عبد الفتاح عالمي
في العالم الإسلامي القديم كانت النساء تلبسن الجلابيب العريضة، كما لم تكن كلّ النساء مضطرات للعمل خارج البيت طيلة اليوم لأجل لقمة العيش، وذلك لأن الرجل كان يقوم بذلك كلّه، فكان دور المرأة الطبيعي يقتصر على إعداد الطعام مما يأتي به الزوج، وتربية الأولاد وبالتالي لم يكن هناك خيار آخر سوى البقاء في البيت، دون أن ننسى بساطة الحياة في ذلك الوقت، حيث لم يكن نظام الدولة متطوّراً لدرجة وجود ارتباط معين بأي نمط آخر للحياة قد يهدد تعاليم الإسلام . هذا معناه أن طريقة اللباس المحتشم للمرأة كانت عادية جداً، تدخل في إطار التقاليد المعروفة بين القبائل . مع ظهور أنظمة الدولة الجديدة، ودخول حركات الاستعمار الأجنبي لبلاد المسلمين، أصبح هناك نوع من الانفتاح على القارات، وهذا معناه أن أنماط حياة أخرى ستظهر بيننا. ما نلاحظه الآن هو الدعوة المتكررة لتطبيق تعاليم الإسلام كما في القرون الماضية، فنجد شباباً يدعون المرأة للحجاب المكتمل وينتقدون طريقة لبس الحجاب التي أصبحت متداولة، ويحمّلونها مسؤولية ممارسة الإغراء على الرّجل الذي يراها بحجاب متبرج. لكنهم يهملون التغيرات التي طرأت على نظام المجتمع منذ ذلك الوقت، ينسون أن دور الرجل قد تغيّر كلّياً بحيث لم يعد يتحمل دائماً مسؤولية توفير لقمة العيش للأسرة، أن ظواهر مثل البطالة والعولمة تغزونا من كل جانب، وأن النظام المجتمعي كله ليس إسلامياً. ممارسة الوعظ والإرشاد ليست مجرد خطابات دينية صبيانية، وليست أشرطة فيديو نحاول من خلالها الجهر بالرغبة في التوبة التي أصبحت موضة وأقصر طريق نحو الشهرة. القضية أعمق مما تبدو عليه، و يلزمها نقاشات جادة بين مفكرين يدركون علاقة الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحالية بما وصل إليه الدين وما سيصبح عليه. لقد أصبحت المرأة مضطرة للعمل، ولكي تعمل هناك قوانين صارمة تخضع لها، أغلب مقابلات العمل لا تسمح لنساء بالجلابيب أو بدون تبرّج أن يعملن في مكاتب شركات هدفها الأول هو جذب الزبائن لأجل تحقيق أرباح في نهاية العام . كما أنه من المفارقات أن الشباب الذين يطالبون المرأة بالحجاب الكامل هم أنفسهم من يشترطون في الزوجة المستقبلية أن تكون موظفة بأجر محترم لأنهم يؤمنون بأن الزواج مسؤولية اقتصادية قبل أن تكون دينية! على من يدعون المرأة للعودة للدور الإسلامي أن يدعوا لتأسيس شركات إسلامية يحفظ مُديروها القرآن أكثر مما يحفظون الBusiness Plan ، وأن يفكروا في بديل للنظام الاقتصادي العالمي الذي يحكم حياتنا الشخصية كما يفترض بهم أن يقرؤوا تقارير المنظمات الحقوقية العالمية عن الاعتداءات التي تتعرض لها المرأة في المجتمعات التي تفرض قوانينها نقاباً لا يظهر حتى العينين، لعلهم يفهمون أن المشكلة مشكلة عقول مريضة وليست مشكلة سراويل جينز أمريكية ضيقة