عبد اللطيف مجدوب
الصمت أضحى يلف مقاهينا !
حاليا ؛ وكما تشهد به الملاحظة الأمبريقية ؛ فالحديث داخل المقاهي قلت وتيرته عما ألفناه قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ، فبالأمس القريب وعند ولوجنا لأي مقهى يستقبلنا صخب رواده من كل زواياه ؛ لأحاديث ذات مواضيع متضاربة ، معظمها تستعرض هموم المواطن وكدحه والعراقيل التي تواجهه في دروب حياته اليومية ، لكن اليوم فبدلا من ذلك يواجهنا جو من الصمت والهدوء المضطرب ، وكأننا على عتبة دكان الآنترنيتCybercafé ، مع مفارقة وحيدة ؛ وجود النادل مكان مستخدم الأنترنيت . فقد تحولت مقاهينا إلى مخادع أو علب لربط الاتصال بشبكات الأنترنيت ، ومن ثم إطلاق العنان للإبحار في عوالم افتراضية .. وتكاد تقتصر محلات السيبير على الطلبة والتلاميذ خلال السنة الدراسية إما لإشباع "فضولهم" المعرفي أو لاختلاس معارف ضمن العروض الدراسية .
مواقعنا الإعلامية ومواضيعها
من خلال إطلالة ؛ ولو عابرة ؛ لعينة من مواقعنا الإعلامية سيسترعي انتباهنا الإثارة الفجة في عرض موادها ومواضيعها ، أغلبها مصحوبة بأشرطة قصيرة لحوادث عنف أوعمليات إجرامية بالأحياء الشعبية وعلى قارعة الطريق ، تحت عناوين ؛ في لغتها ؛ عامية مهيجة من قبيل : " ..اقتالْ امراتو وهاعلاش .." ؛ " ..بنت سيبات راسها من الطابق الرابع .." ؛ " ..قبطوه سارق 5 مليون .." ؛ " عصابة بالسيوفا داخل حمّام لعيالات !.." .
وتعرض هذه المواقع نفسها نوافذ خاصة ومتنوعة منها " لأقلام وآراء حرة " تتطرق لمواضيع اجتماعية سياسية ، في شكل آراء ومواقف وردود فعل ... إلا أن المفارقة التي يمكن للباحث رصدها ؛ وهو يقارن بين معدلات المشاهدة لهذه النوافذ وجود حصة الأسد بالكاد تنفرد بها أخبار الإثارة المدعمة بالأشرطة القصيرة ، في حين لا تحصد النوافذ الثقافية سوى نسب جد هزيلة لا تتجاوز في متوسطها 300 إلى 400 مشاهدة على مدى يومين ، مقارنة لها مع الأولى التي تحطم أرقاما قياسية لدى المشاهدين تصل أحيانا إلى 30,000 مشاهدة أو تزيد في بضع ساعات ! مما يؤشر بوضوح على أن المغاربة في معظمهم تستهويهم ثقافة الإثارة والأشرطة القصيرة المتداولة على نطاق واسع ، وهذا ما يكسر همود المقاهي بين الفينة والأخرى عبر أصوات الفيديو وهي تستعر بين روادها إلى درجة الإحراج والمضايقة .
"من رأى منكم منكرا ..." !
ظاهرة أصبحت متفشية بين رواد شبكات التواصل الاجتماعي ، كثيرا ما تتعاطى لها شريحة واسعة من الشباب المغربي ذات الثقافة الضحلة ؛ تختزل في تهافتهم على كل المشاهد والصور المروعة ؛ في الدروب والأزقة والشوارع والأسواق ، وعلى متن الحافلات والقطارات .. بغرض التقاطها ونشرها على أوسع نطاق ؛ ولسان حالهم كأنه يقول : " من رأى منكم منكرا (فليصوره)" ، بدلا من الحديث النبوي { من رأى منكم منكرا فليغيره ...} ، يلتقطها أحيانا مصحوبة بتعاليق صوتية لشد انتباه المشاهد إلى خاصية تنفرد بها لقطات الفيديو ... لا يمضي على وقوعها أو "فبركتها" يوم أو يومان حتى تجدها تحتل الصدارة في مشاهدات المغاربة من خلال هواتفهم وألواحهم الذكية .
وبقليل من التمعن في سياق هذا التدفق الإعلامي التواصلي بين الفئات الاجتماعية ، يحق لنا القول بأن الثقافة الإعلامية العامية في طريقها ـ إن لم تكن وصلت بالفعل ـ إلى اكتساح كل الأسر المغربية وإغراقها بضحالتها وسفاسفها ، مما ينجم عنه تعطل أدوار الأسرة والمدرسة والكتاب وقدرات تحري الصدق ضمن هذه التدفقات الإعلامية الاجتماعية الصاخبة Social Media .