عبد العزيز الإدريسي
أعتقد أن العلاقات المغربية الجزائرية لم تكن في يوم من الأيام واضحة بحيث كلما حاول المغرب التقرب من الجزائر من أجل إيجاد حلول ناجعة للقضايا العالقة بين البلدين، وهي في حد ذاتها قضايا غير معقدة كما يتصور المرء.
نجد الجزائر تبتعد بخطوات بعيدة عن مساعي المغرب الحميدة، كما أن المغرب ما فتئ من خلال الخطابات السامية لجلالة الملك يوجه النداء إلى الأشقاء في النظام الجزائري إلى مائدة الحوار الجاد الشفاف، تطرح فيه جميع الأوراق والملفات حتى يتوصل الطرفين إلى الحلول الإستراتيجية التي تساهم بكل جدية وفعالية في إعادة هذه العلاقات إلى مجراها الطبيعي وبالتالي تبنى علاقة ثنائية صلبة ومثينة لا تزعزعها الظروف والمناسبات العابرة، من غير اختلاق الشروط التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وأن هذا الحوار يؤسس على الواقعية التي تصب في المصالح العليا للبلدين من خلال برامج استراتيجية تهدي إلى التوافق الايجابي الذي لا يدع مجالا للشك في بناء هذه العلاقات الأخوية السرمدية التاريخية والتي ما كانت لتزعزع لولا يد الاستعمار الدخيل، ولكن يمكن القول أنه حان الوقت والظرفية التي يمكن من خلالها تفكيك العقبات والتحديات بكل أصنافها، حيث إن روح المسؤولية المنبثقة من الوعي الحضاري والثقافي اللذين أصبح الشعبين الشقيقين ينعم بهما.
وها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، يوجه نداءا إلى الأشقاء الجزائريين من اجل اغتنام هذه الفرصة، وتجسيدها على ارض الواقع بواسطة إحداث آلية سياسية للحوار التي ليس أية آلية أخرى يمكن أن تكون لها حظوظ نجاح هذه المبادرة الكريمة التي جاءت في ظرفية الشعبين الشقيقين وهما ينتظرانها منذ أمد بعيد، يمكن أن نقول أنه منذ نداء محمد الخامس قدس الله روحه سنة 1958 من أجل التوافق والتعاون الثنائي، ومن ثم الشروع في بناء اتحاد المغرب العربي الذي هو الفكة الأساسية لعقد سوء التفاهم والاتفاق لإيجاد صيغ كفيلة لهذا الاتحاد المغاربي، وبالتالي إزاحة العقبات ثم الدفع قويا في اتجاه حل مسألة استكمال المغرب لوحدته الترابية وفي المقدمة استرجاع المغرب لصحرائه، وهي آلية ثنائية مغربية جزائرية تجتمع بالتناوب مع إمكانية حضور بعض رجال القانون والخبراء والمؤرخون والسياسيون الذين ينتمون إلى جيل ما قبل الاستقلال، الذين عايشوا الأحداث والوقائع، وأسباب تقسيم بلدان المغرب العربي من طرف الاستعمار، وقد تكون آلية مشتركة للحوار والتشاور بهدف تجاوز الخلافات القائمة لأسباب سياسوية فرضتها الظروف والأحداث على البلدين الشقيقين المغرب والجزائر.
