عمر صديق
التعليم و التربية مؤشران تقاس بهما قيمة الدولة و قدرتها على فرض الذات، وقدرتها على المنافسة و تسويق الهوية و النفوذ، منذ مدة طويلة إن لم نقل منذ الاستقلال، يعيش قطاع التربية و التعليم بوطننا، ارتجاجات و تذبذبات متعددة بلا اتجاه محدد، لم تفلح معها محاولات الاصلاح المتتالية، أخرها المخطط الذي الاستعجالي الذي انتهى ورقيا سنة 2012،لكن صداه و مخرجاته المادية لازالت الى يومنا هذ تراوح مكانها بين استفسارات و طلبات توضيح...،و لا ننكر تراكم التقارير المخجلة القادمة من مختلف المنظمات و الهيئات، تنعت تعليمنا بالمتدني المتأخر المتقهقر الطبقي الحلقي في اعادة انتاجه لنفس الواقع الميؤوس منه...،فحتى لا نعمم الفشل أو نقطر السواد على السواد، هناك فعلا مجهودات محترمة تكللت ببعض النجاح، كتقليص نسب الهدر المدرسي و توسيع العرض المدرسي...تطوير شراكات من أجل تعميم النقل المدرسي، الرفع المتتالي للموارد البشرية من أجل فك الاكتظاظ و غيره، كل ما سردناه لحد الان هي جزئيات صغيرة بسيطة ضمن منظومة تربوية متداخلة الاركان، تتفاعل فيها هندسة الدولة{المنهاج الرسمي} و خصائص الواقع المجتمعي المركب{فقر، خراب عائلي، تعدد اللهجات، فقدان الثقة في المدرسة المغربية، الحط من قيمة المربي...}،فالسؤال المركزي هو ما سبب انهيار المنظومة التعليمية عامة بالرغم من كل المجهودات المالية و المادية، والتعبئة الاجتماعية، وكذلك الدعوات المستمرة في خطاب العرش و غيره من المناسبات ؟ ستتقاطر الاجوبة على سؤالنا من كل حدب و صوب، وسيتم تصرفيها في مجالات مختلفة{سياسية، ثقافية، اجتماعية، دولية...}،لكن إن دققنا في الخطاب الذي يسود هذه المنظومة، هل استطاع فعلا كسر حواجز التواصل بين ذاك المسؤول و أولئك المكلفين بتتبع أجرأة الاصلاح؟ هل استطاع فعلا تفجير الرغبة الابداعية في ذلك العنصر البشري {المربي} و حرره من جبروت التهديد و التخويف ؟ هل استطاع فعلا احتضان ذلك المتعلم الميؤوس منه وأدمجه بفاعلية ضمن العملية التعليمية التعلمية ؟ هل استطلع هذا الخطاب التربوي مراعاة واقع الطفل وثقافته ومحيطه وانتمائه وقدراته واستعداداته ؟ هل استطاع هذا الخطاب استقطاب المواطنين عامة و دفعهم لتقديس حرمة المؤسسة التعليمية ؟ من هنا تظهر اهمية الخطاب التربوي و ثقله في إحداث توازنات فكرية من جهة و توضيح المنظور العام للفعل التربوي من جهة أخرى، فمثلما نرى لم يتحرر بعد الخطاب التربوي في بعديه الافقي و العمودي، من لغة التهديد و الوعيد و القصف في حق الطرف الاخر، وتحميله ما لا طاقة له به من مسؤوليات الاخفاق و الانهزام، وكذلك اجترار نفس المفردات في كل مرة و في كل مناسبة حول تقزيم معضلة أزمة التربية و التعليم في جزئيات مادية أو بشرية أو إحصائية...،ثم يستمر متعثرا في قراءة المعطيات الحقيقية للواقع التعليمي، والحرص على الهروب نحو الامام بدل التريث في تحديد مكامن الفشل بدقة و معالجتها، حتى ألفنا في كل مرة النط على التراكمات و إعادة الانطلاق من الصفر بدل القيام بتشخيص محكم بغية الاستفادة من الجوانب الايجابية في الموروث التربوي، فهكذا مقاربة قفز ضيعت على الدولة عديد الاجيال، هم من نراهم اليوم يعيشون متاهة وجدانية و وظيفية، فشواهدهم لا تؤهلهم لشيء سوى للبطالة، فهذا الخطاب التربوي السطحي المفتقر لفلسفة تنموية حقيقة و رؤية استراتيجية واضحة، رهن طاقات و قدرات في مزالق و متاهات، فصار همه هو معالجة النتائج والاثار الجانبية كذلك التماهي مع التجليات، بدل تركيز كل الجهد حول مكافحة الاسباب العميقة، حتى صارت التنمية مجرد حلم أو بضع قطرات حبر على الورق، لأنه و ببساطة لا يمكننا تحقيق هذه الاخيرة و لم ترسو بعد سفينة المنظومة التعليمية في ميناء الحاجيات و المتطلبات الاجتماعية و الاقتصادية الحقيقة، الان و بعد هدر ما يكفي من الزمن، لقد آن الاوان لتجاوز هذا الخطاب الخشبي الذي عمر طويلا وتقادم في مفرداته، وصارت هنالك ضرورة ملحة لتجاوزه، فكما نعلم جميعا أن الاحتكاك الدائم بالمعرفة و أدواتها، يفرض علينا مسايرة تطوراتها و تقدميتها، ليس فقد في العتاد و إنما حتى في الرصيد اللغوي، وسبل التبليغ، وسبل الاقناع الحجاجي، بدل الوعيد و تفريخ المغالطات، ومحاولات التيئيس نظرا للإخفاقات المتتالية للإصلاح التربوية و تهويل أزمة التعليم أن لا حل لها و مصيرها، وكذلك إعادة تسويق تلك المفاهيم المستنبطة من الشارع داخل حرمة المؤسسة التعليمية، فكان أمرا طبيعيا أن ينتشر العنف و العنف المضاد، و تنهر القيم و الاخلاق، حتى صارت فضاءات المؤسسات التعليمية ساحات للانفجار و تفريغ الشحن السلبية يمينا و شمالا.