقط لإرضاء المانحين و الشركاء الاقتصاديين من الدول المؤثرة؟
إن حديثي عن سلبيات التمييز الإيجابي لا ينبع من منطقه أو من الهدف النبيل المنشود من وراءه، بل بكيفية إنزاله على أرض الواقع و البيئة التي يتم تطبيقه فيها و خصوصيتها، فإعطاء الأولوية للتمييز الإيجابي على حساب الكفاءة و التي هي شرط أساسي أو على حساب تقديم الإضافة يجعل المميز لأجله للزينة فقط و هذا انتقاص من شأنه و يقلل من قيمة إنجازات كل أولئك الذين ينتمون الى الفئات المستهدفة بالتمييز و قد يشجع الأفراد على إظهار أنفسهم كأفراد محرومين و معرضين للحيف حتى و إن لم يكونوا كذلك، فالتمييز لصالح المرأة مثلا هو في تقديري معاملة دونية تظهرها و كأنها تنتمي الى فئة أقل قدرة و مستوى و تضعها في خانة الأقليات مثلها في ذلك مثل ذوي الإحتياجات الخاصة و هذا غير صحيح فكلاهما لا ينتقص منه وضعه و لا جنسه في أن يكون مساويا لباقي الفئات، و هنا فالأجدر في تقديري أن يكون التمييز بأن تكفل للمرأة مثلا الحقوق التي تجعلها مساوية للرجل في المقدرات و الإمكانيات، كالحق في التعليم و المعرفة، الحق في إبداء الرأي و الحق في العمل.... إلخ، و هكذا سنكون قد حققنا المساواة الفعلية حقا، فمهما اختلفت التسمية من بلد لآخر نلاحظ أن الهدف من وراء تطبيق هذا الإجراء هو إعطاء صورة عن كون البلد هو ديمقراطي بينما هي صورة مبطنة بتعامل عنصري مع الفئة المميز لأجلها خصوصا في بلد كالمغرب لم يعرف يوما حربا عنصرية اتجاه إحدى الأقليات الدينية أو العرقية ... إلخ، فهناك دول مثلا تسميه المعاملات التفضيلية أي تفضيل لفئة على أخرى و هو نوعا ما ضرب لمبدأ المساواة و تكافؤ الفرص و دول تسميه آليات الإنعاش الملائم للأقليات و هنا مثلا استفادة المرأة أو ذوي الإحتياجات الخاصة من هكذا إجراء هو انتقاص من كفاءتهم بوضعهم في خانة الأقليات، و في بعض الدول العربية تزداد التسمية سوءا حيث يسمى المساواة الرافعة، لرفع الضعفاء لمستوى الأقوياء و هو استمرار لانتهاج نفس الفكرة، و حتى انتهاج المبدأ في دول متقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية مثلا تشويه شائبة اللاديمقراطية فبعض الجامعات مثلا و حرصا منها على ضمان التنوع العرقي داخل فصولها قد تمنع طالبا أحق بالتواجد في الفصل فقط لأنها ترعى التنوع و تريد تواجد أمريكيا من أصل إفريقي داخل فصل معين على حساب التميز و التفوق مع الأخد بعين الإعتبار أنه في هذه الدول المتقدمة لا يضيع حق و لكل مجتهد نصيب عكس دول العالم الثالث التي لازالت أمامها مراحل عليها تخطيها و مراجعات وجب تبنيها قبل إنزال و تطبيق مبدأ التمييز الإيجابي عوض وضع الزينة على وجه لم يتم تنظيفه من الأساس.