يلاحظ ولحدود كتابة هذا المقال المتواضع، وقد مرت سبعة أيام على الخطاب السامي لصاحب الجلالة لم يصدر النظام الجزائري أي رد فعل رسمي أو غير رسمي، إلا بعض الإشارات الغير الواضحة عثرت عليها في بعض المواقع الالكترونية، وهي موسومة بشروط، على الرغم من أن جل قادة دول العالم رحبوا بفكرة الملك محمد السادس، وبالتالي قد يجرنا هذا الترحاب إلى القول بأن آفاق الحل السياسي ممكن بين الرباط والجزائر على الرغم من الإخفاقات السابقة جراء المحاولات التي سبق إليها المغرب خلال العقود الماضية، ومن هذا الموقع فإن العارفون بتاريخ سيكولوجية العلاقات المغربية الجزائرية، فهم لا ينتظرون نتائج مقنعة ونهائية لفك لغز أسباب هذه المعضلة التي تعكر الجو الأخوي بين البلدين على الرغم من أن يد المغرب ظلت ممدودة إلى الأشقاء في الجزائر منذ افتعال هذا الخلاف الذي ليس له أي موقع من الإعراب في العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد يقول البعض بأن الوضع الداخلي في
الجزائر قد لا يساعد على الاستجابة والتفاعل مع المبادرة التي أطلقها العاهل المغربي في ظل الجدل القائم داخل المؤسسات السياسية الجزائرية حول إعادة ترشيح فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، غير انه من المعروف أن المغرب ينأ بنفسه عن التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر الشقيقة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن دعوة العاهل المغربي النظام في الجزائر، فإن هذه الدعوة تحوي في طياتها وبين سطورها رسائل واضحة وقوية لها أبعادها السياسية والأمنية، والجيو اقتصادية تعني دول المغرب العربي بالدرجة الأولى، ثم الاتحاد الأوروبي ، واتحاد الخليج العربي الذين لهم ارتباطات وعلاقات وثيقة اقتصادية اجتماعية إنسانية مع الدول المغاربية، سواء فيما يتعلق بالتعاون حول الحد من الهجرة السرية، وخلق القلاقل والتطرف، حيث إن لم يوجد حل للملفات العالقة بين المغرب والجزائر فإنه لا قدر الله قد تتسع رقعة التطرف والإرهاب في المنطقة وغيرها من المناطق المجاورة لها، وهذا التصور يعيد ذاكرتي إلى الوراء وبالضبط قبل أيام لغزو العراق فلقد شددت على هذه الفرضيات في مقالات سابقة، وقد وقعت، وكانت ضرباتها قوية وآثار سلبية على الاقتصاد العالمي، وعرفت منطقة الشرق الأوسط تنظيمات زرعت الفتن والقلاقل، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، جماعة الزرقاوي، وجماعة القاعدة، والنصرة وداعش إلى غير ذلك من المنظمات الإرهابية التي أزهقت الكثير من الأرواح البريئة و لم يسلم منها لا بعيد ولا قريب، لا بريء ولا متهم.
لهذه الأسباب، على الدول المحبة للسلم والاستقرار ومن ضمنها الأمم المتحدة أن تستعمل كل آلية الضغط السياسي على الأشقاء في النظام الجزائري ليستجيبوا إلى دعوة العاهل المغربي من أجل إيجاد حل نهائي متفق عليه للعلاقات بين البلدين الشقيقين، وليعلم الناس في العالم أن الشعبين المغربي والجزائري يتطلعون بشوق ولهفة إلى اليوم الذي يوقع قادة البلدان المغاربية على اتفاق مبادئ تأسيس الاتحاد المغاربي وفتح صفحة جديدة بين الأشقاء في دول المغرب العربي، من جهة، والدول المعنية من جهة أخرى، وأعتقد أن هذا هو أمل كل مغاربي ومغاربية لأن شعوب المنطقة ضاق بها الحال وطال بها الانتظار من اجل جمع الشمل والعيش في هناء واستقرار النفس والعقل، والاطمئنان على مستقبل الأجيال الصاعدة للدول المغاربية الخمسة، المغرب، الجزائر، تونس ليبيا وموريتانيا، وما أحوج شعوب هذه الدول الشقيقة إلى هذا الاتفاق حتى يعيش الكل في امن وأمان وتآزر وتكافل من خلال زيارات الأهل و الأحباب والمآثر الطبيعية لكل قطر والتجمع العائلي.
آه كم تمنت وانتظرت هذه الشعوب هذا اليوم المشرق المضيء الساطع سماءه صافية الأديم.
السؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى تظل العلاقات المغربية الجزائرية على هذا الحال، وهما دولتان شقيقتان مصيرهما مشترك و مستقبلهما واحد؟ وهل الأخ يخذل أخاه وهما لحمة واحدة ودم واحد ومن رحم واحد، ناضلا و جاهدا ودماءهما ممزوجة سالت في الجبال والسهول وارتوت بها الرمال من أجل الحرية والاستقلال واللغة، وهم شهداء الوطن والدين والعقيدة، وسيلتقيان إن شاء الله في الجنة وهم يتعانقون، مصداقا لقوله تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون".